مقالات وآراء

النوستالجيا: نموذج قروب جيل السبعينات والثمانينات اجمل جيل 1/2

وبعد الحــراك الثوري المتصاعد لفترة من الزمن في السودان وقف السودانيين على تغيير طفيف في المنحى السياسي قد لا يرقي لطموحات شعارتهم التي كانت محفزا للثورة ، مما ادي الى ظهور حاله من التخويـــــــن بين مكونات الثورة الشعبية سيطرت بعدها موجة اكتئاب نفسي لبعض الثوار فكان الهروب من الواقع المفروض من قبلهم في شكل إعادة انتاج لذكريات ماضوية أيام الطفولة ، هذا الحالة سيطرت على جيل محدد ترجمها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي في شكل قروب يحمل اسم ( جيل السبعينات والتمنيات ) ، وبالرغم من جمال الفكرة وروعتها الا انها تندرج في علم النفس تحت مسمى …….
(النوستالجيا):-
ظهر هذا المصطلح تقريبا في القرن السابع عشر عندما استخدمه أحد طلاب الطب في جامعة بازل السويسرية يدعـــــــــــــى يوهانس هوفر كلمة نوستالجيا قد تعنى في تلك الفترة وصف للألم الناتج عن الرغبة في العودة إلى الموطن.
يتكون المصطلح من الكلمتين الإغريقيتين: «نوستوس» (Nostos)، أو رحلة العودة، و«ألغوس» (álgos)، أو الألم والحزن.
ولعل الامر هنا يبدو لنا قريب لنفس الشعور الذي سيطر على البعض في السودان في وصف الألم الناتج للعودة لوطن الشعارات التي كانت حلم الثورة .
تقول الأسطورة الاغريقية القديمة التي من خلالها استمد طالب الطب مسمى الألم او الحزن نوستوس» (Nostos) والمستمدة من القصيدة الطويـــــــــــــــلة الأوديسة ان رحلة الملك
«أوديسيوس» الشاقة في العودة إلى موطنه بعد حرب طروادة، التي واجه خلالها كائنات خرافية وغضب الآلهة، وانتهت بعودته إلى موطنه وقتاله ليثبت هويته من جديد ويستعيد عائلته وعرشه.
نعم استمد يوهانس من هذه الأسطورة المصطلح فقد كان الطبيب الشاب يصف هذا الشعور بأنه «مرض ناجم عن التعلق المفرط بموطن بعيد»، النوستالجيا وقتها لم تكن مجرد شعور صوفي رومانسي تجاه الماضي، بل كانت مرضًا يحصد أرواحًا كثيرة، وكان يعتقد الأطباء أن المرضى يظلون مشغولين بذكريات موطنهم، حتى يسحب العقل الدم من بقية أجهزة الجسم، ويموت المريض نعم هكذا كان الاعتقاد، الى ان كان القرن الثامن عشر في اوربا بداء استخدام المصطلح يتوسع تدريجيًّا. وبحلول نهاية القرن الثامن أصبحت مصطلحًا يعبر عن التعلق المرضي بأي مكان، ثم بأي أزمنة بعيدة أو أشخاص. يقول أحد الباحثين في هذا المجال: –
( لــــــــــــــقد اعتبر هوفر المصطلحات الموجودة سلفًا غير كافية، وشعر انها بحاجة إلى خلق مصطلح جديد، يؤكد أن ظاهرة جديدة قد بدأت ،طريقة جديدة للشعور، أو طريقة جديدة للتفكير في شعور قديم )
بمرور الوقت، أصبح هذا المرض مرتبطًا بتجمعات بشرية داخل أوروبا وخارجها كانت تطالها الحداثة شيئًا فشيئًا. لكن بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، توقف تشخيص هذه الحالة الطبية حتى بين السكان المهمشين الذين كانت تنتشر في أوساطهم. يقول ناتالي: «هنا انتهت حياة الكلمة في المجال الطبي. فمجموعة الأعراض التي كانت مرتبطة بها في السابق، أُدرِجت تحت فئات تشخيصية أخرى، وأصبحت مرتبطة في وقت لاحق ب (الاكتئاب)
