
لا أعرف أن نظاما تجلت فيه صفة ” نظام الحرامية ” مثل النظام البائد ولا أعرف أن شواهد لا تخطئها العين وقفت شاهدا على نظام الحرامية كما كانت الشواهد تدل على نظام الإنقاذ ولا أعرف أن سودانيا واحدا لا يعرف فاسدا من النظام السابق أو لم يسبق له أن شاهد المسروقات أو رأى بأم عينيه حصائد المسروقات في عمارات شاهقة وفلل وسيارات فارهة وشركات وقطع أراضٍ ومصانع ومزارع ومدارس خاصة ومتاجر وجامعات وسفر وبهرجة وحفلات وأعراس وذهب بما يشيب له الولدان إلخ ..
ذلك مما كان معلوما بالضرورة .. وأنا شخصيا لم يكن مهما لدي ادعاء النظام الكاذب بأنه نظام إسلامي لأنه تخلى عن تلك الأحلام والأوهام منذ وقت طويل وترك الدين كله ليحصد الدنيا كلها وترجّل عن مطية التقوى ليركب فارهة المعصية ولم يبق له من الدين سوى لافتات وشعارات يكذب بها على البسطاء .. وكان أكثر ما يستفزني ذلك الفساد المستشري ” على عينك يا تاجر ” في كل مؤسسة ومرفق .. حتى صار الفساد مدعاة للاحترام وعنوانا للتفاخر بين المفسدين في المجتمع ولم يعد أمرا مخجلا أو حراما مذهلا .. وصار أن تأكل مما يقع تحت يديك شيئا مباحا للجميع لكنهم لم يتركوا لأحد غيرهم شيئا بعد أن جعلوها دولة بينهم واستباحوا الأموال وغلّقوا الأقفال ..!!
السؤال هو أين ذهبت تلك الأموال الطائلة المقدرة بالمليارات ؟ فإما أننا كنا نكذب وإما أننا فشلنا في إعادة أموالنا المنهوبة خوفا أو تكاسلا أو تخاذلا !!.. بالطبع لا يمكن أن يكون الشعب الذي كان هتافه الرئيس ” سلمية سلمية .. ضد الحرامية ” يكذب أو يتوهم أو يتخيل أنهم حرامية بل عاش ذلك وعايشه.. وفي اعتقادي الجازم أن الثراء الفاحش لرموز النظام كان أحد أهم الأسباب التي أجهزت على نظامهم وفي اعتقادي الذي لا يساوره شك مطلقا أن النظام كان على استعداد لقتل ثلث الشعب .. لا ليحكم فقط بل ليحافظ على كنوزه وثروته .. ولا يساورني أدنى شك أن الذين وصل بهم أحسن الظن من أرباب وأذناب النظام البائد لا يمكن أن يتوقعوا أو يحلموا أنه بسقوط نظامهم وبعد مرور عام ستكون رقابهم بعيدة عن المشانق وإن حدث فإن غاية ما يتمنونه النجاة بأنفسهم وأن يتصايحوا ” أنج سعد فقد هلك سُعيد” وأن يكون غاية المنى أن يبقى لأحدهم ” كوخ ” فقط ليأوي إليه بعد أن تضع دولة الثورة يدها على أموالهم ” بالقانون ” وتجردهم مما كسبوه من مال السحت الحرام وما أكلوه وسرقوه حراما ” طيبا “..
الآن ربما هم في نعيم مقيم وكل منهم يحدث نفسه بأمان وينظر إلى القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والعمارات والبيوت الفسيحة والحدائق ويستخدمها جهارا نهارا في رفع أزمات الشعب ومحاربة الثورة ثم يرجع إلى أهله يتمطى وينام هادئ البال مطمئنا.
حل الأزمة المالية في السودان ما كان يحتاج لعناء كبير لو كنا عاملنا سدنة وحرامية النظام بما يستحقون .. لنستعيد أموالنا المنهوبة.. لو أننا سقناهم فرادى وجماعات لسجون ” حقيقية ” لبسوا فيها ” الدمورية ” وأكلوا فيها من خشاش السجن وصادرنا جميع ممتلكاتهم ، وليس في ذلك ظلم ، لكان أصحاب النعمة المسروقة قد ردوا أموالنا وتغيرت أحوالنا..
