
اليوم السابع عشر من ينايرذكري مرور عام على احداث بري 2019 واستشهاد الطبيب بابكر عبدالحميد .
لنقف قليلا على ملابسات هذا اليوم تحديد لانه يعتبر من اهم ايام ثورة ديسمبر ، كان من الواضح ان النظام اعتمد منذ الوهلة الاولي على مبداء الصدمة فى صد الغضب المتصاعد من قبل الجماهير فى عطبرة ومواكب الخرطوم لذلك كان اطلاق الرصاص الحى والاسراف فى القتل بصورة ملفته خلال شهر ونصف منذ اندلاع شرارة الثورة الاولي ، راهنت المنظومة البائدة على اضمحلال وانكماش المد الثورى بسفك الدماء كيف لا وللنظام تجربه سابقة فى ذلك ابان احداث سبتمبر 2013 ، ولكن الشاهد فى الامر ان الشارع وبغضبه المتصاعد امتص صدمة القتل الممنهج هذه وزادت من حده المواجهه بينه وبين قوات الامن الشعبي فى تلك الفترة .
نشير الى نقطة مهمة حول حقيقة قتل المحتجين هذه كان واضحا ان النظام قد اوكل مهمة قمع الاحتجاجات لمليشياته التى افصح عنها فيما بعد علي عثمان محمد طة والتى اصطلح على تسميتها بكتائب الظل بتعاون مرحلى مع القوات التابعة لجهاز امن قوش .
احتجاجات ديسمبر شهدت تغيرات فى طبيعة المنظومة الحاكمة تمثلت فى اختلافات جذرية حول شخصية البشير التى سيطرت فى الفترة الاخيرة على مقاليد الدولة واستبعدت عناصر من الحركة الاسلامية ، كما كانت آليه تحريك المحتجيين تاخذ طابع اسطورى فى طبيعة العمل السري الذي لم تكن الاحزاب السودانية تجيده الامر الذي ولد احساس شبه اكيد داخل عمر البشير بان الكيان المحرك للاحتجاجات والذي يسمي ( تجمع المهنيين ) يقف خلفه الاسلاميين الرافضين لترشيحة فى 2020 .
استقل صلاح قوش مدير مخابرات السودان فى تلك الفترة الاحداث لاطماع شخصية فاشار الي البشير بانه قادر على كبح جماح تلك الاحتجاجات فى زمن وجيز على ان لا تتدخل مليشيات النظام فى طريقة عمله تلك وبالفعل شهد يوم السابع من يناير تكتيكاً مختلف تماما عما كانت تواجه به الحكومة المواكب فكان لاول مرة وضع المحتجين دخل كماشة القوي الامنية وظهرت عربات جهاز الامن منذ صباح اليوم المشار اليه على مدخل الجسور ( الكباري ) التى تربط مدن العاصمة القومية ، فنقطة التقاء المحتجيين كانت قلب السوق العربي بالعاصمة القومية وعلى اسطح المبانى انتشرت قوات امنية كثيفة مزودة بعدسات التقريب وبنادق قنص حديثة وتم ربط افرادها باجهزة اتصال مع افراد داخل الاحتجاجات ، ظهرت ايضا ولاول مرة فى السابع عشر من يناير للعام الماضي فى مواكب تجمع المهنيين تفتيش المواصلات والعربات الخاصة وانزال الثوار من عليها ومصادرة هواتفهم المحمولة ، وتمت محاصرة كل منافذ السوق العربي وحتى الشوارع الضيقة ، وقبل الموعد المحدد بحوالي ساعة تم اصدار اؤامر لكل المحلات التجارية بالاغلاق من قبل السلطات ، وكان نجاح قوش قاب قوسين او ادنى بعد ان زرع عدد كبير من منتسبيه وسط المحتجيين وبالفعل تمت اليسطرة على جغرافيا الحراك فى ساعات معدودة من قبل الاجهزة الامنية ومن كاميرات مراقبة معده خصيصاً داخل السوق العربي كانت مراقبة قوش لقواته وهي تحكم السيطرة على قلب السوق العربي ويتم نقل الثوار بعربات الجهاز الى خارج نطاق الخرطوم ما بين معتقل او يتم انزاله فى امدرمان او الخرطوم بحري على حسب ردة على سؤال ساكن وين …؟
تنفس قوش الصعداء وهو يري احكام الاجهزة النظامية التابعة له على زمام الامور دون ان يسقط قتلى او جرحي ، و هذا يعتبر مؤشرا خطير لخصوم قوش الذين فى السلطة .
