
في الشهور الأربعة الأولى من كلّ سنة تعجّ الشركات بالاجتماعات من جمعيات عمومية، ومجالس إدارة وغيرها فأصبح من الضروري أن نتوقف عند الجانب التنظيمي والإداري والقانوني لهذه الاجتماعات، فإنّ ذلك سوف يعني خطوة إلى الأمام نحو الإنتاج والعمل والازدهار الاقتصادي، حيث لا شك أنَّ الشركات تعتبر من أقوى آليات البناء الاقتصادي.
إنَّ الشركة شخصية قانونية ليس لها أي وجود فيزيائي، وإنّما وجودها معتبر من وجهة نظر القانون، وبالتالي فإنّها لا تعمل بذاتها وإنّما يعمل لها البشر والأشخاص الطبيعيّون بالوكالة، وإنّ الذين يعملون ليحققوا أغراضها المثبتة في عقد التأسيس يُسمَّون بالمدراء وجمعهم يسمى بمجلس الإدارة.
عادة ما يسمي النظام الأساسي للشركة مجلس الإدارة، أمّا إذا لم يوجد في النظام الأساسي تسمية لأعضاء مجلس الإدارة فإنّ الأشخاص الذين وقعوا على عقد التأسيس يعتبرون هم مجلس إدارة الشركة إلى حين انتخاب مجلس إدارة للشركة في أول اجتماع عمومي ينعقد.
إنَّ مجلس إدارة أية شركة يعتبر وكيلاً للشركة وأميناً عليها كما أنّه قد يوصف أحيانا بأنه هو الشريك المنظم، ويقول اللوردBowen إنّ مجلس الإدارة يوصف أحياناً بأنه وكيل، وأحياناً أخرى بأنّه أمين، كما قد يوصف بالشريك المنظم، وكل هذه الأوصاف والتعبيرات لا تستعمل بصورتها الشاملة لسلطات مجلس الإدارة ومسؤولياته بل إنّها تستعمل للإشارة إلى وجهة النظر المناسبة والتي ينبغي أن تعتبر.
وعندما نصف مجلس الإدارة بأنه أمين على أموال الشركة وممتلكاتها نستطيع أن نقول إنّه أيضاً أمين على السلطات التي في يده، لذلك فهو مطالب بواجب الإخلاص. ويتوقع من مجلس الإدارة نفس درجة العناية والسلوك الذي تتوقعه من الأمين، وبهذا فإنّ على مجلس الإدارة أن يعامل ممتلكات الشركة ورأس مالها وكذلك السلطات التي منحت له كأمانة في يده وعليه أن يكون حسن النية في ممارسته لجميع سلطاته المتعلقة برأس المال وإدارته، ويقول اللورد لندلي LINDLY: إنّ مجلس الإدارة، وبعبارات أكثر دقة، ليس هو أميناً على الشركة وإنّما يوصف كذلك ويعامل على أنّه أمين على أموال الشركة التي تحت يده، ويتبع هذا أنّه إذا قام مجلس الإدارة بدفع أرباح غير مناسبة فإنّه يكون مسؤولاً عن المبالغ التي دفعها، كما يتبع ذلك أيضاً أنَّ مجلس الإدارة مطالب بعدم تحقيق أي أرباح خاصة له وإذا فعل فإنّه ملزم بمحاسبة الشركة.
