مقالات سياسية

أزمة السودان غياب المشروع القومي والوطني منذ الاستقلال

في البداية دعونا ناخذ السودان بعد الاستقلال ١٩٥٦ ، اي منذ جلاء الانجليز من السودان ، لقد ذکر الانجليز بعد خروجهم من السودان ان من محاسنهم التي ترکوها لاهل السودان هي المٶسسات المدنية ، دون ذکر الجانب السياسي الذي اصبح بمثابة کارثة تاريخية منذ انعقاد مٶتمر الخريجين الذي بنيت مقرراته و توصياته السياسية علی مصلحة النخبة الشمالية و النيلية دون مراعاة مستقبل السودان بمشروع قومي وطني لبعيدة المدی من حيث التباين وتعدد الثقافات و الاعراق و الديانات ، بدلأ من طرح مشروع قومي وطني ذات ابعاد مستقبلية الذي يجعل من السودان دولة المواطنة و المساوة و شعبأ خلوقأ کريمأ ذات ثقافات مختلفة يجمعهم التعايش السلمي و الديني معأ ، ولکنه شيء من هذا القبيل لم يحدث ، بل فات علی تلک النخبة التي تعالت بعنصريتها المفرطة علی مراکز الهامش عن قصد سياسي مدروس ، حتی لا تحظی المديريات المترامية خارج المرکز ببنيات اساسية التي کانت تحظی بها المرکز .

من هنا جاء الفارق الکبير الذي صاحب کل الحکومات التي تعاقبت علی حکم السودان ، الامر الذي جعل من الهامش ان يتخلف علی المرکز في عدم اللحاق بمضمارالمرکز الذي قطع شوطأ بعيدأ في مجال التعليم ،
بينما ظل الهامش يکبح تحت رحمة المرکز لمدة ٣٣ سنة حتی نهاية نظام النميري الذي واجهة ضغوطات من جماعة الاخوان داخل المجلس التشريعي حتی تبنی سياسة بما يسمی بنظافة العاصمة او (سياسة الکشة) التي تعنی بسياسة الابعاد من العاصمة لانها لا تشبه الهامش .
ولذلک کان يتم ابعادهم الی مديرياتهم التي ينتمون لها هولاء المبعدين والتي تعنی بالهامش وتکبح تحت طاٸلة الفقر المدقع ، ناهيک عن العداء و الکراهية المبطنة التي کانت تکنها النخبة في المٶسسات المدنية.

ودليلأ علی ذلک ما کان تجد موظفأ فيها و الا من النخبة ، بينما تخصص الخدمة العسکرية و الاعمال الهامشية و المهينة المتمثلة في اعمال خدم البيوتات ، و حتی هذه البيوتات تطلب من الخادم ان يکون لدية مستند من وزارة العمل بفروعها في البلديات المحلية و يسمی هذا المستند ب ( دفتر الخدام)
و حتی کي تحصل علی وظيفة خدام يجب عليک الذهاب يوميأ الی مثلأ اسواق الخضار حيث النخبة يتسوقون و غالبأ الی سوق الخضار بامدرمان اذا کنت من ساکني امدرمان ، هناک تجد من يصطفون علی هامش الشوارع الداخلية من سوق الخضار في انتظار ان ياتيک احد من النخب يبحث عن خدام منزل و ما عليک الا ان تبرز له تلک المستند المعتمد من مکتب العمل التابع للبلدية للاطلاع عليه و في حالة انه وافق ياخذک الی منزله کي يتم عرضک علی زوجتة بانه قد احضرت لک خدامأ ، وعندما تحضر الزوجة و لو هي اعجبت بک تقوم بشرح لک الوصف الوظيفي لخدم المنازل او البيوتات هذا بالاضافة الی تحديد الراتب الشهري الذي لا يتعدی اکثر من ٤ الی٥ جنيهات قابل لرفع الراتب في حاله تحسن الاداء.
اما الوجبة في الاغلب تکون معتمدأ علی الفتات اي Left over .
و من خلال هذا الوصف السخيف يٶکد لک في ذلک الوقت ان نسبة ٩٠% من الهامش اميون .
وهنا يکمن الفارق التعليمي و هذا ما درج عليه النخبة نتيجة لغياب مشروع وطني الذى حل محله المشروع العنصري الذى تسبب فى استمرار حروب السودان التى ساهمت فى تخلفها . و لذلک ما تجد اي توازن في کل مناحي الحياة الاجتماعية من اطراف الهامش مقارنة بالوضع في المرکز ليومنا هذا .
و ماذا بعد ان جاءت ثورة الانقاذ اللعينة التي لم تختلف کثيرأ عن سابقتها بل نفس الارث العنصري تجاه الهامش .

