
31 أغسطس 2006
ماذا يجري في دارفور الآن، وهل صحيح أن الأوضاع الإنسانية والأمنية قد وصلت درجة من الخطورة تستدعي ذلك الإنذار الخطير، الذي صدر عن مفوض الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الإنسانية، ووجه هذا الأسبوع إلى مجلس الأمن محذراً بأنه مع استمرار هذه الحالة “فإن العالم سيواجه في دارفور أكبر كارثة إنسانية ومن صنع البشر”؟!
ففي عبارات وكلمات شديدة الوضوح، قال السيد جان إيجلند كبير موظفي الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية، إنه وبناء على تقارير ميدانية تلقتها المفوضية من دارفور خلال الشهرين الماضيين (يوليو- أغسطس) فإنه يرى أن الأوضاع في دارفور تتدهور أمنياً وإنسانياً بصورة ستجد معها المفوضية أنها مرغمة وستضطر لسحب موظفيها العاملين هناك. وقد ذكر بوجه خاص أن ارتفاع نسبة التعدي بل والقتل التي تعرض لها موظفو الإغاثة الإنسانية، قد ارتفعت بدرجة لم تحدث منذ عام 2004. وذكر أيضاً أن حوادث الاعتداء والانتهاك ضد النساء اللاجئات إلى معسكرات اللاجئين قد بلغت حداً غير مقبول، وقد وجد العاملون في الإغاثة أنفسهم في وضع يهدد سلامتهم الشخصية. ونبه الموظف الدولي الكبير إلى “أن المجتمع الدولي قد انشغل خلال الفترة الماضية بالقضية اللبنانية- الإسرائيلية، ويبدو كأن قضية دارفور قد نُسيت تماماً، وأن هنالك عجزاً في المال المقرر وفق البرامج الدولية يبلغ أكثر من ثلاثمائة مليون دولار”!
وهذا الإنذار الخطير الصادر عن الموظف الدولي، جدير بأن يثير أولاً، قلق السودانيين حكاماً ومحكومين، فما حدث ويحدث في دارفور هو قبل كل شيء مأساة وطنية سودانية، ستجر ذيولها البشعة ليس على غرب السودان الجغرافي وحده، ولكن على كل النسيج البشري السوداني، وستفتح أبواباً أكبر وأوسع مما هي مفتوحة الآن، لصراعات دامية لم يعد في وسع المجتمع السوداني أن يتحمل مزيداً منها.
والحقيقة المؤلمة التي يجب أن يعيها الجميع، أن هذا “المجتمع الدولي” مع افتراض كل حسن النوايا في إنسانيته وإنسانية توجهاته لحل المشاكل القضايا السودانية المعقدة، ما كان ولن يكون يوماً بديلاً عن الإرادة الوطنية السودانية وقدرتها على حل مشاكل وطنها وقضاياه، ليكون بعد ذلك العون والمساعدة الدولية عنصرين مساعدين لهذه الإرادة الوطنية.
إن كثيراً من الناس قد تفاءلوا بالاتفاقات التي وقعت في نيجيريا بين الحكومة وبعض الأطراف المقاتلة في دارفور، وتصوروا أن فترة من الاستقرار والأمن ستشهدها دارفور وأنه من الممكن أن تحتوي الحكومة والأطراف الموقعة معها، الموقف، وتسعى بجدية لضم بقية الأطراف المقاتلة لاتفاقية دارفور، التي تمت بجهود أفريقية. لكن ما يحدث الآن هو نذير بأن مرحلة أخرى من العنف والاقتتال قد بدأت في دارفور، وأن انقسام الرأي بين أطراف الحكومة ما بين معارض وبقوة للقوات الدولية ومؤيد لها، سيدخل السودان في دوامة أخرى، وسيجد السودان نفسه في مواجهة لا جدوى منها أمام مجلس الأمن. ومهما كان الرأي في وجود أو عدم وجود، قوات دولية في دارفور، فإن الخطر الحقيقي هنا أن يتنامى شعور أهل دارفور بأن بقية أهل السودان قد تخلوا عنهم وأن مصائرهم الآن أصبحت معلقة بصراع لا يعرفون مبتدأه ولا آخره بين “حكومتهم الوطنية” ومجلس الأمن.
دارفور ومأساتها هي جرح في جسد السودان، صنعه تاريخ معقد وتغذيه صراعات وشهوة السلطة والثروة، ومن يقل بغير ذلك يكذب أولاً على نفسه ثم على أهل السودان.
عبدالله عبيد حسن