وبقولنا إنّ مجلس الإدارة أمينٌ على السلطات الممنوحة له، نقصد أنَّ على مجلس الإدارة ممارسة سلطاته بحسن نية وللمصلحة العامة للشركة، ومن أمثلة السلطات التي يكون مجلس الإدارة أميناً عليها: سلطته في مطالبات الأسهم، سلطته في تحديد قيمة مطالبات الأسهم، سلطته في استخدام وتوظيف أرباح الشركة، سلطته في إسقاط الأسهم، سلطته في تسجيل التحويلات التي تجرى على الأسهم، سلطته في إعادة إصدار الأسهم غير المصدرة، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ويجب أنْ نلاحظ أنّ واجب الإخلاص المطلوب من مجلس الإدارة هو مطلوب فقط في مواجهة الشركة ككل لا في مواجهة حملة الأسهم، وهذه النقطة قد تمَّ استعراضها بوضوح في قضية إنجليزية شهيرة كان فيها أحد أعضاء مجلس الإدارة قد اشترى أسهماً من عضو في الشركة في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات جارية بغرض بيع أسهم هذه الشركة بأسعار عالية، ولم يوضح عضو مجلس الإدارة هذه الحقيقة للعضو الذي اشترى منه. فقررت المحكمة أن العضو الذي باع أسهمًا لعضو مجلس الإدارة تحت تلك الظروف لا يستطيع إبطال البيع على أساس واجب الإخلاص وحسن النية المطلوبين من مجلس الإدارة، حيث إنَّ واجب الإخلاص هو في الأصل مطلوب في مواجهة الشركة ككل لا في مواجهة حملة الأسهم، وعلى الرغم من ذلك نرى أنّه من الأوفى أنْ يكون واجب الإخلاص المطلوب في مواجهة الشركة، وفي مواجهة حملة الأسهم لأنّ الإخلاص في العمل مبدأ وفضيلة إنسانية والفضائل لا تُجزَّأ.
إنّ مجلس الإدارة كما هو أمين على الشركة فهو وكيل فعلي لها، لأنّ الشركة شخص معنوي يعمل لها مجلس الإدارة بالوكالة، وأنّ العلاقة التي بين الشركة ومجلس الإدارة تحكم بموجب قانون الوكالة، وفي هذا الصدد يقول اللورد كارينز: إنّ مجلس الإدارة وكيل فعليٌّ للشركة وإنّ الشركة لا تستطيع العمل بذات نفسها، لأنّه لا وجود فيزيائي لها كما قلنا من قبل، وإنّما تعمل من خلال الأشخاص الذين هم مجلس إدارتها، وعلى هذه الحالة فإنّ العلاقة بين الشركة ومجلس الإدارة هي علاقة أصيل ووكيل.
وكي تلزم الشركة بتصرّفات مجلس إدارتها لا بدَّ أن يكون التصرف قد تمَّ تحت اسم الشركة وفي داخل اختصاصها، أما إذا تصرف مجلس الإدارة فيما وراء السلطات الممنوحة له فإنّ الشركة، شأنها شأن الأصيل يملك الحق في إجازة الوكيل، تملك الحق في إجازة تصرف مجلس الإدارة وذلك عبر الجمعية العمومية، أما إذا كان تصرف مجلس الإدارة خارج حدود صلاحيات الشركة فإنّ الشركة لا تملك ولا تستطيع إجازته، ويعتبر هذا التصرف من مجلس الإدارة باطلاً ولا أثر له.
وكضمان لمنع التداخل والتضارب بين مصالح مجلس الإدارة ومصالح الشركة فإنّ القانون ينظم العلاقة على نحو ما إذا كان هناك تصرف من مجلس الإدارة كان لأيّ عضو أو كلّ مجلس الإدارة له فيه مصلحة فإنّ عليهم الإفصاح عن هذه المصلحة في أول اجتماع مجلس إدارة ينعقد بعد ظهور المصلحة ولا يكون لهذا العضو حق الدخول في مناقشات اجتماع مجلس الإدارة، كــــما ليس له الحق في التصويت الذي يتعلق بالعقد الذي ظهرت فيه مصلحته.
وعلى الرغم من أنّ مجلس الإدارة وكيل عن الشركة إلا أنّه يتمتع بسلطات واسعة أوسع من سلطات الوكيل في الحالات العادية فمنذ أن ينتخب مجلس الإدارة أو يعين فإنّه يكتسب سلطات مستمدّة من النظام الأساسي للشركة، وكذلك سلطات من القانون، ويمارس مجلس الإدارة جميع هذه السلطات باستغلال تام ودون أي مشورة مع حملة الأسهم، وذلك على خلاف الوكيل في الحالات العادية، إذ نجده دائماً مسترشداً بالأصيل.
