الأساطير التي تعيق تطور التعليم في السودان. (٣)

د. فضل المولى عبد الرضي الشيخ*
التدريب يُنتج الجودة والنوعية
إن المُجتمع البشري الحديث لم يَعُد بحاجة إلي الدليل والبرهان لإثبات العلاقة بين أداء المعلّم والإنتاجيّة الشاملة في المجتمع. وقد أشارت استراتيجية إعداد المعلم وتطويره المهني في العراق (٢٠١٣) إلي أن دراسة أُجريت في النمسا، أظهرت أنّ المعلّم المُدرّب يعكس في الناتج القوميّ سنوياً ما نسبته ٦.٧% من إجمالي راتبه.” كما أن الدول ذات التعليم النوعي مثل فنلندا، وكوريا الجنوبية، يمتاز مُعلموها بالتأهيل العالي. وعليه أصبح تدريب المعلميين وتأهيلهم أمرا شاغلا للدول النامية من أجل تعليم نوعي وجيد.
وقد فطن مُخطط التعليم في السودان مُنذ الوهلة الأولى إلي علاقة المعلم المُدرب ونوعية التعليم. وما استعانة العهد التركي المصرى برافاعة رافع الطهطاوي سنة ١٨٥٥ لإفتتاح أول مدرسة نظامية في السودان، وتعين “جيمس كرى”, في عهد الحكم الثنائي مديراً لمصلحة المعارف وناظراً لكلية غردون التذكارية سنة ١٩٠٠، الذي أنشأ كلية لتدريب المعلمين بأم درمان في نفس العام، وفي ١٩٣٤ تم نقل مدرسة العرفاء إلي بخت الرضا لأهمية تدريب المعلم السوداني في بيئات تسهم في تأهيلهم للعمل في كافة ربوع السودان، وإنفاذ الحكومات الوطنية لتوصيات لجنة عكراوي بإنشاء معهد المعلمين العالي، إلا تأكيدا علي أهمية تأهيل المعلم في المنظومة التربوية.
إن مفهوم تأهيل المعلمين في السودان وجودة التعليم حالياً أرتبط بالتدريب في معاهد أو كليات التربية أو الدورات التدريبية. فعل سبيل المثال نشرت صحيفة سودان اندبندنت في يوم السبت ١٥- ٦-٢٠١٩ أن مجلس التنمية البشرية والعمل يطلق برنامج لتدريب المعلمين بولاية الخرطوم من أجل مواكبة التطور الحديث في مجال التعليم. علي حسب تصريح الدكتور عبد العاطي محمد خير، الأمين العام للمجلس، بأن التدريب يعد من أهم المحاور في إطار الاستعدادات للعام الدراسي الجديد وذلك من أجل مواكبة التطور الحديث في مجال التعليم”. أ.ه. عليه يبدو أن التدريب يُنتج مواكبة التطور في مجال التعليم. وفي تصريح لدكتور الطاهر حسن الطاهر وكيل وزارة التربية والتعليم لدي مخاطبته الجلسة الافتتاحية للدورة التدريبية لمعلمي المدارس المنتسبة لليونسكو حول أهداف التنمية المستدامة والممارسات الجيدة، قال ان هذه الورشة والتي تعتبر الاولى من نوعها في اطار تحقيق الهدف الرابع من اهداف التنمية المستدامة تأتي في وقت فرغت فيه وزارة التربية بالتعاون مع شراكات التعليم من اعداد استرتيجية لمدة خمسة سنوات، مشيرا الى ان هذه الاستراتيجية غطت معظم الجوانب لتحقيق الهدف الرابع، تعليم شامل وجيد ومنصف (سودان اندبندنت، ٩/١٠/٢٠١٩).
وفي صبيحة السادس من يناير ٢٠٢٠ نشرت صحية السوداني خبراً مفاده أن وزير التربية والتعليم البروفسير محمد الأمين التوم، كشف عن دفعهم بمقترح لوزارة التعليم العالي يقضي بقبول أي طالب يحصل على نسبة ٧٠% فما فوق مجاناً بكليات التربية، بجانب القبول مجانا والدعم بمبلغ “١٥٠٠” جنيه، لأي طالب يحصل على نسبة ٨٠%، وأضاف ”هذا الدعم يستمر مع الطالب حتى يتخرج مع ضمان التعيين”. وعلي هذا الأساس يبدو أن التدريب في كليات التربية أو معاهد التربية والدورات التدريبية يُنتج المعلم المؤهل الذي يثمر جودة التعليم. وهي نفس الفكرة التي عمل النظام السابق على التسويق لها من أجل تطوير التعليم حيث حول، بلا دراسة كافية، معاهد التربية إلي كليات للتربية ليصبح كل معلمي السودان حاملي درجة البكالورويس علي الأقل، وبالرغم من أرتفاع نسبة حاملي البكالوريس، حقيقة، في مدارس الأساس بالسودان إلا أن التجربة أوضحت أن هناك تدهور في الأداء أكثر مما كان عليه من قبل، بل أن الملاحظة العابرة تشير إلي أن حاملي الشهادة السودانية أو معاهد التأهيل التربوي أكثر كفاءة من حاملي الدرجات العليا.