ان وصول جماعة الاخوان المسلمين لسدة الحکم في السودان ليس من فراغ من عمل منظم و محکم بمساعدة التنظيم العالمي للاخوان في سبيل ان يحکموا السودان الی مدی الحياة ناسين بانهم سوف يرحلون من هذا الدنيا الفانية ، مما يٶکد عندما قال زعيمهم الراحل الترابي للبشير اذهب انت. إلى القصر رٸيسأ اما انا فالی کوبر سجينأ .
و من ذلک الوقت اصبح السودان ملکأ لجماعة الاخوان في جعل الدين ستارأ لتحقيق ماربهم الدنيوية ، والدين بريء من اعمالهم الدنسة الذين فضلوا مصالحهم الشخصية علی مصلحة الوطن .
و من کان يصدق بالامس القريب قبل فض الاعتصام ان يحصل تخازل من الجيش الذي کان حماة الوطن و فجاة تحول ليکون عدوأ للمواطن الذي کان يبحث عن الاستنجاد .
ولذلک کان دماء الشهداء قدسفک هدرأ في غياب المٶسسة العسکرية التى خانت الشعب .
فتخيلوا معي ايها المواطن الکريم في نظام الجماعة الاسلامية التي حکمت ٣٠ سنة باسم الدين ؟

(١) اي دين يسمح للنظام بشراء اليات بحجم الدبابة لسحق الارواح البشرية ،او لفرم اجساد بشرية وهم احياء ؟
(٢) اي دين يسمح للنظام بقتل ثلاثة اربعاء من الشعب في حال تذمروا او ثاروا علی النظام الظالم؟
(٣) اي دين يسمح للنظام بتغير العقيدة العسکرية لعقيدة الجماعة الاسلامية التى لا تعرف شئ اصلا عن الإسلام وقيمها الفضيلة لتهذيب النفس وصون كرامة الانسان ؟
(٤) اي دين يسمح للنظام باثارة الفتن والکراهية بين الشعب الواحد وزجهم في الحروبات بعضهم البعض ؟
(٥) اي دين يسمح للنظام بارتکاب جراٸم الاغتصاب الجماعي في مناطق النزاعات؟
(٦) اي دين يسمح للنظام بتخصيص ميزانية من خزينة الدولة لتدريب وحدات امنية في وظاٸف الاغتصاب في المعتقلات ؟
(٧ ) اي دين يسمح للنظام ان يتخذ من الدولة کذبأ نموذجأ لتضليل الشعب تحت شعار القيادة الرشيدة و الحکم الرشيد ؟
(٨ ) اي دين يسمح للنظام بفتح بيوتات لممارسة الدعارة لجماعة الاخوان حبأ في النکاح والاستمتاع ؟
(٩) اي دين يسمح للنظام القيام باختلاس مال الشٶون الدينية والاوقاف ؟
(١٠)اي دين يسمح للنظام بنسخ المٶسسة العسکرية واعتماد رباطي الطرق والمليشيات المتفلتة لها في الدولة ولقتل الشعب ؟
(١١) اي دين يسمح للنظام بالاکراه في الدين و اثارة الفتن والکراهية و رفض التعايش السلمي والديني بين المعتقدات السماوية ؟
(١٢) اي دين يسمح للنظام القيام بانشاء دور اليتامی و المشردين بهدف زجهم في قتل الشعب في التظاهرات ؟(١٣) اي دين يسمح للنظام يصرح امام الملا بانه قد تعاهدوا مع الله في المساٸل الروحية ؟ اهناک اکثر من هذه الزندقة و الهرطقة الذى شهدنا تجربتها الدموية القائمة ثقافة قتل الرجال واغتصاب النساء ؟؟

