
وكأن السودان ينقصه المزيد من عوامل التفتت والانقسام، فجاء لقاء نيتنياهو مع البرهان ليزيد من حالة الاستقطاب والانقسام بين رؤى شركي الحكم (العسكريون والمدنيون) في كيفية تحقيق أهداف الثورة السودانية العظيمة التي تدخل عامها الثاني في ظل تزايد المخاوف من القدرة على عبور الفترة الانتقالية بسلام، في هذا المقال سأحاول القاء الضوء على أثر التدخلات الخارجية في السودان.
كانت الثورة السودانية التي اسقطت نظام البشير الذي حكم بالحديد والنار وبيوت الاشباح ضرورية لانهاء معاناة الشعب واحلال الحرية والسلام والعدالة التي فقدت بعد انقلاب 1989 بدعم جماعة الاخوان المسلمين، ولكن هذه الثورة لم تنج من محاولات اجهاضها فى هذه اللحظة على أيدي أبناء النظام القديم وفي مقدمتهم العسكريون الذين أمضموا سنوات عمرهم في خدمة البشير ونظامه الفاشي المتسربل بالشعارات الدينية التي أدخلت السودان في نفق مظلم منذ قوانيين الشريعة الإسلامية التي فرضها الديكتاتور الأسبق جعفر نيميري في سبتمبر 1983.
ورغم خبرات الشعب السوداني في المقاومة والثورة والفترات الزمنية المحدودة التي عاش خلالها في تجارب ديمقراطية إلا انه يواجه في هذه الفترة الكثير من التدخلات الخارجية التي حجر عثرة أمام الثورة السودانية، فمنذ انطلاق الثورة الشعبية في 13 ديسمبر 2018، حاول البشير الحصول على الدعم من دول معادية لأي تحرك جماهيري بسبب انظمتها القمعية مثل مصر والسعودية والآمارات وقطر، وهذه الدول حاولت منع سقوطه بتقديم بعض المساعدات المالية العاجلة، ولكنها سرعان ما ايقنت عدم جدوى مساندته في ظتنامي الغضب الشعبي في ربوع السودان وتبلوره في الإعتصام البطولي أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، فكان انقلاب قادة الجيش على البشير ووضعه تحت الاقامة الجبرية في 6 أبريل 2019 في محاولة لمواجهة العضب الجماهيري واحتواءه في نفس الوقت تمهيدا لقمعه فيما بعد بفض الإعتصام بوحشية في يوم 3 يونيو 2019، بتأييد من الآمارات التي أرسلت محمد دحلان للمساعدة والتخطيط.
وكانت فترة المفاوضات بين قوى إعلان الحرية والتغيير الممثلة للثورة وقادة اللجنة الآمنية العسكرية فرصة لوضوح أثر التدخلات الخارجية في عملية التفاوض بين العسكريين والمدنيين، ونجد أن التدخلات الخارجية لم تقتصر على التأثير على العسكريين، بل أنها أثرت أيضا على المدنيين بهدف تقليل اندفاعهم الثوري ودفعهم للدخول في توافق على أساس اعطاء الفرصة الأكبر للمجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية، وهذا ما حدث بعد تدخل رئيس الوزراء الأثيوبي أبى أحمد للتوسط بين طرفي المفاوضات والوصول لصيغة تشكيل المجلس السيادي الذي يعتبر أهم مكونات السلطة في السودان حسب الوثيقة الدستورية التي توافقت عليها قوى الحرية والتغيير والعسكريين، فتشكل المجلس بالفعل بما يسمح بسيطرة العسكريين الذين تولى البرهان رئاسته لأكثر من نصف الفترة الانتقالية.
ويبدو أن المشكلة ليست فقط في سيطرة العسكريين ولكنها تكمن في تواجهاتهم التي تؤثر على الوضع في السودان، كما نلاحظ في استمرار الدعم السوداني للتحالف الذي تقوده السعودية للحرب في اليمن، واستمرار إرسال الجنود السودانيين لأتون الحرب التي تدخل في عامها السادس، ولم تحقق أي نتائج طبقا لما يأمله قادة التحالف، كما ظهر مؤخرا تورط العسكريين في إرسال حوالي 1000 جندي سوداني للقتال في صفوف اللواء خليفة حفتر في ليبيا.
الحقيقة أن التدخلات الخارجية لاتحدث نتيجة احتياجات السودان ولكنها تحدث لمحاولة التأثير على القرار السوداني، ووضع السودان في حظيرة الدول العربية الرجعية المعادية للحرية والديمقراطية عبر تقديم بعض المساعدات المالية المشروطة للحكومة في السودان.
إن التدخل الخارجي يسعى لإحتواء الحراك الجماهيري وإفشاله إن أمكن، وذلك ما يمكن رصده عبر متابعة تصريحات ومواقف النشطاء السياسيين في السودان، الذين يتخوفون من ضياع دماء الثوار باستبدال نظام البشير بنظام قمعي أخر مع تغيير للوجوه.
وفي اطار التدخلات الخارجية لايمكن تجاهل الموقف الأمريكي من الثورة السودانية، فمازالت الولايات المتحدة تضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993 وتفرض عقوبات اقتصادية ضد السودان للضغط على نظام البشير الذي استقبل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة لفترة طويلة في بداية التعسينات من القرن الماضي، وبالطبع فالتدخل الأمريكي كان يؤيد الإطاحة بنظام البشير والعمل على تغيير النظام، ولكن بعد اسقاط البشير لم تقدم الإدارة الامريكية الدعم المطلوب أو المأمول منها من جانب الثوار.