ومن الشواهد التي تؤكد علي أن الدرجات العلمية التي يحملها المعلم لا ترتبط بتاهيل المعلم، ففي شهر أكتوبر ٢٠١٩ أي قبل أقل من ثلاثة أشهر، أشار نائب وزير التربية والتعليم المصري وفقاً لصحيفة اليوم ١٣/١١/٢٠١٩م بخصوص مسابقات تعين المعلمين إلي اختبار ٦٥ ألفا و٥٦١ مُتقدمً للمسابقة، حيث نجح في المرحلة الأولى ٦٤% مما يدل علي أن ٣٦ الف، قد رسبوا، بعضهم حاصل علي الدكتوراه والماجستير”أ. ه. وعليه فإن تأهيل المعلم للعمل ومدى كفاءته لا يرتبط بحصوله علي درجات علمية عالية. وإنما التدريب يرتبط بالتخطيط للمنظومة التربوية اولاً ومن ثم فحص كفايات المعلمين أو المتسابقين إلي مهنة التعليم وفقاً لمخرجات المنظومة التربوية والتعليمية وتدريبهم أو تأهيلهم أو توجيههم من أجل التسكين أو النقل أو حتى الإستبعاد، وفقاً لبرنامج قائم علي أساس محورى العمل؛ ألا وهما تحليل العمل وتحليل العامل. وعلي سبيل المثال في ١٦ نوفمبر ٢٠١٩م نشرت صحيفة الإمارات اليوم أن ٦٥% من معلمي “الإنجليزية” رسبوا في اختبارات تحديد المستوى. حيث أفاد وزير التربية والتعليم بأن الوزارة تعمل علي رفع كفاءة معلميها من خلال عمليات التطوير التي تجريها لهم علي مدار العام الدراسي بحيث يكون المعلمون كافة علي كفاءة عالية.” أ.ه. وتشير هذه الإفادة إلي أن وزارة التربية والتعليم في الأمارات لها مواصفات مُحددة للمعلم ومن ثم يتم تقويمه وفقاً لهذه المواصفات. وعليه يجب فحص كفاءات المعلمين، ثانياً بعد تحديد المهام الأساسية التي علي ضوئها تتحق جودة التعليم، وليس السعى نحو الدورات التدريبية أو بالدفع بمقترحات لوزارة التعليم العالي بخصوص قبول طلاب كليات التربية. الذي يُعد قفز علي حواجز الواقع في ظل ظلام التخطيط الإستراتيجي لوزارة التربية والتعليم من جهة، وأن كليات التربية التي تعول عليها وزارة التربية والتعليم مجتمعة لم تُخرج اكثر من “طاشر” ألف خريج في العام من جهة أخرى. ووفقاً لهذا المُقرح سوف تظهر ثمار ها ما بين ٩ إلي ١٦ عام علي الأقل، حيث يدخل الطالب/ المعلم كلية التربية ويمكث فيها لمدة خمس سنوات علي الأقل، ولو وُظف بمجرد تخرجه من الكلية فإن تلاميذ ذاك المعلم سيمكثون هم إيضاً فترة لا تقل عن أربع سنوات بالجامعة، بينما عدد المعلمين والمعلمات في السودان يُقدر بميئات الآلاف، وعليه أن الحديث عن تدريب وتأهيل المعلمين لبلوغ تعليم نوعي يمثل دعاية سياسية أكثر من معالجات إستراتيجية لأزمة التربية والتعليم في السودان. ومن جهة أخرى، فإن استراتيجية “التدريب يُنتج الجودة والنوعية” ليس المسير في الوحل فحسب.
ونواصل،،،،،
د. فضل المولى عبد الرضي
استاذ مشارك، جامعة الخرطوم، كلية التربية
[email protected]