كان الأصل أن نسترد جميع الأموال المنهوبة ونحول جميع الشركات للحكومة وكافة الممتلكات التي تملكها اللصوص بجرة قلم بقانون ” من أين لك هذا ؟؟” .. الأصل أن تسترد الدولة جميع الأموال المحمولة والمنقولة والموجودة في المصارف والمخبأة في البيوت.. من كل مسؤول وتاجر اغتنى في عهد الإنقاذ .. وما دام قد استحل أموال الشعب فإن العبء يقع عليه هو لإثبات كيف تحصل عليها .. ؟ كانت أموال مضاربات وتجارة بالدولار وهبات حكومية ومناقصات بغير وجه حق وبيع أراضي الدولة مزارعها وممتلكاتها في الداخل والخارج وكسب عمولات خيالية .. وحققت تلك المعاملات المجرمة أرباحا طائلة على حساب إفقار المواطنين .. نعم نصادرها منهم ومع ذلك نقول لهم باب العدالة مفتوح أمامكم .. ” ارفع قضية استرداد ومتى ما استطعت أن تثبت أنها من عملك وكشفت عن مصدرها .. نردها إليك ” .. تلك هي العدالة وليس البحث عن قانون لمحاسبتهم مع العلم بأن القوانين الحاكمة حتى الآن هي قوانينهم التي فصلوها علي مقاسهم للإفلات من العقاب والحساب !! كيف لا وهو نظام عرف بتبرئة الحرامي إن سرق بـعد انكشاف أمره للعامة بـ ” فقه التحلل ” وتبرئة الحرامي إن بلغ الغنى وقرر توبة النفاق بـ ” فقه السترة “.. فهل يستحق هؤلاء الرحمة أم سيف قانون صقيل لعقاب الفاسدين المفسدين .\
أموال الشعب أمامكم .. شركات .. عمارات .. وبيوت .. وفلل .. وسيارات .. ومصانع .. مزارع ..وقطع أراض بالآلاف .. صادروها وبيعوها وعلى المتضرر اللجوء للقضاء.
الثورات تخرج على الأنظمة المجرمة .. ومن العيب ألا نجد من سلطة إجرام امتدت لثلاثين سنة سوى ما تبقى من خمسة وعشرين مليون يورو فقط مع المخلوع وهي معروفة المصدر وليست من أموال السودان !! .. بل لم نتمكن حتى من استرداد المبالغ التي صرفت منها لجهات معلومة أقر بها الشهود أمام المحكمة. أين ذهبت أموال البترول والذهب وحصائل الصادر والجبايات التي طالت حتى أطفال الورنيش وستات الشاي لتدخل جيوب المجرمين ؟؟
الأنظمة الحازمة لا تتهاون مع معارضيها وأضرب لكم مثلا بما فعله إردوغان تركيا ” وإن كنت لا اعتبره مثلا ” حيث طارد من حاولوا الانقلاب عليه ليس في الداخل فحسب حين كان يطردهم من الخدمة بمئات الآلاف بل في كل مناطق نفوذهم وأغلق حتى المدارس التابعة لـ ” عبد الله غولن ” وصادر شركاتهم وأموالهم بما فيها تلك التي في السودان .. وهكذا تفعل كل الأنظمة سواء كانت ديمقراطية أو دكتاتورية .. مع خصومها .. فهل تكون الثورة السودانية قاسية إن تعاملت بحزم مع خصوم شعب السودان كله الذين أوردوه موارد الهلاك ؟؟ وأدخلوا الجوع في كل بيت لدرجة أن نسمح لهم بمحاربتنا بعد سقوطهم بأموالنا وتمتد حربهم إلى أصبحنا ” الخبز” وضرورات الحياة اليومية ؟؟
بقي شيء أخر .. لا تجعلوا جذوة حماس الثورة تموت في شبابنا .. استنهضوا هممهم .. في الزراعة والحصاد والإنتاج ولا تجعلوهم فريسة لقيادة الركشات والتبطّل في الشوارع والظلال ..
تقدموا للمغتربين خطوة .. وسوف يسابقون الريح تجاه نهضة وتنمية بلدهم .. اجعلوا برنامجكم واضح المعالم .. واضح المقدمات مضمون النتائج ..ولن يتأخر أحد .. وعندها فقط تكون الثورة قد خطت خطواتها في المسار الصحيح ..
واجهة السودان سفاراته .. وما زال سدنة النظام البائد وأبواقه يتصدرون المشهد في كل العالم.. فكيف تقنعون العالم بالتغيير ؟؟
دعكم من الأوهام والوقوف أمام أبواب الملوك والأمراء وبوابات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلخ وانتظار برق ورعود الوعود الكاذبة .. أموالنا أمامكم، فإما أن تستردوها وإما أن تعلنوا ” فشلكم عن حقكم / حقنا “.
كلمة أخيرة :
” فوا عجبا من جدِّ هؤلاء في باطلهم.. وفشلكم عن حقكم ”
الإمام علي بن أبي طالب.
أبو الحسن الشاعر