مقالات وآراء سياسية

السجون و الخسارة الاجتماعية

أسماء جمعة

منذ سنوات ونحن نتحدث عن السجون التي اكتظت بالمواطنين بسبب سياسات النظام المخلوع، واليوم يبلغ عدد النزلاء في جميع أنحاء السودان حوالى الأربعين ألفاً، كل هؤلاء تتكفل بهم الدولة، أكل وشراب وكهرباء ومياه وعلاج، ولنحسبها فإذا افترضنا أن وجبات النزيل الثلاث تكلف يوميا 50 جنيهاً فقط، فهي بهذا تصرف عليه 1500 جنيه شهرياً وعلى الأربعين ألف 60,000,000 شهرياً و سنوياً 720,000,000 على أقل تقدير أكل فقط.

السؤال الذي نوجهه للحكومة الانتقالية ألم تسأل نفسها لماذا الاحتفاظ بكل هذا العدد من النزلاء؟ ألم تفكر مثل بقية العالم في وضع خطة تسهم في تناقص عدد النزلاء؟ ألم تفكر ما الحكمة من أن يبقى النزلاء سنين طويلة رغم توبتهم ورغبتهم في الالتزام بأن يصبحوا أناساً صالحين؟ ألم تتساءل لماذا تحتفظ الدولة بالمدينين لحين الممات؟ وتخسر مرتين بالصرف عليهم وبحرمان المجتمع من آلاف العائلين وحرمانهم من سداد دينهم وتحمل مسؤوليتها وهي غير مكلفة بأن تسجن المدين للدائن، ثم السؤال المهم من مصلحة من إبقاء السجون مكتظة؟ ولنا حديث في الأمر سنأتي إليه لاحقاً.

حقيقة وجود هذا العدد من النزلاء في السجون يؤكد أولاً أن الدولة غير مهتمة بمواطنيها النزلاء ولا بالسجون كمؤسسات مهمتها حماية المجتمع وليس التسبب في شقائه، ثانياً يؤكد أن السجون لا تقوم بعملية الإصلاح المطلوبة، والإصلاح لا يعني أن يتعلم أحدهم مهنة أو يحفظ القرءان و يدرس ويمتحن الشهادة ويلتحق بجامعة و دراسات عليا كلا. الإصلاح هو أن يصبح النزيل مؤهلاً نفسياً وعقلياً بالدرجة التي تجعله إنساناً صالحاً تماماً ومن ثم إعادته للمجتمع بأسرع فرصة ممكنة هذا هو الإصلاح الحقيقي النجاح الحقيقى السجون.

كثير من الدول استطاعت أن تخفض عدد سجونها أو تتخلص منها نهائياً بسبب جدية حكوماتها في التعاطي مع السجناء الذين تتعامل معهم من منطق الاحتواء لا العقاب، لذلك تفكر وتتعامل معهم بطريقة مختلفة عن دولتنا هذه التي ما زالت عاجزة عن اتخاذ قرار تتبنى هذا النهج ناهيك من أن تشرع في تنفيذه، رغم أن النظام الذي قام بحشو السجون سقط، و لا أدري ما الذي ينتظره النظام الجديد الذي أتت به الثورة ليقلب الموازين وليس أن يفكر ويتصرف بنفس العقلية .

نقول للسادة في الحكومة الانتقالية ونخص المؤسسات العدلية أهل القضاء والقانون والتشريع، لا بد من إعادة النظر في أمر السجون بعين العدالة، وجوهر العدالة يتصل بالجانب القيمي والأخلاقي بشكل أساس، و القوانين وضعت لمصلحة المواطن وليس ضده، وليس من العدل أن لا يكون لدولة برنامج لمعالجة أمر النزلاء على المدى القريب والبعيد، فبحساب الربح والخسارة الدولة والمجتمع لا يستفيدان من وجود 40 ألف سجين، ويجب أن تراجع الحكومة حساباتها.

أعتقد إننا جميعاً بحاجة لأن نساعد الدولة لحل مشكلة السجون والنزلاء، وعليه ندعو الجميع إعلاميين، اقتصاديين، وإخصائيين، نفسيين واجتماعيين، وأكاديميين وجميع المواطنين لدعم مبادرة التيار لتصفير السجون، فحقيقة خلف كل نزيل داخل السجن أزمة اجتماعية خارجه.

أسماء جمعة

التيار

تعليق واحد

  1. يا أستاذة أسماء من يرتكب جرما في حق آخر أو في حق المجتمع لابد من معاقبته وإلا كانت دولة الفوضى واللاقانون والقوي ياكل الضعيف. ولكن يمكن خفض عدد مرتكبي الجريمة بتخفيف سياسة التجريم criminalisation وذلك بتقليل الأفعال المجرمة وقصرها على الجرائم الأساسية ضد الأشخاص والنظام العام. فالتي ضد الأشخاص تحصر جرائم التعدي على الشخص في بدنه فقط فيجرم تسبيب الأذى الجسيم والقتل والشروع فيهما فقط. وتطبق بشانها العقوبة الشرعية أو الحدية (القصاص أو الدية وتعتبر تعويضا ينفذ بالطرق المدنية مع إلغاء العقوبة التعزيرية المصاحبة لها وهي السجن. أما الأذى البسيط فيعاقب بالتعويض للشخص والغرامة للدولة وينفذان بالطرق المدنية انتهاء بحجز الممتلكات وبيعها إن وجدت وإن لم توجد فنظرة إلى ميسرة. وهذه العقوبة تطبق على الجرائم ضد المال باستثناء حد السرقة الحدية. فيكتفى برد المسروقات إن وجدت وإلا فقيمتها وتنفذ بالطرق المدنية مع التعزير بالجلد فقط وليس الحبس.أما باقي الجرائم ضد الأشخاص بخلاف جسم الإنسان كالقذف واشانة السمعة والسباب والتحرش اللفظي والايحائي والتحقير والإهانة اللفظية فتعاقب بالجلد فقط دون السجن مع التعويض إن وجد مبرره والغرامة لصالح الدولة ويحصلان أي التعويض والغرامة بالطرق المدنية سالفة الذكر.
    أما الجرائم ضد الدولة كمخالفة النظام العام بكل أنواعها فلا تعتبر جرائم بالمعنى الحرفي وانما مخالفات إدارية وردعها يكون بالتدابير الإدارية منها حرمان المخالف من بعض المزايا العامة وليس الخدمات الضرورية المستحقة له كمواطن ولا حبس أو سجن فيها مع فرض أداء خدمة عامة إن كان لذلك مقتضى.
    وهكذا فإن الإصلاح هنا لمشكلة اكتظاظ السجون يقوم على إصلاح السياسة العقابية عموما criminology & penology بتقليل الأفعال المجرمة والتخلص من عقوبة السجن التعزيرية بقدر المستطاع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..