مقالات وآراء سياسية

خوازيق الإنقاذ وإعادة هيكلة الجيش

صديق امبده

سمعنا بالاستعمار ونهبه لخيرات الدول وسمعنا بالتتار واستباحتهم للبلاد التي غزوها وهدمهم لمؤسساتها، لكن هل من سمع بسلطة أو نظام يقوم بتكسير وطنه “بالمرزبَّة”؟

للأسف ما فعله نظام الإنقاذ بالسودان هو ذاك وأكثر وليس في الأمر مبالغة. خلينا من حل المؤسسات المدنية المختلفة من أول بيان شاملة المنظمات والأحزاب والنقابات، قام النظام بخلخلة كل المؤسسات بالفصل “مِن جَم” للصالح العام مما هو معلوم، وانتهى بفصل الجنوب مما ترك جرحا غائرا وأشواقا لا تغادر الروح. ثم هيأ لنهب الدولة بحل كل الجهات الرقابية مثل النقل الميكانيكي والأشغال والمخازن والمهمات وحتى الوحدات الرقابية داخل الوزارات التي تضع المواصفات، وذلك لفتح أبواب الفساد لمنسوبيه، فالدولة كلها في عرفهم غنيمة جاءتهم “بغزوة” الانقلاب. كما قام بتغيير القوانين التي تضبط الأداء الحكومي حتى مواد قانون بنك السودان المقيدة لاستدانة الحكومة من البنك المركزي حتى تمنع الإفراط النقدي المؤدي إلى انفجار التضخم. وتنصلت الإنقاذ من مهام الدولة في تقديم الخدمات لمواطنيها فأوسعت للمستشفيات الخاصة وأرادت للتعليم أن يكون خاصا بنسبة 70% كما صرح بذلك وكيل أسبق للتربية والتعليم فأغلقت الداخليات وسحبت المجانية التي لولاها لما قامت لها قائمة.

ثم وقعت في أصول الدولة بيع “من طرف” كأي ابن عاق، باعت الأراضي في العاصمة والولايات وبيوت السفارات وممتلكاتها، والتفتت إلى رموز المؤسسات العامة فقضت على مشروع الجزيرة والسكة حديد والنقل النهري وهيئة الموانئ البحرية، والخطوط الجوية السودانية وخط هيثرو (يا الفاتح جبرا). ثم أعادت القبلية والعنصرية وفتنت المجموعات المتعايشة قرون عددا حتى رويت الأرض من الدماء وأسالوا شعبة القبائل بجهاز الأمن سيء الذكر.

أما القوات النظامية من جيش وشرطة ومخابرات فقد سلبوها قوميتها، المنقوصة أصلا، وحصروها ملكا خالصا “للإخوان” وأخصوها بإرداف مؤسسات موازية مثل الدفاع الشعبي والأمن الشعبي والكتائب ومما لا نعلمه من المليشيات العسكرية الموازية. وأسوأ خوازيق الإنقاذ طُرا هو توزيع السلاح برعونة وحمق لمنسوبيها أولا ثم تجييش القبائل وتسليحها وخلق عدة جيوش في سبيل المحافظة على نظام حكم بلغ من السوء والفساد حدا أخلق ما يناسبه هو مزبلة التاريخ. العنف في الدول المحترمة هو حكر للدولة، وأي حكومة تفرط في ذلك بتسليم “دقنها” لمليشيات، مهما كانت مسمياتها، محكوم عليها بالسقوط، وإذا ربك ما ستر قد ينفرط عقد الوطن كله.

رب ضارة نافعة، وقد حانت الفرصة الان لإصلاح عود القوات النظامية المعوج تاريخيا على مستوى شريحة الضباط. المعلومات المتوفرة تقول إن قيادة الجيش السوداني من رتبة نقيب إلى رتبة لواء حتى العام 1972 كانت تتركز مناطقيا وبنسبة 70% إلى 80% في المتوسط في الخرطوم وولايات الشمال النيلي والأوسط، وكان منهم حوالي 50% على الأقل من العاصمة المثلثة لوحدها. لا أعتقد أن الحال قد تغير كثيرا في الفترة حتى مجيء غول الإنقاذ، لكن بعدها تحول الجهاز القيادي لكل القوات عقائديا إلى “الكوزنة” وبعد المفاصلة انحصر أكثر جهويا في الشمال النيلي، حتي سمعت في عام 2007 بوصف “أبناء الأحجار الكريمة” – يقصدون حجر العسل وحجر الطير- كمرادف لقوات الأمن في دارفور.

