أخبار السودان

في ذكرى استقلال السودان

عبدالله عبيد حسن

28 ديسمبر 2006
في الوقت الذي يقف فيه السودان على مشارف الذكرى الحادية والخمسين لإعلان استقلاله (1 يناير 1956)، تتدافع على الخاطر ذكريات ذلك اليوم المشهود، الذي هو أمجد أيام السودان. و على رغم واقع الحال الماثل الذي يحيط بذلك البلد الطيب، فإن لذكرى يوم إعلان الاستقلال نفحها وأريجها العطر لدى أجيال من السودانيين، عاصرت وعاشت ذلك الزمن الذي صنع رواده الكبار هذا الاستقلال بكفاحهم ونضالهم الحق، وخلفوا وراءهم الذكرى الطيبة والسيرة الطاهرة التي يعرفها ويقدرها لهم بسطاء الناس السودانيين، وكانوا –ومازال الأحياء منهم يضربون بهم المثل في التجرد ونكران الذات وطهارة اليد واللسان.

واليوم، وعندما أصبح التهجم على تاريخ الحركة الوطنية والأحزاب السياسية وروادها الذين قادوا سفينة الاستقلال بكل تلك القيم والصفات الحميدة، حرفة ومنهاجاً لأقلام وكُتاب سودانيين، فإن المرء ليتذكر كيف توحد السودانيون في ذلك اليوم خلف تلك القيادة التي حققت الاستقلال ورفعت علم الجمهورية الفتية. الإنكار والتنكّر وعدم إنصاف جيل من القادة الذي نشهده اليوم، عبء كبير على تاريخ السودان قبل أن يكون ظلماً وغبناً كبيرين على أولئك القادة الكبار والأحرار، الذين وهبوا أعمارهم وحياتهم من أجل عزة ورفعة وحرية هذا الوطن.

وربما كانت الذكرى الحادية والخمسين مناسبة لمراجعة جادة وموضوعية لحقبة ما قبل وبعد استقلال السودان، ولتقييم أمين ونزيه لمسيرة الحكم الوطني والحكومات الديمقراطية المنتجة، التي لم تترك لها الانقلابات العسكرية والنظم الشمولية المصاحبة لها فسحة من الزمن لتحقق طموحاتها الوطنية.

تعليق كافة المشاكل والأزمات، وما نتج عنها من انهيارات لأساس الدولة الوطنية السودانية على رقبة الحكم الوطني الديمقراطي الذي يسمونه “حكم الأحزاب والطوائف”، هو جهل وتجهيل مُتعمد، يصب في خانه معاداة الديمقراطية كأسلوب ومنهاج للحكم الوطني الرشيد، ويستهدف الأجيال الناشئة من السودانيين التي غيبت عنها حتى المناهج الدراسية السودانية حقيقة تلك المرحلة الزاهرة من تاريخ السودان ونضال شعبه من أجل الاستقلال، وتأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية. وعندما يتساءل أحد يُفترض فيه أنه بالغ وراشد عما صنع لنا الاستقلال، ويصنع من هذه المقولة موقفاً يفيض سخرية وازدراءً لرواد الاستقلال، فكأنه يريد أن يحمّل ذلك الجيل أوزار وعثرات الحاضر، الذي أوشك معه السودان على تحقيق حلم الوطن الكبير، الذي تسوده العدالة والسلم وتظلله التنمية التي تمتد خبراتها بالعدل والإنصاف لكل بقاع السودان، ولكل أهل السودان.

على دروب نضالهم من أجل التحرر والاستقلال، توحد السودانيون خلف قياداتهم الوطنية، وتجاوزوا بالوطنية السمحاء الولاءات القبلية والجهوية. الذين احتكروا السلطة والثروة وعاثوا في البلاد فساداً وإفساداً منظماً هم الذين عطلوا وأعاقوا بنيان الدولة الوطنية، وهم الذين يسعون بين الناس اليوم ليزيفوا تاريخ البلاد، وليرموا بكل كارثة حلت بالوطن ويحملوا رواده الكبار نتائجها المأساوية البشعة. لكن الشعوب بحسها وإدراكها الفطري، تعرف كيف تقدِّر وتحترم وتحتفي بذكرى أيامها التاريخية، وذكرى الرواد الذين قادوا مسيرتها الوطنية، حتى تحقق الاستقلال.
عبدالله عبيد حسن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..