مقالات سياسية

ما بين رواندا ودارفور!

عبدالله عبيد حسن

21 سبتمبر 2006

من بين التظاهرات والمواكب التي خرجت يوم الأحد الماضي والتي نظمتها جماعات وهيئات السلام العالمية، تحت مسمى “يوم التضامن العالمي مع دارفور” -بحسب مصادر اللجنة المنظمة- فإن التظاهرات والمواكب قد شملت ستاً وخمسين مدينة من أفريقيا إلى المملكة المتحدة إلى أميركا الشمالية، وأن عدد الذين خرجوا تضامناً مع دارفور قد تجاوز مليوني متضامن -حظيت تظاهرة مدينة “تورنتو” باهتمام وبزخم إعلامي وحضور كثيف شمل قطاعات متعددة من المجتمع المدني الكندي، كان أبرزه الحضور المكثف للشباب والطلاب من مختلف ألوان الطيف البشري الكندي. ولقد كان لوجود رجلين متميزين في المجتمع الكندي، وربما المحيط العالمي نصيب كبير في جذب اهتمام الإعلام والجمهور لتظاهرة “تورنتو”، التي قُدر عدد المشاركين فيها بأكثر من ثلاثة آلاف شخص. أول هذين الشخصين المتميزين هو الجنرال المتقاعد وعضو مجلس “الشيوخ” الكندي الآن، “روميو دلايير”، كان الجنرال الكندي هو قائد قوات حفظ السلام في رواندا عندما حدثت المجزرة والتصفية العرقية الرهيبة في رواندا والتي ما تزال، وبعد اثني عشر عاماً تتردد أصداؤها في العالم.

ولقد كان اختيار يوم السابع عشر من سبتمبر يوماً للتضامن مع دارفور وللمطالبة العالمية بإرسال قوات من الأمم المتحدة إلى هنالك، وهو يوم بداية المأساة الرواندية، مقصوداً به أيضاً تذكير الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتلك المأساة. وكان الشعار الأعلى نغمة في تظاهرات التضامن مع دارفور هو حتى لا تتكرر مأساة رواندا مرة أخرى في دارفور. ولقد كان الشخص الثاني هو الشاب “جاستين ترودو” -الابن الثاني للزعيم ورئيس الوزراء الكندي الأسبق بيير ترودو- وهو المرشح مستقبلاً لدور كبير في حزب “الأحرار” الكندي الذي قاده والده لعقود من الزمن في القرن الماضي.

تحدث السيناتور “دلايير” حديثاً مسؤولاً ومعبراً عن همٍّ إنساني يتجاوز المناورات والألاعيب السياسية من واقع تجربته في رواندا، التي ما يزال يحمل، كما قال، آثاراً من جراحها النفسية منبهاً ومحذراً من أن تخاذل المجتمع الدولي، وبصفة خاصة القوى الكبرى القادرة على دعم الأمم المتحدة لتنفيذ مسؤولياتها تجاه دارفور، سيقود إلى كارثة وصفها بأنها ستكون مأساة القرن الحادي والعشرين. ووجّه نقداً قاسياً لتلك القوى التي قال عنها إن اهتمامها بأفريقيا وحياة وموت شعوبها مجروح ومتهم في نواياه الإنسانية ومرتبط في ذهن قادتها بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية وليس بقيمة “الإنسان كبشر مثلنا”. ونصح بأن “معركتنا الآن هي مع الزمن؛ فإذا لم نتوصل إلى حل يثبت وجود قوات الاتحاد الأفريقي، على الأقل بعد نهاية سبتمبر، وهو الموعد المضروب لانتهاء مهمتها، فإن العالم سيشهد نسخة مكررة من مأساة رواندا، وسيبقى دم ضحاياها معلقاً في رقابنا أجمعين”.

وحديث الجنرال الذي وصفناه بالمسؤولية، وأنه يعبر عن همٍ إنساني يتجاوز المناورات والألاعيب السياسية يطول، ولقد قصدنا أن نبرز مقاطع منه لأنه صادر عن رجل صاحب تجربة وخبرة يحترمها العالم (عيّن كوفي عنان دلايير عضواً في لجنة استشارية من ضمن أعضائها القس الجنوب أفريقي ديسموند توتو”.

هذا بعض ما كان من أمر “يوم التضامن العالمي مع دارفور”، الذي خرج فيه -ولنقل مئات الآلاف- من البشر في شتى بقاع أرض الله يدفعهم باعث إنساني مجرد وبريء، ليس بينه وحكومة السودان عداء ولا سابق معرفة، وليس بينه وأهل دارفور من وشيجة سوى وشيجة الإنسانية. وإذا كانت الحكومة تعتقد كما صرح أحد مسؤوليها أن هؤلاء “المتضامنين” مخدوعون ومضللون ولا يعرفون الحقيقة، فماذا يا ترى فعلت هي ليتعرف العالم غير المتآمر عليها، الذي تحرِّكه دوافع إنسانية ليعرف الحقيقة التي غابت عنه؟!
عبدالله عبيد حسن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..