أخبار السودان

96٪ من العملات خارج النظام المصرفي وعصابات تبيع النقود “تحقيق”

في الآونة الأخيرة كثرت بلاغات تزوير العملة خاصة تجاه الأجانب، وسجلت دفاتر الشرطة في الفترة السابقة عدداً من الحالات المشابهة لذلك، والغريب في الأمر أن أغلب المتهمين في تلك البلاغات هم أجانب الجنسية، مما يدل على أن الأجنبي هو الرأس المدبر لتلك الجرائم التي لا تشبه أخلاق المجتمع السوداني، مع وجود نادر للمتهمين السودانيين في تلك القضايا التي تعتبر مهدداً أساسياً لاقتصاد البلاد، في الوقت الذي طرحت فيه الجهات المختصة ورقة نقدية جديدة من فئتي المائة والمائتين والخمسمائة جنيه لمحاصرة عملية التزوير الواسعة التي طالت من قبل فئة الخمسين جنيها، الا انه وقبل طرحها في الاسواق تعرضت للتزوير، وقد ضبطت المباحث الفيدرالية قبل فترة شبكة تقوم بتزوير فئة المائة جنيه، ويتم توزيعها في أماكن توزيع الرصيد في كل من السوق الشعبي وأمدرمان، وكذلك تمكنت استخبارات قوات الدعم السريع من ضبط خلية اجرامية مكونة من خمسة أشخاص تعمل في تزوير العملات الاجنبية والمحلية والمستندات الرسمية وممارسة الدجل والشعوذة على المواطنين.

تحقيق: عرفة خواجة

مما يدل على أن هناك شبكات ممنهجة تعمل في هذا الاتجاه، بالرغم من ان هذا الفعل الشنيع قد جرمته كل الدول في تشريعاتها ووضعت له عقوبات قانونية قاسية، بل ان هناك معاهدات تجرم ذلك منها معاهدة جنيف التي أعطت للإنتربول الدولي صبغة المكتب المركزي الدولي لمنع تزييف العملة.

(الجريدة) شرعت في تقصي حقيقة الأمر وشرعت بجولة واسعة في أسواق ولاية الخرطوم، حيث التقت بالتجار وسماسرة العملات الذين أكدوا وجود عملات مزيفة بشكل يومي، واستطلعت عدداً من الخبراء و القانونيين وخرجت بالمثير الخطر…

الخطر الداهم

وتعريف بسيط لتزوير وتزييف العملة، فإن التزييف هو (الغش في العملة المتداولة قانوناً سواء كانت ورقية أم معدنية). ويقول تعريف آخر: (ان تصدر صورة طبق الأصل للنقود من مصدر غير شرعي)، فصك النقود وطبعها من مسؤولية حكومات الدول دون غيرها، وتتم العملية بتقليد النقوش والرسوم والزخارف الموجودة على الورقة النقدية الصحيحة، بألوان مائية وهذه الطريقة بدائية، ويستخدم فيها المزور أنواعاً من الورق السميك تختلف عن سماكة وملمس الورقة النقدية الأصلية، وهي بطيئة، فلا يستطيع المزيف تزييف أعداد كبيرة من العملة لصعوبتها، أما الفرق.

بين التزوير والتزييف، فإن الأخير هو صناعة عملة مشابهة للعملة الأصلية النقدية كما أسلفنا من قبل، ويقع التزييف على العملات النقدية دون غيرها، أما التزوير فيتم باستخدام ورقة عملة صحيحة ويقوم المزور بإجراء تغيير فيها لتحويلها من عملة ذات فئة أقل إلى عملة ذات فئة أعلى، وإن كانت عمليتا التزييف والتزوير التقليديتان بطيئتان وإنتاجهما أقل، فإن الحديثة هي الأكثر انتشاراً وخطورة من السابقتين، لأنها توفر إمكانية إنتاج أعداد وكميات كبيرة من الورق المزيف وعلى مستوى أعلى وأدق منهما، وفيها تستخدم الطابعة الليزر، ويعد ذلك من أخطر أساليب التزوير لتقنيته العالية وجودته ومطابقته بشكل كبير للأوراق النقدية الأصلية، وكشفت الإحصائيات أن التقنيات الحديثة هي التي تستخدم في تقليد وتزييف العملات، وأنها أصبحت الأسلوب السائد في كل دول العالم.