ومؤخرا التقى نيتنياهو مع الفريق البرهان رئيس المجلس السيادي في عنتيبي، بعدما تلقى البرهان دعوة لزيارة واشنطن خلال الفترة القادمة، وتسبب هذا اللقاء في تزايد حالة الإنقسام في السودان بين مؤيد ومعارض للقاء والظروف التي أحاطت به، حيث جاء الاعلان من قبل نيتنياهو بما يوضح أن الأمور لاتسير كما ينبغي أو يأمل الثوار في إدارة بلادهم بشفافية وليس كما كان يحدث من قبل، فإنفراد البرهان باللقاء دون التشاور أو اطلاع مجلس الوزراء على عقد هذا اللقاء فتح المجال امام تزايد المخاوف من سيطرة العسكريين على مصير السودان، رغم زعم البرهان انه أبلغ حمدوك قبل يومين من اللقاء الذي رتبت له واشنطن وبعض حلفائها في المنطقة مثل الآمارات ومصر والسعودية بدعوى مساعدة السودان في الخروج من تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
سنرى أن التدخلات لن تتوقف وكل دولة من حقها أن تسعى لبسط سيطرتها وخدمة مصالحها، فكما سعت تركيا من قبل خلال حكم البشير إلى الاستحواذ على منطقة ميناء “سواكن” واستاجرت جزيرة بالمنطقة بدعوى تطوير الميناء، فهاهي الآمارات تسعى للسيطرة على الموانئ السودانية واستثمار الثروات الطبيعية الموجودة بكثرة في السودان.
ويمكن ان نسترجع الدور الأمريكي وتدخله لانهاء مشكلة الجنوب اثناء عقد اتفاق “نيفاشا” الذي أقر حق تقرير المصير للجنوبيين وأسفر عن انفصال جنوب السودان في 2011، وتأسست دولة جنوب السودان التي بادرت بإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني.
ومن المفهوم أن يصبح السودان مسرحا للتدخلات الخارجية باعتباره دولة كبيرة من حيث المساحة وامتلاكه للعديد من الثروات الطبيعية وأهمها البترول، وهذا ما يفسر تلك التدخلات التي تؤثر سلبيا على مسيرة الثورة السودانية، فلا احد يتدخل لانجاح الثورة، فالجميع يسعون إلى ضمان وجود نظام يرعى مصالحه وليس بالضرورة مصلحة الشعب السوداني التي يتشدق بها البرهان ومؤيدي لقائه مع نيتنياهو.
ولايمكن في ظل الحديث عن التدخلات الخارجية إغفال الدور المصري الذي يعتبر هاما في تحرك بالسودان، فقد التقى البرهان بالسيسي فور تشكيل المجلس السيادي للحصول على الدعم والمساندة المصرية، أما ثوى الحرية والتغيير فلم تولي اهتماما للمبادرة بزيارة رسمية للقاهرة، وقد يرجع ذلك إلى رفض التدخل المصري لاسباب تاريخية معروفة وتمثل حساسية لدى السودانيين، وبالطبع فإن النظام المصري لن يدعم حكومة مدنية وديمقراطية في السودان، وقد يكون ذلك في خلفية متخذ القرار في الحكومة السودانية الحالية فلم يتواصل مع الدولة المصرية.
وعلى اية حال ستظل التدخلات الخارجية مؤثرة على الوضع في السودان، ولعل أبرزها اللقاء مع نيتنياهو الذي أضاف سبباً جديداً لظهور الإنقسام ليس فقط بين المدنيين والعسكريين بل أيضا بين المدنيين أنفسهم، فنلاحظ ان هناك ميلاً لدى البعض لتأييد هذه الخطوة نحو تطبيع العلاقات مع اسرائيل بحجة رعاية المصالح الوطنية العليا وحماية الأمن الوطني السوداني، واعتبارها خطوة في اتجاه اعادة اندماج السودان في المجتمع الدولي، فيما يعتبرها الرافضون خطوة كارثية على كل الأصعدة، فاسرائيل لن تقدم للسودان شيئا ولكنها فقط تسعى لبسط المزيد من النقوذ والهيمنة لخدمة اهدافها ومصالحها بعدما أقامت علاقات مع جنوب السودان وتشاد واريتريا واثيوبيا واغندا وغالبية الدول الأفريقية باعتبارها كتلة تصويته كبيرة وهامة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما يتضح في الاونة الأخيرة في تغير التصويت الأفريقي لصالح اسرائيل بعدما كانت تتخذ مواقف ضدها باعتبارها دولة احتلال استيطاني للأراضي الفلسطينية.
وجدي عبد العزيز
تواجه السودان مشكلات كثيره وتحديات كبيره ،
( وليس أكبرها الأزمة الإقتصادية أو التطبيع مع إسرائيل )
الحقيقة هي أن أكبر مشكله تواجه السودان إسمها الصريح : حميتى .
ومجرد وجود حميتى وجنجويده فى منظومة الحكم والسياسة فى السودان ،
ماهو إلا الجريمة التى لا تُغتفر ، والكارثة الحقيقية المدمره لكل شيئ .
والناس يكتبون ويحللون فى كل شيئ،
ولكنهم كمن : يعاينو فى ا الفيل ، ويطعنو فى ضُلو ،
أحسموا هذه المشكلة الأكبر التى إسمها : حميتى و أوباش حميتى .
واكتبوا وحللوا بعد ذلك ما تشاؤون .