مقالات سياسية

“الحركة الشعبية” على طريق التحول الديمقراطي

عبد الله عبيد حسن

8 فبراير 2007

تتمثل أهمية المؤتمر الأول لقيادات “الحركة الشعبية لتحرير السودان– القطاع الشمالي”، والذي انعقد في الخرطوم في أنه أول مؤتمر حزبي، يستطيع أعضاؤه أن يقولوا إنهم جاءوا على طريق الانتخاب الديمقراطي ممثلين لقواعد “الحركة” التي انتشرت في ولايات الشمال العشر، وعقدت مؤتمراتها بشكل ديمقراطي، يقره الجميع. هذا بالنسبة للحركة التي بدأت بهذه الخطوة أولى خطواتها نحو التحول من حركة ثورية مسلحة إلى حزب سياسي قومي.

بالنسبة لمجمل الحركة السياسية السودانية، فإن أهمية المؤتمر سينظر إليها باعتبارها دليل عافية على أن “الحركة الشعبية” التي نشأت في جنوب البلاد، وأسسها وقادها الزعيم التاريخي الراحل “جون قرنق” ورفاقه الأربعة المؤسسون، تثبت وتؤكد بالفعل والعمل وليس القول وحده، أنها حركة وحدوية ملتزمة برؤيتها التاريخية لسودان جديد واحد مؤسس على العدل والديمقراطية والمساواة والحرية لكل أبنائه متعددي الأعراق واللغات واللهجات والثقافات والمعتقدات الدينية.

تثبيت وتأكيد هذه المقولة، كان وسيظل هاجساً وهمّاً يشترك فيه الجميع, فـ”الحركة الشعبية”، كما أحسن القول الدكتور عبد النبي علي أحمد، الأمين العام لحزب “الأمة القومي”: “مدعوة لتكون الإسمنت الصامد لتأسيس هذا التحول المطلوب”، أو كما قال الدكتور حسن الترابي، رئيس “المؤتمر الشعبي”: “إن الحركة الشعبية تفوقت على الأحزاب السياسية في الدعوة وتطبيق وحدة السودان)”.

وثانية الملاحظات حول المؤتمر الأول لقيادات “الحركة الشعبية في القطاع الشمالي”، والذي احتفت به جميع الأحزاب السياسية، وشاركت في حضور جلسته الافتتاحية ومخاطبة المؤتمرين، أن خطاب الحركة السياسي فيه ممثلاً بكلمات رئيسها الفريق “سلفا كير” وأمينها العام القائد “باقان أموم” ونائبه ياسر عرمان، تميز بالهدوء والرزانة والمرونة السياسية في مخاطبة الآخرين. فرئيس الحركة قال بكل وضوح، لا يخلو من مداعبة خفيفة، إن الذين يصفونه بأنه انفصالي يخطئون كثيراً جداً إما عن جهل أو قصد خبيث؛ فهو ورفاقه الأربعة بقيادة الزعيم “جون قرنق” كانت أولى معاركهم ضد زملائهم الانفصاليين الذين هربوا من الجنوب واحتموا بحكومة الشمال التي سلحتهم ومولتهم، فمن يا تُري منا الانفصالي؟ الذي قاتل من أجل وحدة السودان أم الذي تحالف وأيّد من يريد تقسيم السودان إلى جنوب وشمال؟!

والأمين العام للحركة الموصوف في الخرطوم دائماً بالراديكالية، جاء خطابه هادئاً ومتميزاً بنبرة قومية متسامية عندما دعا “كل القوى السياسية أن تتحمل مسؤولية فترة الخمسين عاماً الماضية، التي سادتها لغة الدمار والاحتراب وفقد فيها السودان خمسة ملايين مواطن وتحول شعبه إلى أكثر شعوب العالم نزوحاً حيث بلغ عدد النازحين ثمانية ملايين نازح، وكل ذلك كان نتيجة لغياب نظام حكم يجمعنا جميعاً” مستبعداً انفصال الجنوب عن الشمال مضيفاً: “نحن في الحركة الشعبية صححنا فهم الجنوبيين القديم لجيرانهم في الشمال، ونريد أن يقدم الناس على الاستفتاء وهم في حالة عدم خوف من التهميش” وغيره من مسببات الانفصال. وحتى إذا كان الخيار هو الانفصال، “فالجنوب ليس سجادة تُطوى وينتهي أمرها. والجنوب جارٌ للشمال وستكون هنالك مصالح مشتركة، وفي المرحلة التي نحن فيها الآن تتجه دول العالم للتوحد والتكتل والالتفاف حول المصالح المشتركة. وأنا متأكد من أن هذا هو حال السودان، ونحن نتطلع لرفع الحدود مع دول الجوار وغيرها وفق قوانين وعلاقات شراكة مع العالم”. ولعل أبرز ما لفت النظر في خطاب أمين عام “الحركة” دعوته الحارة لكل القوى السياسية الأخرى (إلى جانب شريكه حزب المؤتمر الوطني) للمشاركة في حراسة وتنفيذ اتفاق السلام الشامل الذي قال عنه: “صحيح أنه اتفاق ثنائي بين “الحركة الشعبية” و”المؤتمر الوطني” لكنه أصبح ملكاً لكل الشعب السوداني، لأنه كان المساومة الوحيدة الممكنة سياسياً، فلنعتبره نقطة تحول يجب أن نبني عليها لتحقيق المزيد الذي نتطلع إليه”.

رئيس الحركة الفريق “سلفا كير” (الذي تحدث بعد الأمين العام) وسّع الدعوة للجميع والهادفة، كما قال، إلى تقديم أطروحات مسؤولة تعود بالفائدة على الشعب، مشدداً على أن المصالح في الوحدة أكثر من الانفصال، وأن بناء السودان يتطلب تنفيذ الاتفاق نصاً وروحاً.

كان المؤتمر الأول لـ”الحركة الشعبية -قطاع الشمال” فرصة طيبة للسودانيين أزاحت عنهم، ولو إلى حين، جو الكآبة والإحباط والإحساس والترقب لـ”كارثة قادمة” ظل يخيم على سماء الوسط السياسي والشعبي طوال الأسابيع الماضية التي أعقبت ملاسنة “جوبا” الشهيرة. وكان بالنسبة لـ”الحركة الشعبية” فرصة أثبتت فيها حضورها على مسرح السياسة الوطنية السودانية وقدرتها على التعبئة والتنظيم الجيد على طريق التحول إلى حزب “ديمقراطي” وطني يحتشد فيه وحوله السودانيون من “قطاعات” الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط.

عبد الله عبيد حسن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..