بناءً علی ما سرد في هذا المقال او علی ما ذکر انفأ ،
للاسف الشديد اصبح السودان يدار بتوجيهات السياسة الخليجية وتحديدأ دولة الامارات المتحدة تتعامل مع السودان كانها حديقة خلفية لمنزله ، اعتقد ان الشعب السوداني معرض لخطر استمرار الحروبات الاهلية التي تکاد وشيکة
اما بوادر السلام الذي يحلم به الشعب السوداني اصبح من المستحيلات ان يتحقق ما لم يبتعد العسکر من سلطة السلاح مع المليشيات المتفلتة التي تطمع في ادارة دفة شٶون الدولة وهم اميون ويشكلونا المهدد الرئيسى لعملية السلام فى السودان .
فهل سمعتم الرجال البلهاء صاروا حکماء فى تاريخ حكم البشرية ؟؟
وهل السودان بعد ٦٤ عام من عمر الاستقلال و فى ظل غياب مشروع قومى وطنى جامع بعبر عن الوجدان المشترك فيما بين مكونات الشعب السودانى يمكن أن يحدث سلام واستقرار والتعايش سلمى وتسامح دينى حقيقى دون ما تتوفر الشروط الفعلية للانتقال الفعلى ؟ إنها أسئلة تعبر عن مخاوف الكاتب فى ظل الغموض الذى ما زالت تتسيد كل مواقف الراهن السياسي الذى لم نرى فيه داخل هذا النفق المظلم اى ضوء يبين الرؤية بشكل واضح حول مستقبل السودان ما بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ م

ان الله يکون في عون الشعب السوداني .

