
تابعت قبل أيام جدلاً قديماً متجدداً حول تسمية جماعات معينة لاحزابها وحركاتها السياسية بـ(الاسلامية)، وكان السؤال المحوري المطروح هو لماذا تتسمى هذه الجماعات بـ(الإسلاميين) وتحتكر لنفسها الديانة الاسلامية وتجعل منها ميزة تختص بها، هذا الجدال المتجدد أعادني سنوات للوراء تابعت فيها ذات الجدل حول هذه القضية، وما أذكره ان أمين بناني وهو من هو في (الحركة الاسلامية)، كان قد قال في هذه الحركة التي رعته وربته منذ يفاعته، وأهّلته وارتقت به إلى أعلى المراقي، أن دين السودانيين وتدينهم أحسن بكثير من تدين القطاع الغالب من الحركة الاسلامية، ويشار الى ان هذه الحركة غيّرت اسمها ولافتتها أكثر من مرة من جبهة الميثاق إلى الاخوان المسلمين إلى الاتجاه الاسلامي والجبهة القومية الاسلامية ثم أخيراً الحركة الاسلامية، ولعل هذا ما جعل زميلنا عثمان ميرغني صاحب صحيفة التيار وهو اسلامي انتسب زماناً لهذه الحركة بل كان من قياداتها الطلابية المعروفة، ليقول فيها كلاما لا يبعد كثيراً عن مقولة بناني، فهو يرى أن الاسلام ليس في حاجة لحركة أو حزب يرفعه شعاراً ولافتة يختبيء وراءها كثير مما هو غير اسلامي، والاسلام ليس في حاجة لمن يتخذه تميمة واسما، بل لمن يطبق تعاليمه السمحاء ومقاصد شريعته الغراء على الأرض ليراها الناس ويلمسوها واقعاً معاشاً، واذكر لمولانا البروفيسور الحبر يوسف نور الدائم القيادي الاخواني العتيق مقولة قديمة في هذا الصدد تكاد تطابق ما قيل، وغير هؤلاء هناك آخرون من عضوية الحركة ذاتها انتهوا إلى ذات الرأي خاصة بعد تجربة حكم باطشة وفاشلة وظالمة وفاسدة كشفت لهم ما لم يكن من اليسير اكتشافه قبلها.
وتعليقاً من جانبي أريد فقط أن أحكي حكايتين بسيطتين عن سودانيين بسيطين من عامة السودانيين الذين يعتنقون الاسلام كدين فطرة، الحكاية الأولى عن عريبي نابه وذكي استطاع إقناع اهله لمواصلة تعليمه حتى المرحلة الجامعية، في الجامعة تمكن التنظيم الاسلامي من تجنيده فأصبح أخاً مسلماً، عاد في الاجازة إلى مضارب أهله الرحل في الخلاء، كان عليه إنجاز مهمة تنظيمية كُلّف بها أثناء الاجازة وهي نشر الفكرة في أوساط أهله والاجتهاد لتجنيدهم في التنظيم، قرر أن يبدأ بأقربهم إلى نفسه ويقاربه في العمر وهو ابن عمه رفيق الصبا والمغامرات، إنفرد به وبدأ يحدثه عن حسن البنا وعن رسائله وسيد قطب وكتبه واصداراته والفكرة والرسالة وما إلى ذلك من أدبيات الاخوان حتى ملَّ صاحبه الحديث فقال له متضجراً أها وكلامك دا نهايتو شنو، قال دايرك تبقى معانا أخو مسلم، هنا هاج ابن عمه وماج وصرخ فيه أنا المسلم ذاتو ككيف تقول لى أبقى أخو مسلم.
والحكاية الأخرى حدثت في عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري، لشيخ عرب كان سيداً في قومه، وكانت علاقة خاصة نشأت بين هذا الشيخ وأحد كبار تجار المدينة، وكان كلما جاء إلى المدينة نزل عنده في بيته، وفي مرة وبينما كانوا يتآنسون داخل منزل التاجر بعد تناول العشاء هجمت عليهم قوة أمنية واقتادت كل من كان بالمنزل من الرجال وأودعتهم الحراسة.
شيخ العرب لم يكن يعلم أن صديقه التاجر من كبار الاخوان بالبلدة وقد تم اعتقاله معه بحسبانه منهم، كان المعتقلون أثناء الاعتقال يكثرون من قراءة القرآن، والشيخ لم يكن يحفظ غير الحمدو وقل هو الله أحد، بعد ثلاث ليالٍ اكتشفت السلطة أن الشيخ لا ناقة له ولا جمل في الموضوع فأطلقوا سراحه، بعد أن شم الشيخ الهواء تقمص شخصية المناضل والمجاهد الكبير وقارئ القرآن الواصل، فصار يقول لكل من يزوره والله أنا بالحمدو وقل هو الله أحد مرقت إلا جماعتي خليتهم لسه يقروا ساكت في ياسين والبقرة وياتو ياتو من السور بدون فائدة..
حيدر المكاشفي
الجريدة