وبهذا تحرر المصطلح من الدلالات الطبية، لتجد لها حياة أخرى في ساحات مختلفة، وأصبحت ترمز إلى التعلق بالماضي بشكل عام، أو كما تُتَرجم الآن (الحنين إلى الماضي).
اذن فان الحنين إلى الماضي له أساس سيكولوجي، يعرف بمصطلح النوستالجيا، حيث يشير عددا من علماء النفس أن النولستوجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل كمحاولة للهروب من ضغوطات الواقع في البحث عن ذكريات يعتبرها العقل سعيدة، او التعويض عن الوحدة التي يفرضها واقع التواصل الافتراضي.
فـى ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر على السودان وتطفئ شمعة الامل التي كان تنير بعض النفق للشباب السوداني منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة فان النوستالجيا الحنين الى الماضي بكل اصنافه من شأنه ان يشعر البعض منهم بالأمان النفسي والراحة والاطمئنان كتعويــــــــــــض ضمنـــــــــــي يعبر عن خوفه من مستقبل ضبابي يري انه قدم فيه كثير من التضحيات لذلك يهرب من واقعة المتسارع الاحداث ويلوذ بالعيش في الماضي الذي يألف أحداثه وأشخاصه ولو كان هذا الماضي من القسوة بمكان ولكن شعورة بالخوف أو توجسه من المستقبل يحكم عليه أحكاما خاطئة نتيجة تصورات ذهنية لحوادث مؤلمة لم تقع له وإنما وقعت لغيره في باله النموذج المصري ما بعد الثورة فيتصور أنه لا بد أن سيواجه تلك المرارات يوما ما.
والغريب في الامر ان ذلك يقوده الى ان لا يعيش اللحظات الراهنة والواقعية ويبدأ في وضع دراسة مكامن الخلل في واقعة ومحاوله علاجها حتى لا يواجه النموذج الذي في ذهنه وفى هذا الصدد يقول أحد علماء النفس: “إنه لأمر غريب كيف أننا نتمسك بالأشياء التي حدثت في الماضي في حين لا زلنا ننتظر ماذا سيحدث بالمستقبل.
من الممكن ان نجد تعليلاً او تبريراً لهذا النوع من الحنين الى الماضي يرجع الى ان التغيرات البطيئة قديما خاصة في المظاهر الاجتماعية أتاحت للناس معالجة المشكلات بسهولة مقارنة بحجم التغيرات المتسارعة في هذا العصر والذي نجم عنها ظاهرة الاغتراب النفسي وصعوبة التكيف، ولكن هذا التبرير من الممكن ان يكون منطقياً على المستوي الاجتماعي ولأيمكن الاخذ به اطلاقا في الحالة الاقتصادية او السياسية ، فقد تكمن خطورة الإدمان على استرجاع ذكريات الماضي واعتماد الفرد عليها كوسائل نفسية للدفاع و التخلص من التوتر والألم النفسي الذي يحدثه الواقع المرفوض وغير المطابق لأحلام تكمن خطورته في انه يعيق نموه والتفكير الصحيح لواجه هذا الواقع والاستعداد له بالتالي يصبح الانسحاب من الحاضر أسلوب حياة، ويصبح الفرد نواه التغيير والمحافظة على المكتسبات مهما كانت قليلة عاجزا عن اتخاذ القرارات الصحيحة وبالتالي تتمحي خارطة تعمير الوطن من خلال المصطلح الذي تم ابتكاره ( حنبنيهو )
بالتأكيد فان واقع السودانيين في الوقت الحالي غير جيد وليس بقدر التضحيات التي كانت خلال الثورة، لكن أيـــــــــــــضا بإمكانهم العودة الى ممارسة حقوقهم النضالية وتوطيد العلاقات الاجتماعية التي كانت ابان اعتصام القيادة الشهير من اجل تحقيق حلم واعد

