مقالات سياسية

وزارة المالية وأفكار صندوق النقد الدولي 

عبدالمنعم عثمان

عبدالمنعم عثمان 

ظللنا ، فى اليسار السودانى،  نهاجم سياسات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى فترة مابعد الأستقلال حتى يومنا هذا . كان نقدا نظريا ، ولكن مع مرور الأيام وتطبيق سياساته فى كثير من البلدان الأفريقية وغيرها من اقطار مايسمى بالعالم الثالث ، أتضحت نتائجها الكارثيه وخصوصا عند تطبيققها فى السودان ، حيث ارتبطت بسياسات ورغبات النظام الأنقاذى ، الذى وجد فيها ضالته فى كثير من الأحوال . ولاغرابة فى ذلك ، بل انه شئ طبيعى أن تنفذ السلطة الموجودة ما يخدم مصالحها ، ولكن الغريب أن تنفذ حكومة الثورة نفس السياسات التى تتعارض تماما مع أهداف الثورة .  ولتبيان هذا لم اجد افضل من كتيب لمركز البحوث العربية بعنوان : ” التكيف الهيكلى والأزمة الزراعية فى أفريقيا” ، وهو ترجمة برنامج بحثى من تأليف الأقتصادى الأفريقى ” ثانديكا مكانداويرى ” . 

يقول البحث : (ان السياسات التى يدعو لها برنامج التكيف الهيكلى  مشتقة جميعها من تشخيص واحد سائد يقود الى منظومة قياسية من الوصفات تقوم على فكرة رئيسيه متكررة هى : “تصحيح الأسعار ” ، وهى المنظومة التى تشمل بصفة عامة : تخفيض العملة الوطنيه ، خفض الأنفاق الحكومى على ” الأستهلاك غير لأنتاجى ” ، رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية ، الغاء تشريعات الحد الأدنى للأجور ، تخصيص الأنشطة الأقتصادية أى نقل ملكيتها للقطاع الخاص ورفع أسعار تسليم المحصولات الزراعية ) .  

وقبل أن استطرد بتعليقات البحث عن هذه الوصفة الرئيسة ، ألفت نظر القارئ الى شبه التطابق بين مكوناتها ومايسعى وزير مالية حكومة الثورة لتطبيقه ! ومن تعليقات البحث عن برامج التكيف الهيكلى  : 

  • تدعو التوصيات المعتادة فى مايخص الزراعة الى تفكيك المؤسسات الموحدة ، التى كانت الحكومات الأفريقية تفرضها غالبا لضمان المساواة الأقليمية ، واجراء تحول فى حيازة الأرض يسمح بالملكية الفردية وباطلاق العنان لقوى السوق كى تلعب دورها بحرية فى أسواق الأرض بدون تحكم . 
  • هناك الآن مايزيد على ثلاثين دولة افريقية تقوم بتنفيذ برامج كبرى للتكيف الهيكلى . وبضغوط من صندوق النقد والبنك الدولى يتم تبنى هذه السياسات على نطاق واسع فى افريقيا من خلال “الحوارات السياسية” مع الجهات المانحة والتغيرات الداخلية فى تشكيل هياكل الدولة . فالعملات التى كانت قد أعطيت قيمة أعلى يجرى الآن تخفيضها ، ودعم الطعام يجرى الغاؤه ، كما يجرى حل مؤسسات الأحتكار الحكومية كى تطلق العنان ” لقوى السوق” . 

واليس هذا بالضبط ما حدث فى عهد الأنقاذ ، فى ما عدا الدعم الذى ظل موجود خوفا من ردة الفعل وليس ضدا للسياسات ؟! 

  • وبسبب عدم شعبية هذه الحزمة من الترتيبات الصارمة بالأضافة الى عدم التيقن من نتائجها ، صعب على معظم الدول الأفريقية تبني هذه الحزمة من الأجراءات . غير أن فرصة المناورة ضد برامج الصندوق والبنك تضيق بشدة نتيجة لحقيقة ان غالبية المانحين قد قبلت قيادة هاتين المؤسستين ، وقد حبذ ” الأجماع الجديد” العودة الى قوى السوق .  
  • ومن المهم ان نتذكر ان المعونات لاتزال تلعب دورا حاسما فى تمويل كل من الميزانيات الجارية والأستثمارية لمعظم الدول الأفريقية منخفضة الدخل .. ونتيجة لذلك أصبح على كل دولة تتفاوض من أجل قروض جديدة للتكيف الهيكلى أو لأعادة جدولة ديونها أن تواجه فريقا ضخما من المفاوضين على الجانب الآخر من مائدة المفاوضات . 