أسهل وسيلة للحصول على المال

أشار عدد من القانونيين والاقتصاديين على أن من أهم الأسباب التي أدت لزيادة جرائم تزوير وتزييف العملات تعود الى الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها الدولة، ونتج عن ذلك الغلاء الطاحن الذي لا يستطيع المواطن التعامل معه مما جعل الناس يلجأون لأساليب الاحتيال للحصول على المال لمواجهة الضغوط المعيشية، معللين أن تزييف العملة أسهل وسيلة للحصول على المال، فارتفعت بلاغات جرائم التزييف وأصبحت ظاهرة طبيعية لا تدعو للدهشة، وذلك بسبب الإجراءات الإصلاحية التي قامت بها الحكومة، مشيراً إلى أنه من بين الأسباب كذلك عدم حصول الدولة على أعلى التقنيات في اكتشاف العملات المزيفة، وبالتالي يمكن تزييفها بسهولة، بالمقارنة مع الدولار الذي يصعب تزويره لأنه مطبوع من ورق جيد وبطريقة تقنية يستحيل تقليدها، أما العملة السودانية تحتاج لتقنيات عالية حتى لا تتعرض للاختراق والتزييف مرة أخرى، وقد تسبب تزوير في رفض السفارة الامريكية التعامل بالجنيه السوداني في معاملاتها، وهذا مؤشر خطير يدل على ان العملة السودانية أصبحت غير مبرأة للذمة، وان طرح عملة جديدة في الاسواق للحد من التزوير تعتبر تكلفة اضافية للدولة، ولم تعمل على ارجاع قيمة الجنيه السوداني بين العملات العالمية، ومن الاشياء التي ساعدت على انتشار التزوير على نطاق واسع هو ان الدولة ليست لديها انظمة حديثة لاكتشاف عمليات التزييف، وذلك جعل هذه الشبكات تشرع في تزوير فئة الخمسين جنيهاً مرة أخرى قبل طرحها في الاسواق.

التجار يبرهنوا

قال التاجر أحمد المصطفى انهم أصبحوا لا يستطيعوا التفريق بين العملة الأصلية و المزورة، وذلك بسبب تكاثر المزورة في الأسواق، وأضاف أنه لا يكاد يمر اسبوع ولم يجد وسط أمواله عملة مزيفة، فهي لا تشكل أي خطورة بالنسبة للتجار لأنهم سرعان ما تستبدل عبر البيع والشراء في الأسواق خاصة الشركات.

انتشار سماسرة متخصصين

وأضاف تاجر، فضّل حجب اسمه، أن العملة المزورة متواجدة بكثرة في الأسواق خاصة عند السماسرة الذين وجدوا منها أداة رابحة للكسب غير الشرعي، فتجد أن السماسرة الذين يقومون بتسويقها ينتشرون بالأسواق بصورة كبيرة من أجل تمرير العملة المزيفة، لذلك أصبحنا نتعامل معها بصورة طبيعية في حال وجودها وسط النقود

من دفاتر الشرطة

قبل فترة قليلة تمكنت الادارة العامة للشرطة الأمنية من من ضبط شبكة اجرامية تقوم بتزييف العملة الجديدة فئة الـ(200) جنيه مع كامل معداتها التي تستخدم في التزييف اضافة الى مبلغ 600/745 جنيه، وقد تم فتح بلاغ تحت طائلة القانون الجنائي وأمر الطوارئ وجاري التحري تحت اشراف النيابة، وتهيب الشرطة المواطني بأخذ الحيطة والحذر عند التعامل النقدي بشكل عام واتباع الارشادات التي صدرت من البنك المركزي في كافة التعاملات النقدية.