يـــــــــــــقول برترناد راسل في كتابه (الفوز بالسعادة): –
“السعادة ليست هروبا من الواقع ومآسيه إنما التحرر من تأثيره فينا وسيطرته علينا …. والسعادة هي في الحياة الواقعية لأن الإفراط في التفكير بمستقبلنا يهدم لذة الاستمتاع بحاضرنا”.
ناكد بإن جهل الغالبية بالتاريخ يسهل على الناس تزييف الماضي فلو عدنا إلى الماضي بملابساته الحقيقة بدون تقديسه وتفخيمه لأصابتنا خيبة أمل عظيمة.
لذلك نلاحظ ان الحنين إلى الماضي أصبح ظاهرة ملفتة للأنظار بصورة كبيرة ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة، الخطورة في التحول الى الحنين الى الماضي تكون في تحول السودانيين أنفسهم من الحالة السوية إلى حالة مرَضية ومعطلة لكل الطاقات والإمكانات التي يمتلكونها.
قد نتفق ان عقلنا الباطن يرفض واقعنا الحالي تماما ويحاول ان يستحضر أياماً اخري وهو إحساس يجعلنا نشعر فى خضم الأزمات التي تحيط بالوطن بأن الحياة ما زال بها ما يستحق ، ولكن ليس من المجدي اطلاقاً أن تستمر الحالة إلى أن ننعزل عن الواقع بتلك الذكريات الماضية ، فالظاهرة تتحول الان تدريجياً إلى مرض قد يصعب معه العلاج فاكثر البوستات في الفيس موجودة فقط على قروب جيل السبعينات والثمانينات و المشكلة الحقيقة التي تمت ملاحظتها ان اكثر الذين يعانون من الحنين الى الماضي او معظمهم لم يصلوا لذلك العمر الذى يمكن وصفه بالعجز فالشباب لم يغادرهم بعد .
و الطريف الذي نحدد بصدد قوله الان ان ماضي ذلك الجيل لم يكن جميلاً على الاطلاق كما هم يتخيلون فلا سبعينات أو ثمانينات القرن الماضي كانت سهله او جميلة بل على العكس تماماً فان هذا الجيل يسمي جيل الندرة والشح في المعلومة ، جيل تربي على الكبت واغلب الذين كانوا فيه بدأت فترات واعيهم على حكم الجبهة الإسلامية القومية في حكم السودان لذلك عانوا ضياع الهوية والقهر النفسي و توهاناً ما بين ما يسمعون من اعلام موجه وما بين ممارسه اهلاليهم فترة الستينيات وبداية السبعينيات فكان ان خلق انفصام ما بين الممارسة والتوجه الذي مارسه الترابي بضلالة الممنهج بمشروعه المزيف وحكمة الذي اذاق الوطن الويلات .
من المؤكد ان الاختباء في الماضي ليس لأنه جميل باي حال من الأحوال كما نحاول أن نقنع أنفسنا الآن بل لأننا نرفض الحاضر الحالي وأيضا نري مستقبل الوطن غير واضح ضبابي الملامح ، وعلى هذا الجيل الذي وثق لنفسه بقروب بالفيس ووسائل التواصل ان يعلم انه فقد احساسه بدوره الذي كان من المفترض ان يقوم به وقرر ان يتقمص العاجز العجوز ويكتفي بالذكريات ويترك الساحة لجيل ما بعد الثمانينات مواليد التسعينات الذي كانوا رضينا ام ابينا هم المحرك الفعلي لثورة ديسمبر المجيدة ، فجيل السبعينات والثمانينات جيل انهزامي نوعا ما يعانى من خلل نفسي يركن للضغوط والاندياح مع الألم و قهر المتسلط و يستكين لأغاني الحزن والالم وتقديس المصطلحات والتباكي على الاطلال ، وما اصدق من تعبير لهذا الجيل حول عزيمته اكثر من تلك الابيات التي كتبها صلاح حاج سعيد و غناها مصطفي سيد احمد
وانــــــــــــــــــــــــا في قساوة الزمن الموحش المكهرب بالحريق
وانــــــــــــــــــــــــــــــــــــا حيلتي ايه قول لي يا قمر الزمان
غير اتكي واحلم معاك واحضن اماسي الصحو والامل البريق
قولي لي يا قمر الزمان انا حيلتي ايه قولي لي يا قمر الزمان
ونــــــــواصل
النوستالجيا والانهزامية التي تحكمنا
النوستالجيا الزائفة
نوستالجيا: الخوف من الأمل
اكرم ابراهيم البكري
[email protected]

تعليق واحد

  1. لطفا النوستالجيا او الأبابة وأصل الكلمة يرجع إلى اللغة اليونانية القديمة حيث ان νόστος تعني«الشوق» y ἄλγος تعني «ألم») هو مصطلح يستخدم لوصف الحنين إلى الماضي، إذ تشير إلى الألم الذي يعانيه المريض إثر حنينه للعودة لبيته وخوفه من عدم تمكنه من العودة الىى بيته .. وإن فضل تعبير لها هي حنين العودة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..