لأن تكون القوات النظامية قومية حقا يجب أن يكون الانتساب لها شفافا ومراعيا لكل المناطق، بالإضافة لتغيير عقيدتها التي تحتقر المواطن لدرجة التعيير ب” ملكي” لمنتسبيها.

البداية كيف؟

بعد تنظيف الجيش والشرطة من المؤدلجين “الكيزان بلغة اليوم” الطريق لقوميتة يكمن- في رأي- في دمج أعداد معتبرة من منسوبي الكفاح المسلح والدعم السريع في رتب وسيطة وعليا بمعايير يتفق عليها، على أن يتلقوا تدريبا مكثفا بغرض تغيير عقيدتهم القتالية وفرض نظم الانضباط المعروفة للاعتياد عليها. ويتم الدمج نزولا لصف الضباط والجنود وعندها فقط سيشعر الجميع بأنها قوات الشعب المسلحة حقيقة لا مجازا. وكجزء من تغيير عقيدة الجيش يجب إعادة تدريبهم جميعا على احترام الديمقراطية والحكم المدني، كمادة أساسية من ضمن المواد المقررة في الكلية الحربية. وبعد الهيكلة واستتباب الأمن يجب أن يتم ترحيل كل مؤسسات الجيش الجديد من المدن إلى معسكرات خارجها في أقرب وقت حتى لا يروع المواطنون كما حدث بالأمس.

صديق امبده

[email protected]

 

‫4 تعليقات

  1. الله يا سلام استاذنا المحترم د.صديق امبدة اين انت وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر الله يعطيك الصحة والعافيةكل ما قلته عين الحقيقة وانا اتذكر تماما البحث الذي قدمته عن التعليم وفرصه بالشهادات العربية ابان ديمقراطية الصادق المهدي وقد احدثت ضجة حتي في اروقة الاشتراكين الذين يتكلمون عن العدالة الاجتماعية كثيرا(الشيوعيون وغيرهم) احدثت ضجة في (السستم) . لكن في النهاية جاءت (الانقاذ) ليترجمها واقعا وتزيد عليها اطنانا من سوءات والان تركوا السودان عبارة عن اشلاء في ميدان معركة يجب علينا ان نستنفر ما بقي من العمر حتي ولو بمقدار يوم ان ندفع بلملمت ما تبقي لنعيد البناء او هكذا بدي لي نظريا

  2. الخبير الاقتصادي صديق أمبدة المحاضر السابق بجامعة الخرطوم أيام عزها ومجدها، تشرفنا بأن كنا طلاباً بكلية الاقتصاد وقتها، وإن لم نتتلمز على يديك مباشرة.
    حفظك الله ومتعك بالصحة والعافية.
    ولا يفوتني أن أترحم على أستاذنا العلامة البروف عدلان الحردلو الذي وافته المنية قبل نضوج الثورة ولم تقر عيناه برؤية الصنم وهو يتهاوى.

  3. د. أمبدة حزب أمة وزعيمه الصادق هو من سن تسليح القبائل وخلق المليشيات وأدجلة (طيفنة) الجيش فهو الذي اخترع هذه الخوازيق التي استغلها الكيزان وثبتوها تركة مثقلة تشكو منها أنت اليوم دون ذكر كل الحقيقة! لذلك وطالما عاد الحكم المدني ( وأنت تقصد الحزبي ولا تجرؤ على ذكر صفة الحزبي) أقول لو عاد الحكم الحزبي ستبقى هذه الخوازيق التي خلفها الكيزان والتي ورثها من حزب الأمة الذي سنها وهو في سدة الحكم واستغلالا لسلطة الدولة!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..