كما ذكرنا من قبل إنّ مجلس الإدارة يوصف أحيانا بأنه الشريك المنظم، ذلك لأنّه من جانب هو مسؤول عن الإدارة وتنظيم مصالح الشركة، ومن جانب آخر هو شريك في الشركة وحامل للأسهم، فأعضاء مجلس الإدارة هم موظفون في الشركة بلا أدنى شك، ويمكن أن يُساءلوا عن أي خرق للقانون.
على مجلس إدارة الشركة أنْ يعمل بحسن نيّـة وللمصلحة العامة للشركة، وألا يستخدم سلطاته ومعلوماته أو ممتلكات الشركة لتحقيق أي ميزة لنفسه أو ربح شخصي على حساب الشركة، وأنْ يبذل العناية والمهارة والاهتمام، وكما قال اللورد رمور Romer على مجلس الإدارة أن يعمل بصدق وأمانة واستقامة وأن يبذل من المهارة والاجتهاد ما هو متوقع من الرجل العادي في ظروفه وإمكانياته.
إنّ المسؤولية المدنية لمجلس الإدارة قد تمت مناقشتها في الفقه الإنجليزي عبر قضية Lagunas Nitrate V. Lagunas Syndicate وكان قد جاء في هذه القضية أنّ المدير قد يُساءل مدنياً من قبل الشركة:
- إذا تصرف خارج اختصاص الشركة (بمعنى أنّه أبرم عقداً أو مارس نشاطاً ليس هو مضمَّناً من ضمن أنشطة الشركة) وتعرضت الشركة للخسارة نتيجة لذلك، ومن هنا نجد أنَّ على مجلس الإدارة التأكد بأنه يوظف مال الشركة خدمةً للأغراض المنصوص عليها في عقد تأسيس الشركة لأنه إذا قام مجلس الإدارة بأي دفعيات خارج اختصاص الشركة سيلزم برد هذه الخسارة إلى الشركة.
- إذا تصرف المدير بإهمال وتقصير مما ألحق ضرراً بالشركة ففي هذه الحالة أيضاً يُساءل من قبل الشركة لجبر هذا الضرر مدنياً، وعلينا أن نلاحظ هنا أنّه لا يُساءل عن الأخطاء العفوية والمتوقعة بل يُساءل عن التقصير الذي لا يتوقع ممن هو في مهارته وخبرته.
- إذا فشل المدير بالقيام بأيٍّ من واجباته، الشيء الذي ألحق ضرراً بمصالح الشركة. إنّ هناك بعض المواد في قانون الشركات تأخذ الملمح الجنائي لفرضها لبعض العقوبات مثل عقوبة الغرامة والسجن وغيرها، هذا بالإضافة لأن مسئولية مجلس الإدارة الجنائية قد تكون تحت أحكام القانون الجنائي العام، وفي هذه الحالة تدرج ضمن الجرائم التي تقع من الموظف العام.
بالإضافة إلى مجلس الإدارة قد تعين الشركة مديراً إدارياً لها، وتتبع الشركة في سبيل تعيين المدير الإداري طرقاً مختلفة، فهي إمّا أنْ تنصّ على تعيينه في اللائحة أو تصدر قراراً بتعيينه في اجتماع عمومي أو في أحد اجتماعات مجلس الإدارة. ومن المهام التي تنتظر المدير الإداري للشركة ختم أوراق الشركة بالخاتم العام، أو التوقيع على شيكات الشركة وشهادات الأسهم، وكذلك قد يقوم بمهام إدارية كثيرة.
إنَّ وظيفة سكرتير مجلس الإدارة من أهم الوظائف في الشركة، ذلك لأنّ سكرتير مجلس الإدارة هو الموظف المسئول عن كلّ أعمال مجلس الإدارة، ويقع عليه عبء التأكد بأنَّ ما تقوم به الشركة مطابق لقانون الشركات وللائحة الشركة وكذلك مطابق للقانون العام، إنَّ سكرتير مجلس الإدارة غالباً ما يعيّنه مجلس الإدارة بموجب عقد استخدام ليمارس صلاحيته الممنوحة له في لائحة الشركة وليتمتع بحقوقه ويستخدم سلطاته التي يحدّدها عقد الخدمة الموقع بينه وبين الشركة.
أسامة رقيعة