بولس کوکو کودي .
ألويات المتحدة الأمريكية .
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. شكرا للأخ بولس على هذا المقال
    وشكرا على لغتك الرصينة
    أتفق معك في كثيرا مما ذكرت في مقالك،
    نعم السوانيون الذي قادوا ما يسمونها بالحركة الوطنية كانوا متحمسين بازحة الانجليز في كراسيهم.. يعني طامعين في الحكم والتمتع بالامتيازات التي كان يتمتع بها الحاكم الانجليزي. وكانوا يظنون أنه بمجرد خروج الانجليز يستطيعون حكم البلد وإدارته .. للاسف كما قلت لم يكن لهم رؤية واضحة في كيفية حكم البلاد.. لم يكن لهم برنامج يهتدون به .. فلهذا سار السودان – بالمناسبة – بنفس الانجليز كلما ضعف هذا النفس تخبط السودان لفشل المنبرون للسياسة.. لذا تلاحظ بعد خروج الانجليز – ولا اقول الاستقلال – كان واقع الناس وحياتهم يحسد عليه حتى الرياضة والغناء دعك من مرافق الدولة ودولابها.. لم يستطع سودان ما بعد الأنجليز ان ينجب عمالقة الرياضة كصديق منزول أ, سبت دودو الذين قادوا الفريق القومي وحققوا انتصارات وفي مجال فن الغناء لا يزال مغنو السودان يرددوا اغاني عمالقة الفن يومئذ من امثال سرور او كرومة او الكاشف.. من يومئذ والسودان في كل يوم في انحطاط للاسف. لقد كان ويلات السودان من متعلميها ومثقفتها لم يستطيعوا بالمضي بالسودان خطوة واحدة.
    اما قضية العنصرية التي ذكرتها فلا يخلو اي محتمع من شيء من العنصرية حتى في مهجرك. ولكن المشكلة في بث الكراهية ورفض الآخر والاستئثار الذي تميز به فترة المخلوع. ورغم ذلك لا أبرئ الانجليز – رغم – فقد حاولوا بذر بذور الفتن فالأنجليز قصروا التعليم والوظائف في بعض الاسر بل ساعدوا في خلق اصنام لا يزال بعض السودانيين يعبدونها. الانجليز منحوا الاراضي والامتيازات لبعض الاسر والزعامات. من يمسون رواد الحركة الوطنية لم يفكروا في اطلاقا في ردم بعض سياسات الانجليز ربما لم يتنبهوا وربما رأوا ان ما فعله الانجليز في المضمون من مصلحتهم.
    واقول لك بوضوح مثلا الانجليز وظفوا النوبيين فقط في الطبخ وغسل الصحون – مرمطون يعني ـ اكثر النوبيون تعلموا في مصر أو أبائهم عاشوا في مصر .. ولهذا كان السودانيون يضحكون عليهم ويحتقرونهم لأنهم طباخيين!! الشايقية وضفوا في الشرطة – فكان الشايقي صول او شاويش – الجنوبيون كانوا طلب وحفارين وبعضهم في الجيش.. النوباويون استخدموهم في الصحة وبعضهم في الجيش.. الغريبة اطلاقا لم يعطوا فرصة الترقي في الجيش. الجعليين سلموهم التجارة البدائية بقية القبائل والمناطق تركوا هملا. مرة ثانية من يسمون رواد حركة وطنية لم يكن لهم رؤية لتفكيك هذا الواقع بل ساروا فيه وزادوا عليه.
    الى ان جاء الاسلامويون فدمروا البلاد وهلكوا العباد واورثوا المجتمع السوداني الذي كان آمنا الفظائع من منكرات الافعال والقوال والاعمال. تصور انحطوا حتى باخلاق الناس وقيمهم. بالله متى كان السوداني يقتل السوداني؟!!
    خلاصة القول ان وضع الناس والمناطق تكاد لا تجد فرق بين اقصى شمال مناطق النوبيين وشرق السودان وجنوب النيل الأزرق و جبال النوبة ودارفور واطراف كردفان

  2. بولس لك التحية . وانا اقرأ هذا الموضوع كان عندي الاحساس انني قد كتبته لان هذه الافكار ما كتبت عنه لكثر من نصف قرن . شكرا على هذا المقال الرائع والصريح . فيا ليت قومي يفهمون .

  3. جميل جدا الاخ بولس على هذا التوضيح كما ذكرت ان الكيزان هم الذين اوصلونا الي هذا الحضيض من الحال – لكن كلنا امل في هذه الثورة الشبابية المفاهمية العظيمة ثورة السودان كله التي لا تعرف جغرافيا فالسودان هو السودان لا هامش ولا مركز كما كان التعبير ، وهكذا لا تعرف الثورة تاريخ لان ما ورثناه في كافة المجالات جدير بان يجعلنا لا نلتفت الي الدمار والعار، بل النظر الى الامام للبناء والتطوير ، ولا تعرف هذه الثورة دين فالدين لله والوطن للجميع وليس في مجتمعنا متاجرة به والممارسة متاحة يعني هذه مسالة محلولة لا جدال فيها البتة
    علينا ان نضع امالنا في هذه الثورة ونعمل على تحقيق اهدافها مع مراعاة عدم ارتمائها في احضان التحالفات والتاثيرات الخارجية – لانه لا سبيل ان كنا نريد الخير بهذا السودان من تحقيق اهداف هذه الثورة الواضحة حرية سلام وعدالة والا ان لا تقم لنا قائمة – حتى يصلي عمر البشير الجمعة القادمة في كاودا – اخي بولس انا ارى في هذه الثورة تحيقيا لم تصبو اليه و تريد لانك رجل عندك احساس وايمان بالوطن الواحد العظيم ومجتمع الكفاية والعدل يعنى عاوز تشوف تحيق – بلد السرور والعظمة- نتمى ان تتحفنا بالمزيد من كتاباتك الواضحة والصريحة من اجل اعلاء شأن هذا الوطن الحبيب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..