ومع نهايات اليوم ومن الساعة الواحدة الي الساعة الرابعة كان محيط السوق العربي شبه ثكنة عسكرية تسيطر عليها قوات مدير جهاز الامن استطاع بعض الثوار التجمع فى منطقة بري وهى حى سكنى بالخرطوم اشتهر منذ احداث سبتمبر 2013 بقوة مناهضتها للنظام تجمع عدد غير قليل من المحتجيين السلميين بهذا الحي وبدات موجه مواجهات جديدة تندد بالنظام الحاكم وسياساته فى هذه الاثناء وبطلب رسمى من صلاح قوش تم اضعاف شبكة الانترنت وقطعها تدريجياً باضعاف ابراج الاتصالات حول وداخل منطقة بري ، ومع ذلك وحوالي الساعة الرابعة والنصف بداء توافد الثوار للمنطقة تحركت القوات المشار اليها تحيط بالحي السكنى مع اطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي فى الهواء لتفريق المحتجيين من الحي استمرت المواجهه بين الثوار وقوات قوش دون سقوط قتلى واستطاعت الجماهير الغاضبه ان تمنع تلك القوات من دخول الحي فى اكثر من مواجهه كان واضحا ان الحراك الثوري فى تنامى مع توافد عدد كبير من الشباب الثائر الى الحي ، ومع استمرار المواجهه فى مناطق معزوله داخل العاصمة القومية ( بري – العباسية اقل ضراوة ) كانت ابتسامة قوش تتسع اكثر وهو يري تخطيطة ذاهباً الى نجاح مبهر فى حساباته الشخصية وبالتاكيد لن يعجب هذا المتنفذين داخل المؤتمر الوطنى و بالاخص ان الرجل له طموح فى الحكم لا يخفيه اطلاقاً فقد كان مسجونا قبل حين بسبب تلك الاطماع وتم اعطاء الاؤامر بتدخل مليشيات الحزب للمساعدة فى قمع تلك البؤار وتحركت المليشيات للتجمع الاكبر والاقرب وبهدف محدد اكبر من القمع فموجة المواجهه الان انخفضت تمام وتتمركز حيز ضيق كما اشرنا بري والعباسية
وبالفعل كانت المواجهة بين قوات قوش والثوار تاخذ الطابع الزمنى مع محاصرة الثوار فى بري وبذلك تكون خطة صلاح قوش قد نجحت فى ذلك اليوم على اقل تقدير.
استمر حصار الحى ومحاولة مستمرة للدخول من قبل القوات الى ان كانت لحظة الحسم عندما حاولت مليشيات الحزب الحاكم الدخول من احدي الاتجاهات لداخل الحى وتم التصدي لها بقوة من قبل الثوار وفى محاوله منها لسحب الثوار الى خارج جغرافيا الحى السكنى للشارع الرئيسى حيث كان يرتكز عدد من قناصة النظام ، وبمجرد ان تم ظهور الثوار وهم يطاردون تلك المليشات تم اطلاق رصاصة قناص استقرت في عين احد الثوار ( الفاتح النمير ) استشهد فى وقت لاحق سقط الثائر متاثر بالاصابة المباشرة التى كانت تستهدف الراس وحمل على اكتاف الثوار وانتشرت حالات من الغضب ممزوجة مع خوف المواجهه مرة اخري خارج نطاق الحى ومع تقدم الساعات تمت مداهم الحى بعد اطلاق الغاز المسيل للدموع بصورة كثيفة جدا من عدده اتجاهات داخل البيوت وفى المساجد والشوارع حتى كاد مدي الرؤيه ان يختفى وبدات مداهمات البيوت والمنازل للاعتقال ، فى هذه الاثناء ومع نزول الشمس للمغيب وانتشار الغاز المسيل للدموع بصورة كثيفة فى شوارع الحي كانت هنالك طبيب شاب يعمل بمستشفي احمد قاسم يحاول اسعاف الجرحي والمصابيين والمتاثرين بضيق الشعب الهوائية بسبب البمبان ومع تدهور حاله احدي المرضي وبدافع انساني بحت تحرك الطبيب الى خارج المنزل الذي يقوم فيه باسعاف المرضي شاهرا يديه الى اعلي ومناديا مليشيات المنظومة بانه طبيب ولديه حاله حرجة تتطلب النقل السريع الى المستشفي وكأن ما كان تنتظرة تلك القوات قد جاء ودون تردد كان قائد تلك المجموعة يهزاء راسه ساخر من كلمة طبيب وتجمعت احقاد الدنيا كلها امام عيني الرجل وهو يضرب الطبي الذي راي السلاح موجها اليه فحاول ان يعود من حيث اتى رافعا يديه بنفس الطريقه الاولي وانطلقت رصاصة الغدر من بندقية خرطوش بغل رجل بلغ من العهر ما بلغ لتستقر على ظهر الطبيب الذي لم تشفع له انسانيته .
وامعانا فى المزايدة تحرك الجداد اللالكترونى مساء نفس اليوم السابع عشر من يناير ناشرا صورة الطبيب ومعه صورة طفل يدعي ان اسمه محمد العبيد يقال انه سقط شهيد وكانما دماء سودانى واحد لا تكفي الخصوم المتناحرة داخل الحزب فهى تريد ان تقول للرئيس ان قوش فشل هذا اليوم بدليل سقوط طبيب والخدعة اخذت حتى على لجنه الاطباء وتجمع المهنيين و بعد حين تبين ان الصورة لطفل من احدي دول امريكا اللاتينية
ومع استمرار المواجهات بين النظام والثوار رحلت روح الفاتح النمير وروح الشهيد معاوية بشير خليل وتضاربت اقول صلاح قوش الذي وقف مضطربا حيال فشل خطة الامنية مما اثر على حديثة بشكل واضح فكانت احدي تصريحاته بان الطبيب تم اطلاق الرصاص عليه من قبل احدي المتظاهرات بعد ان اخرجت بندقية من حقيبة يدها وتم ارفاق فيديو يبين لحظة اصابه الفاتح النمير .
الى ان اتضحت له الرؤية بان هنالك من قام بافشال خطته متعمدا من داخل تنظيمة المؤتمر الوطنى ، فكانت الايام التى تعقب السابع عشر من يناير مسرحا لتصفية حسابات قيادات النظام وشهدت تلك الايام اعتقال عدد مقدرا من كوادر الامن الشعبي وطلاب الحزب بالمقرن بعد ان داهمتهم قوات امن قوش فى اجتماع سري وتمت مصادرة عربات الامن الشعبي لصالح جهاز الامن والمخابرات وبداء الصراع ياخذ طابعا اكثر اثارة من صراع الثوار والمنظومة الحاكمة
أكرم إبراهيم البكري