
عجبت لهذا البيان الانفعالي المتهافت، الذي تلاه الناطق الرسمي لمجلس الوزراء. وقد راعتني لغته (المسترجلة) التي لم تحسب حسابا لأي شيء، ولم تحترم رئيس مجلس السيادة، الذي في نظري كان صادقا أكثر منهم، واشجع، لأنه واجه الواقع الذي يعيشه السودان وشعبه، وقد فشلت الحكومة فشلا ذريعا في إحداث اي اختراق ذي قيمة بعد مضي ١٤٩ يوما.
ومما يؤسف له أن مجلس الوزراء، ثار لنفسه تحت دعاوى تخطيه، وعدم إخطاره بالمهمة، وعدم الاختصاص، متكئا على منسأة الوثيقة الدستورية كثيرة الثقوب والعيوب، ذات الاختصاصات المتداخلة، ولم ينظر إلا إلى موضع أقدام أعضائه.
لقد فضل مجلس الوزراء (مناقرة) شركائه في السلطة الانتقالية انتصارا لذواتهم، وخوفا على مناصبهم، من ردة فعل ذلك الجسم الهلامي (قحت) المكون من احزاب عقائدية مجرمة، وأخرى عرفت تاريخيا بالانتهازية وضعف الحس الوطني لدى قادتها، وهدفها الأول والاخير، هو مصالح منسوبيها، ولذلك ضربوا باستقرار البلد عرض الحائط، أضف إلى ما تقدم، خوفهم من الدواعش والكيزان، الذين ملأوا الدنيا ضجيجا، لأن المجلس النطيح، لم يستطع تقليم اظافرهم، فخرجوا مثل الأفاعي بعد المطر.
ان خطوة التقارب مع اسرائيل، كان يجب أن تقوم بها حكومة الثورة، لأن مصلحة البلد تقتضي ذلك، والفوز بقلب واشنطن يمر عبر حضن تل أبيب، وهذا معلوم لطفل يدرس في روضة سياسية، لكن هذا المجلس (الهوان)، رأى بتفكير طفولي، وغيرة فاسدة، أن أي مصلحة يجب أن تأتي عن طريقه، وهو عاجز عن ابتكار اي شيء يصب في حلحلة المشاكل والأزمات الملحة للشعب.
هناك اسئلة لنوابغ قحت وعباقرة مجلس الوزراء:
ماذا يضير السودان من انشاء علاقة طبيعية مع مملكة الجن الاحمر، اذا كانت لنا عندها مصلحة؟ وقد جربنا العداء السافر لإسرائيل وامريكا، وروسيا والغرب عموما، عقودا من الزمان، وقاطعنا اسرائيل، لمدى ٦٢ سنة، وقد مسنا الضر، ولم نزل نلوك الاسى، ونضاجع الألم، ومللنا الحديث مع امريكا، التي لا تعطي شيئا، ما لم تأخذ مستحقاتها مقدما، في حين فشل حمدوك وأركان حربه في تحريك ملف رفع الحصار واسم السودان من لائحة الارهاب الامريكية، وكان يمكن لهذه الخطوة (اختراق البرهان) التي اعتبرها جريئة ووطنية، أن تفتح وبجرة قلم، علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة، ومعظم دول العالم، بدلا عن سلسلة من السماسرة الصغار؟ وفك العزلة عن البلاد، وتدفق القروض والمساعدات، و جلب التكنولوجيا المتقدمة في الصناعة والزراعة والتنقيب عن النفط والمعادن وفي كل مجال، والتدريب المتقدم لكوادر الخدمة المدنية، و التخلص من جماعة الإسلام السياسي والارهابيين، وإخراج ما تبقى منهم من بلادنا، و الدفاع عنا في مجلس الأمن بالفيتو الامريكي، اذا حدث لدولتنا مكروه. بل اننا يمكن أن نعقد معهما اتفاقيات دفاع مشترك، تساعدنا في حراسة حدودنا الطويلة العريضة مع سبع دول جارة مطبعة أصلا مع اسرائيل، وقد اصبحنا كالفأر في مصيدة لزاقة، وساحل على البحر الاحمر، يمتد لنحو من ٧٨٠ كلم، ويمكن دلوقتي أمريكا واسرائيل، أن تساعدنا ولو بالمعلومات. و العلاقة مع امريكا، تضمن لنا الاستقرار الداخلي، وأمننا القومي، فلماذا نضيع مصالحنا، لأجل مصالح دول لا تمت إلينا بصلة، ودعونا من وهم العروبة التي لا نجد من منسوبيها إلا الحط من قدرنا، والاسلام الذي لا يذكرنا معتنقوه الا حين بأس يصيبهم.