ضبطيات الدعم السريع

في ديسمبر المنصرم تمكنت استخبارات قوات الدعم السريع من ضبط خلية اجرامية مكونة من خمسة أشخاص تعمل في تزوير العملات الاجنبية والمحلية والمستندات الرسمية وممارسة الدجل والشعوذة على الموطنين.

وقال الناطق الرسمي لقوات الدعم السريع العميد جمال جمعة، انه بتاريخ ٢٠١٩/١١/٢٦م وبعد عمليات من الرصد والمتابعة الدقيقة واللصيقة تمكنت استخبارات الدعم السريع من ضبط شبكة إجرامية من 5 اشخاص في شقة بحي جبرة بالخرطوم يستغلونها في ادارة نشاطهم الاجرامي.

وكشف جمعة انه تم العثور على العديد من الأدوات المستخدمة في الجرائم المختلفة تتمثل في ثلاثة أجهزة (لاب توب)، تحتوي على نسخ من المستندات والأوراق الرسمية المراد استخدامها، بالاضافة الى عدد كبير من العقود الخاصة بالمصالح الحكومية والشركات الخاصة.

وأكد جمعة أنه تم العثور على عملات أجنبية ومحلية، وقال إن من بينها مبلغ مائة الف دولار امريكي، وعملات أخرى لدولتي زامبيا والسودان جاهزة للطباعة، وقال إن العصابة متخصصة في تزوير العملات الاجنبية المختلفة خاصة الدولار الأمريكي وتزوير العملات المحلية وتزوير مستندات وشيكات وأوراق مالية وعقود وخطابات محلية وأخرى خاصة بمعاملات دولية، لافتاً الى أن العصابة كانت تخطط للقيام بعمليات احتيال ضخمة على سودانيين وأجانب.

ومضى جمعة الى أن الخلية الاجرامية قامت بتزوير مستندات خاصة بالشرطة والنيابة العامة والقضاء وأخرى تخص المجلس العسكري الإنتقالي السابق، مشيراً الى انها زورت العديد من الخطابات حملت تفويضاً من قوات الدعم السريع لبيع عدد(21) عربة (بوكس دبل كاب) .

وأكد جمعة أن الخلية الاجرامية نفذت عدداً من عمليات الاحتيال بواسطة إيهام البسطاء بالدجل والشعوذة بإستخدام اشكال من الحجارة الملونة بزعم أنها حجارة كريمة، وقال: هؤلاء يستخدمون بخوراً يطلق عليه اللبان الضكر تم توفيره من عدد من البلدان بالاضافة الى (الحجابات) والبخرات والمكتوبة مخططات وطلاسم وتضليل الضحايا بأنها لتضليل الجن.

وأوضح جمعة أن زعيم العصابة يدعى (ه أ م ي) ويمتاز بالذكاء الحاد ويتحدث أكثر من 5 لغات بطلاقة، مشيراً الى انه سبق وأن إنتحل صفة رائد بـ (الانتربول)، لافتاً الى انه كان قد تم القبض عليه بواسطة السلطات الكينية وتم إبعاده وتسليمه لدائرة التحقيقات الجنائية التابعة للمباحث المركزية وتم فتح بلاغ تحت المواد٩٣ ،١١٧ ،١٢٣، من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١.

لافتاً الى انها سبق وان ضبطت منتصف يوليو الماضي خلية تعمل في تزوير العملات المحلية فئة 500 ج، وقال: كانت تبيع مبلغ الف جنيه مزور مقابل 200ج حقيقي.

