مقالات سياسية

السودان و”مفاجأة” اختلاف الشريكيْن

عبدالله عبيد حسن

18 يناير 2007

ما تزال صُحف السودان ومجالسه ومنتدياته السياسية والاجتماعية وقادة أحزابه وكُتابه المهمومون بقضايا وطنهم يوالون التعليقات والتحليلات السياسية حول ذلك الحدث المدهش والفريد من نوعه، الذي كان مسرحه مدينة “جوبا”، وكان شهوده ومشاهدوه على الهواء مباشرة، وكان بطلاه النائب الأول ورئيس الجمهورية، رئيسا “الحركة الشعبية” و”المؤتمر الوطني”، الشريكان في حكم السودان بناء على اتفاق “نيفاشا”.

ما دار على الهواء في بث مباشر هجوم وهجوم مضاد، تبادله الشريكان أصبح أمره معروفاً في الداخل والخارج، وما أعقبه من تعليقات وتصريحات لقادة الحزبين الشريكين تراوحت ما بين مستنكر لقيام الرجل الثاني في الدولة ببث شكواه علناً وفي حضور الأجانب (كأنما الأجانب هؤلاء كانوا لا يعلمون حتى تلك الساعة أدق تفاصيل الخلافات بين الشريكين!)، وبين مؤيد لموقف نائب الرئيس ومفسراً له تفسيراً ثورياً، إذ أن النائب الأول كما يقولون بث شكواه علناً أمام الشعب السوداني، الذي من حقه أن يعرف، وأن يحكم على المواقف.

وواقع الأمر أن السودانيين والأجانب المعنيين، لا تكمن دهشتهم في معرفة الاتهام الذي أذاعه النائب الأول، وما شكله من مفاجأة لهم، فالجميع كان يعلم أن الخلافات بين حزبي “المؤتمر الوطني” و”الحركة الشعبية” حول أمهات القضايا العالقة، أصبحت هي الغذاء اليومي لتلك الشراكة الصعبة.

المفاجأة المدهشة للجميع كانت في الطريقة الذكية، التي أخرج بها النائب الأول قضيته مكاناً وزماناً؛ فالخيال لم يجنح بالناس ليتصوروا أنه في عيد السلام، الذي قرر الشريكان أنه إنجازهما الأكبر وفي مدينته تحديداً سيفجر الفريق “سيلفا كير” ما فجر, وفي خطاب أحسنت صياغته وانتقيت عباراته بدقة محسوبة؛ فالفريق “سيلفا كير” لم يوجه ولا كلمة نقد إلى حكومة الوحدة الوطنية، وكان حديثة مباشرة عن “حزب المؤتمر”، بل لبعض الأطراف في الحزب اتهمها بعرقلة تنفيذ خطوات السلام الشامل.

في كل التعليقات والتحليلات التي كتبت حول حادث يوم التاسع من يناير المدهش، كان ثمة سؤال ردده الجميع: لماذا الآن وبهذه الطريقة فجَّر الشريك الأول الموقف؟ من نافلة القول إن “الحركة الشعبية” ظلت تثير وتناقش تلك القضايا العالقة في غرف الحكومة المغلقة. ومن نافلة القول أيضاً إن قادة الحركة الكبار، قد نقلوا شكواهم تلك إلى أصدقاء وشركاء وضامني اتفاق السلام في عواصم بلادهم، بل إن كثيراً من كوادر “الحركة الشعبية” الناشطة في الخرطوم، لم ُيقصروا في الإعراب عن خيبة أملهم في سلوك شريكهم “حزب المؤتمر”، بل وبعض وزرائهم تجاه القضايا المحورية.

إذن ما يزال السؤال: لماذا الآن، وبتلك الطريقة المدهشة نقلت الحركة شكواها أو سجلت موقفها الثوري، كما قال أحد قادتها من الغرف المغلقة إلى الشارع وعلى الهواء مباشرة؟

الأرجح أن رئيس “الحركة الشعبية” وقادتها الكبار اتخذوا هذا القرار الحزبي الصعب ونقدوه، لإحساسهم بأن حركتهم بدأت تفقد بعضاً من الحماس والتأييد، الذي قابلتها به جماهير الشعب غير المنضوية تحت لوائها، والتي من فرط الآمال، التي عقدتها في الحركة وقيادة الزعيم الراحل جون قرنق أن تصبح هي مركب الخلاص، الذي تعبر به بحور “الإنقاذ” و”مؤتمرها الوطني”، الذي أوشك أن يغرق الوطن كله في لجة عميقة ليس لها قرار.

فكثير من الناس الذين تحمسوا لدخول “الحركة الشعبية” من بوابة اتفاق “نيفاشا” إلى السلطة، كانت تحدوهم آمال عراض -ولا أقول أوهاماً- تتمثل في أن الحركة، ستكون قادرة على لجم “المؤتمر الوطني” وعلى إرغامه “بقوة نيفاشا” والتأييد الشعبي، الذي وجدته على الخروج بالبلد سلمياً من أهوال سنوات “الإنقاذ” الأولى، والدخول في مرحلة الديمقراطية بكل ما تحمله من آمال. البعض كان يعتقد أن الحركة وأي قيادة سياسية تطمح في أن تكون قيادة شعبية حقيقية تكون عند حسن ظن آمال الجماهير المتلهفة للديمقراطية الحقة والحركة الشعبية يجب أن تعلم أن بعضاً من قوتها ليس في قوة “نيفاشا” وحدها، ولكن في دعم وتأييد وثقة هذه الجماهير التي استقبلت دخولها في حكومة الوحدة الوطنية بكثير من الثقة في حصانتها ومناعتها التي ستعصمها من الوقوع في الشرك، كما حدث لغيرها من القوى السياسية المتوالية، لذلك فإن ما تصوره البعض مفاجأة كان عملية سياسية محسوبة بدقة، لكن يبقى السؤال: ما هو العمل بعد أن يخفت بريق المفاجأة المدهشة؟!

عبدالله عبيد حسن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..