الان؛ وبعد الطاقة الثورية التي هبطت فجأة على مجلس الوزراء، ولغة الرصاص التي تحدث بها البيان، وقد فقدناها منذ تكوين هذه الحكومة، الان؛ ماذا تفعل قحت ومجلسها الذي لم ينتفض إلا اليوم، اذا تمترس العسكر حول قائدهم الذي وضع في حرج بالغ، واعتبر كاذبا بصريح العبارة، ثم انحاز اليهم نتنياهو المهووس، وحرض الإدارة الأمريكية بقيادة ترمي اللئيم، وقد شهدت انفتاحا غير مسبوق على السودان مؤخرا، ماذا لو قررت عدم التقدم في المفاوضات أو رفع العقوبات، وحذرت الدول الأخرى حتى لا تقدم اي دعم للسودان؟ وماذا يفعل المجلس وحاضنته قحت، اذا رفعت السعودية والإمارات أيديهما عن أي دعم، بأمر من الكفيل الاعلى، والحال يغني عن السؤال. لقد اعتقدنا أن حمدوك وطاقمه، ذوو بصيرة نافذة، وسيتجاوزون هذا المطب الذي وضعهم فيه رئيس مجلس السيادة، وسينظرون الى الواقع المعاش. لكن هذا الموقف كشف لنا أن مجلس الوزراء الحالي، لا يملك أي أفق أو مرونة سياسية، وقد اتسع الفتق على الراتق.
ما الذي منع حمدوك من ادارة جزئية أخطاره بالزيارة، بحكمة وذكاء سياسي، وأصدر مجلس الوزراء بيانا هادئا ومقتضبا، يعد فيه ببحث الأمر مع مؤسسات الانتقالية، وأن المصلحة العليا تقتضي دراسة الأمر بترو وحكمة؟
لكن المجلس (الهوان) سار في ركاب أحزاب عقائدية موهومة، لم تغير عقليتها الحالمة منذ عقود، وكأن العالم ما يزال يقف تحت شجرة الستينات، يلوك شعارات القومية العربية، والاقانيم الماركسية.. وان الديمقراطية يمكن ان تتنزل فجأة، في دولة فشلت في المحافظة عليها ثلاث مرات، وفي ظل الشرعية الثورية التي أضاعوها، وأضاعوا معها أحلام الشباب والشهداء والجرحى والمفقودين، بهبوطهم الناعم، فلما عاد مجلس الوزراء وحاضنته قحت الى مربع الثورة، وجدوا أن القوارب قد غادرت مراسيها، فاندفعوا إلى الماء ليلحقوا بها، وهم لا يجيدون فن السباحة السياسية، فكانوا من المغرقين.
هناك سيناريوهات قد نقبل عليها مسرعين، وهي على النحو التالي:
أولا: أن تحاول الاطراف الثلاثة(السيادي والوزراء وقحت)، لملمة شعث الحكم في البلاد، والسيطرة على الموقف، وقيادة عربة الدولة بلساتك مشمشة وبدون لستك اسبير. وهذا في نظري هو اخطر السيناريوهات(أرباب متشاكسون)، لأن المفاصلة ان حدثت، ستكون مكلفة للغاية، وكارثية.
ثانيا: أن يستقيل البرهان ومعه المكون العسكري، بعد الحرج الذي يعيشونه الان، ويتركوا لقحت المتهافتة، جمل السلطة بما حمل، مع تراخ أمني متعمد، يدخل البلاد في أسوأ مراحل السيولة الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لإثبات ما هو ثابت، أنه لا حكم بلا قوات عسكرية تحفظ أمن البلد. ولا ادري هل ستستورد قحت ومجلسها الهزيل، مرتزقة من واق الواق يحفظوا لهم الأمن، ام ماذا؟
ثانيا: أن (يعصلج) العسكر الذين يقع على عاتقهم حفظ الأمن، وينقلبوا على الوضع السائل، بالبيان رقم واحد، في وضح النهار، يكشفوا للشعب تفاصيل ما جرى في الفترة السابقة، وأنهم لا رغبة لهم في السلطة، وأنهم على استعداد لتسليمها إلى الشعب فورا، بعد ترتيبات مع لجان المقاومة والشباب، مع وجود مجلس السيادة بكامل عضويته لادارة الفترة الانتقالية القصيرة.
ثالثا: أن يستقيل مجلس الوزراء الانفعالي، ويستلم مجلس السيادة زمام الامور، ويعلن حالة طوارئ صارمة، ويكون مجلس وزراء مصغر من كفاءات مستقلة، ويعلن عن فترة محددة تجرى بعدها انتخابات مبكرة، وهذا ما تسعى اليه بعض أحزاب قحت، حزب الامة وحزب المؤتمر السوداني أولها،
رابعا: أن يعود الشباب للشارع في موجة ثورية عارمة تقتلع الجميع، وتؤسس لمسار جديد كليا للحكم في السودان، مع كثير من المخاطر والصدامات.
عموما، هذا البيان الانفعالي، سيكون له ما بعده، وسترون.
حسن جبورة
They are five not four reasons
Any way, your article would make more sense if you could remove some aggressive terms
كويس، كل مرة بنكتشف كوز جديد بكتب.