استبدال عملة

ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير، إن تزوير العملة هو أحد الأسباب الكبيرة لانهيار الاقتصاد وارتفاع معدل التضخم، وفي السودان يعتبر احد اسباب التضخم بجانب عدة اسباب أبرزها ضخ كميات كبيرة من العملة الاصلية أكثر من الحد المسموح، سيتسبب ذلك في قلة العرض وارتفاع حجم الطلب، أيضاً تراجع قيمة العملة الوطنية أمام العملات الاجنبية بصورة مستمرة، ويمكن التصدي لتزوير العملة باصدار عملات ذات علامات تأمينية عالية وبذلك تصبح غير قابلة للتزوير، الدول تنفق على طباعة العملة أموالاً ضخمة من أجل ضمان عدم تعرضها للتزوير، من قبل ناشدنا الدولة بضرورة تبديل العملة، نعلم انها مكلفة ولكن الضرورة تحتم ذلك، ومع التغيير الذي حدث بالبلاد نشاط كبير جداً للتزوير والتخلص من العملة وذلك باستبدالها بنقد أجنبي او ذهب، او عقارات، كنا نتوقع ان الدولة سيكون لديها استراتيجية وخطة لتبديل العملة، بطريقة لا يتأثر منها المواطن، هذا الاجراء سيعزز من ضخ السيولة داخل النظام المصرفي واستعادة السيولة التي ٩٦٪ منها خارج النظام المصرفي، مقابل ٤٪ فقط داخل النظام، وهذه نسبة مشوهة جداً وتؤثر سلباً على اقتصاد البلاد، وكان يفترض ان يكون هنالك اتجاه لاستبدال العملات من أجل تسهيل الأمور على المواطن ومحدودي الدخل.

سياسة ممنهجة

وبالمقابل أوضح المحامي والمستشار القانوني آدم بكر أن جرائم تزوير الأموال متواجدة بكثرة وسط المحاكم، وغالباً ما يكون المتهمون أجانب، نسبة لأن الأجنبي له علاقة وتطلعات واسعة بتزوير العملات في الخارج، نسبة لأنه بالخارج يوجد امكانيات عالية جداً لتزوير العملة، ودور المتهم السوداني هنا ينحصر في ترويج تلك العملات، وأضاف أن الأجانب بخبرتهم الكبيرة قادرين على تزوير كافة الأموال، وأكثر عملة معرضة للتزوير الدولار، واعتبر بكر هذه الظاهرة سياسة ممنهجة من الدول المتقدمة لارهاق اقتصاد الدول النامية، الجريمة أصبحت عالمية ليست لديها حدود، وقال ان الممارسة نفذت في الحرب العامية الثانية، وان هذه الجريمة انتشرت في البلاد نسبة لأن السودان بلد متسامح في دخول الأجانب ولكن لا يتسامح في التعامل مع المجرم.

القانون الجنائي لسنة 1991

وحسب القانون الجنائي لسنة 991 الفصل الثاني عشر تزير العملة، انه من يصنع بغير إذن مشروع أو يزيف عملة معدنية أو ورقية متداولة في السودان أو في أي دولة أخرى، بقصد التعامل بها، أو يقوم مع علمه بتزييف عملة بإدخالها إلى السودان أو بإخراجها منه أو بطرحها للتداول أو بحيازتها بقصد التعامل بها، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة.

من المحررة

يتضح من ثنايا التحقيق أن هناك مجموعات منظمة تعمل في تزييف العملة وذلك بامتلاكها ماكينات حديثة تمكنهم من ذلك، الامر الذي أدى الى زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، نناشد الجهات المختصة بتكثيف جهودها للقضاء على تلك الظاهرة الى ستقضي على اقتصاد البلاد في حال لم يتم محاربتها والقضاء عليها كما يجب مراقبة الاسواق وتشديد الرقابة على المطابع وأجهزة الطباعة الداخلية وذلك لحصر الشبكات التي تعمل في هذا المجال والقضاء عليها.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..