مقالات وآراء

من أصداء حديث رئيس الوزراء

عبدالمنعم عثمان
فى تقديرى المتواضع ، ان السيد رئيس الوزراء قد اثبت ، بمالايدع مجالا للشك فى حديثه بالامس للصحفى المتميز عثمان ميرغنى ، انه رجل دولة يستخدم الموازين القسط فى تناوله للاشياء وان اختلفت مع رؤي الأخرين الذين يتحدثون وايديهم ليست فى الماء الحار لكى لا نقول انها فى البارد ! وبما انى من صنف الاخرين فليسمح لى ولتسمحوا ان أعلق على بعض الأمور ، التى يسمح لى بها وضعى خارج السلطة بالصورة التى قد تفيد من بيده السلطة وعلى راسهم السيد رئيس الوزراء .
مثلا : يقول الرئيس ان ماحدث من مجابهة لتمرد القوة العسكرية التابعة للأمن قد أثبت متانة العلاقة بين المكون العسكرى والمدنى ، وهو قول يعكس حقيقة ماحدث ولكن اذا نظرنا الى ماوراء ماحدث لوجدنا انه حدث فى الأساس لتراخى المكون العسكرى فى السلطة الأنتقالية فى تنفيذ مااتفق عليه بين الطرفين ، بل وان هذا التراخى قد يكون بسبب موقف جزء من المكون العسكرى الذى يتهم بانه لايزال يرغب فى العودة الى ماكان ! غير أن موقف الرئيس ، الذى لاشك يعلم أكثر مما نعلم عن المكون العسكرى وتصنيفاته ، يعكس الرغبه بل ومحاولة الدفع بالمكون العسكرى الى الموقف الذى قال به : ( لاتوجد مشكله فى الشراكة مع العسكر ، ونتحدث عن الشراكة والتناغم والأنسجام ، لأن الفترة الأنتقالية لن تمر دون التنسيق والتناغم ) . ومضى للقول بأن هذه التجربة تضع نموذجا ليحتذيه الآخرون وان هذه الشراكة هى التى جنبت الشعب السودانى مخاطر ما حدث فى بلدان أخرى من محيطنا العربى . وهى اقوال صحيحة وتعكس ماجرى ويجرى حتى اللحظة . ولكن ليسمح لى السيد الرئيس بأن اضيف ، بما يسمح به وضع من هو خارج السلطة ، بأن ماحدث حتى الآن من الطرف العسكرى ، او من بعضه ، قد يكون بسبب خوف هذا البعض من عودة النظام القديم الذى سيكون وبالا على الجميع ولكنه سيبدأ بهذا البعض . وأن هذا الوضع يتسبب فى أمرين خطيرين :
الأول : أنه يكبل أيدى المكون المدنى حيال مايقوم به ذلك البعض من المكون العسكرى (مثل وضع اليد على بعض الثروات والمصادر الهامة للسلطة لحل القضايا الأقتصادية الملحة بل وتصدير الذهب تحت سمع وبصر السلطة المدنية ، ومثل الأعمال العسكرية التى لايزال ذلك البعض يمارسها فى دارفور ، بل وفى بعض ولايات الشمال ).
الثانى : تاثيره على سير قضية السلام ، اذ بسبب هذه الشراكة يجد المفاوضون من حركات الكفاح المسلح ، يجدون امامهم عدو كان ولايزال أحد اسباب الحرب فى مناطقهم وهو الطرف الذى يجب الأتفاق معه على أسس السلام !
ومع ذلك فلابد من الأتفاق مع وجهة من فى السلطة بأنه لاسبيل للتخلى عن هذه الشراكة الا اذا حدث من الطرف الآخر ما يستدعى ذلك . ومن هنا فيكون من الضرورى ادخال الطرف الثالث : الشعب ومن يمثله ، فهؤلاء هم من يمثل رمانة الميزان وقد أثبتور ذلك عمليا خلال مراحل الثورة الماضية ولايزالون ويظلون . وفى حقيقة الأمر فان الدكتور حمدوك قد أكد على هذا الأمر فى العديد من ردوده ، بل وذهب فيه الى ابعد مدى ، حيث أكد على أن حكومته هى نتاج للثورة العظيمة وانهم يقدرون رغبة الجماهير فى طلب أعلى مايمكن منهم ، وانهم جاهزون للتخلى عن السلطة حال فشلهم فى تحقيق تلك الرغبة . والسؤال المهم هنا: هل يقوم الطرف الثالث بماعليه ؟ ولأهمية الأجابة فلابد من بعض التفصيل :
– الطرف الثالث يتكون من جماهير الثورة من الشباب والنساء غير المنتظمين فى مؤسسات حزبية أو نقابية أو غيرها من اشكال مدنية بالأضافة الى الأحزاب المعارضة وقوى الكغاح المسلح التى لم تشارك الحكم البائد حتى سقوطه .
– وقد مر هذا الطرف بعديد من الأختبارات منذ انتصار الثورة على النظام البائد انتصارا اوليا بازالة رؤوسه ، وهو الأمر الذى أدى الى أنكشاف المواقف الحقيقيه لمكونات هذا الطرف وبالتالى لفرز أولى للأكوام . وقد كان من نتائج هذا الفرز أن أصبحت القيادة المتمثله فى قحت تتخذ بعض المواقف التى تبدو متناقضه بسبب المواقف المتناقضه بالفعل للقيادات . وقد انعكس ذلك على الأداء الحكومى الذى يحاول الألتزام بمقررات تلك القيادات . وقد أشرت لهذا الأمر فى بعض مقالاتى المبكرة بعد ذلك الأنتصار الأولى قائلا انه أمر طبيعى ومتوقع بسبب تكوين قحت من أطراف كانت تتخذ مواقف مختلفة حتى عشية تحافها بالرغبة المشتركة فى ازالة النظام فحسب .
– ولذلك فى تقديرى أن التناقض الذى يبدو للثوار بين مواقف الحكومة الأنتقالية وما يرونه من مواقف تعكس الأهداف الحقيقة والنهائية للثورة سيظل موجودا ومستمرا طوال الفترة الأنتقالية التى ستظل تحمل هذه التناقضات الموضوعية التى اشرنا لبعضها هنا وذلك للاسباب المذكورة حول وضع قيادة قحت بالأضافة الى السبب الرئيس الذى هو ماتفرضه الشراكة بين العسكريين والمدنيين .
هذا فى مايخص العلاقة بين العسكر والمدنيين أرجو ان يسمح لى السيد الرئيس فى التعليق على أمر آخر لايقل أهمية فى تقديرى ،الا وهو أمر ضرورة وامكانية التعديل الوزارى بسبب ماذكره مدير الحديث من اراء لقحت ولغيرها حول أداء بعضهم . فقد أجاب بميمليه عليه وضعه كرجل دولة مسئول بأن الثورة التى أتت بهم ستجعلهم يذهبون اذا لم يستطيعوا القيام بما تتوقعه منهم جماهيرها من أداء متميز ، أو كما قال . ومع القبول بهذا المنطق للرجل فى موضعه ، الا اننى أرى اننا فى حاجة الى أجابة مباشرة حول بعض الوزراء الذين ظهرت مؤشرات ادائهم بل ونواياهم فى ما قاموا به حتى اللحظة . ذلك فى الوقت الذى أدى فيه بعض آخر من نفس المجلس بالصورة المتميزة التى عبر عنها المعجبون من الثوار والغاضبون من الثوار المضادين ! اذ ان لأداء هؤلاء واولئك أثر مباشر علي مصير الثورة سلبا وايجابا ، كما وضح فى قضية الذهب والدعم .
ولايخالجنى أدنى الشك فى ان الأنتصار سيكون من نصيب الماسكين بجمر الثورة حتى النهاية . غير ان توقيت وكيفية حدوث ذلك فتعتمد على شروط اساسية اجملها فى الآتى :
• وحدة القيادة السياسية المتمسكة بأهداف الثورة النهائية والتى عبرت عنها جماهير الثورة باستمرار ووضوح ،والتى اكتسبت ثباتها من تجارب الأنتفاضتين الماضيتين ، اللتين اجهضتا من نفس العناصر وبنفس الأساليب .
• الاتفاق بين قحت والسلطة الأنتقالية على خارطة طريق واضحة مستمدة من شعارات الثورة واهدافها النهائية ، مع ايجاد شكل مؤسسى لتلك العلاقة يبعدها عن العشوائية والمزاجية . على ان تشمل تلك الخارطة القضايا الرئيسة التى يتم السعى لأنجازها خلال الفترة الأنتقالية لتضع البلاد بشكل نهائى فى طريق الديموقراطية ووضع الأسس لعدم انتكاسها .
• تعميم انشاء لجان المقاومة فى أماكن السكن والعمل فى سائر انحاء البلاد على اسس ديموقراطية متفق عليها ووضع الأسس التنظيمية التى تضمن تكوين الأشكال القيادية بصورة تضمن الوحدة والأستقرار المطلوب لهذه الوحدات التى أكدت استمرار العمل الثورى فى تجاربها الماضية .
• اتخاذ القرارات الحازمة والصارمة التى أكد عليها الدكتور حمدوك فى أمور تفكيك مؤسسات النظام البائد وفى القضايا الأقتصادية وخصوصا أمور المعيشة والأمن ، مع الشفافية والوضوح الكامل بل واشراك جماهير الثورة فى اتخاذ القرارات وانفاذها .
وأخيرا فقد أكد لقاء رئيس حكومة الثورة الأنتقالية على ضرورة تكرار مثل هذه المكاشفات :
– فهى تتيح لنا رؤية أوضح حين يتحدث وبالتالى أن نعلق على ما يقول بمانرى فيه مصلحتنا جميعا كثورة وحكومتها .
– وهو يزيل بعض ماقد يعلق بأذهان الثوار من اشاعات ومكايدات يجود بها اصحاب المصلحة فى محاولتهم تدمير كل ما يؤدى الى تعجيل انتصار الثورة والحلم بأمال العودة .
– وياحبذا لوتم التعجيل بانشاء برلمان الثورة وتعيين الولاة من المدنيين ، وحتى ذلك الحين لو اتيحت لقاءات مباشرة بين الرئيس ووزرائه وممثلين لجماهير الثورة فى القواعد فى كل وقت وحين ، خصوصا وقد أتاحت تكنولوجيا الأتصالات والمعلومات آفاق عديدة لذلك .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..