وأقول : الا تبدو من هذه الفقرة صعوبة موقفنا ، وقد وضعنا كل البيض فى سلة القوى الخارجية وعلى رأسها أمريكا المؤثر الرئيس فى سياسات وقرارات المؤسستين المذكورتين . ولنا هنا أن نتذكر بعض اشياء من سياسات وزارة المالية والتخطيط فى عهد حكومة الثورة : لأول مرة فى تاريخ السودان المستقل تخرج الميزانية قائلة بصراحة ان جزء كبير من عائداتها يعتمد على وعود منح خارجية (!)  ويوضع تصدير الذهب فى يد القطاع الخاص ” وربما شركة واحدة فيه ”  وتجرى المحاولات على قدم وساق لأقناع الدكتور الوزير لأبقاء الدعم . 

واستمرارا فى استعراض البرنامج البحثى الهام  نورد الفقرة التالية عن “التغير فى سياسات بعض الدول الأفريقية ” حيث يجئ : 

( استجابة للأزمة ونتيجة لتنفيذ برامج التكيف الهيكلى ، تشهد افريقيا سيلا لم يسبق له مثيل من التغيرات السياسية فى الزراعة . ولا يسعنا هنا سوى أن نورد بعض الأمثلة التوضيحية مع ملاحظة تاريخ التغيرات التى قد يكون حدث فيها تغيير لاحق نتيجة للنتائج غير المتوقعه قبل التنفيذ  ” الملاحظة من كاتب المقال ” ) 

  1. بلغ متوسط معدل تخفيض قيمة العملة فى 24 دولة افريقية 39 % فيما بين منتصف عام 1984 ومنتصف عام 1986 . 
  1. خفضت زامبيا واوغندا والصومال قيمة عملتهابنسب تراوحت مابين 270 % و3705 % خلالهذه الفترة .  
  1. عادت غينيا ” 1985 ” ومالى “1981” الى النظام النقدى لمنظمة التعاون لأفريقيا الوسطى الذى انضمت اليه غينيا الأستوائية . 
  1. أدخل نظام بيع العملات الأجنبية بالمزاد فى غانا ونيجيريا والصومال وزائير وزامبيا ، وتم الأعتراف رسميا باسواق النقد الموازية فى بعض الدول التى لاتزال تستخدم معدلات اصطناعية للتبادل ، ومثال ذلك بورسعيد فى مصر ” التى كانت تتعامل كمنطقة حرة “ 
  1. توقفت مجالس التسويق السبعة فى نيجيريا ” الكاكاو ، القطن ، الفول السودانى ، زيت النخيل ، المطاط ، الحبوب ، الجذور الدرنات ” عن ادارة العمليات التجارية منذ منتصف 1986 . 
  1. أعلنت تنزانيا تحريرا شاملا للتجارة وخفضت قيمة عملتها كجزء من برنامجها للأنعاش الأقتصادى -1986 
  1. أعلنت حكومة غانا عن خطط لنقل ملكية المؤسسات الحكومية العاملة والتى لاتحقق ربحا تحت الأدارة الحكومية الى القطاع الخاص . 
  1. أعلنت المغرب تحويل معظم منظماتها الحكومية العديدة الى القطاع الخاص  ديسمبر 1986 . 
  1. أعلنت السنغال عن تصفية المؤسسات الحكومية المختصة بالغلال وبتصدير الفول السودانى ” أونكتاد 1981 ” وبتوفير مستلزمات الأنتاج ” سونار 1985 “. 
  1. ألغت زائير أتجار الحكومة فى القطن والذرة والسكر والماشية وزيوت الطعام والبن والكاكاو ومنتجت أخرى . 
  1. بدأت كينيا حل تنظيم قطاع اللحوم والألبان ووقف مشاركة المؤسسات الحكومية فى هذا القطاع . 
  1. ألغى التسويق الحكومى للأرز فى ساحل العاج وسيراليون . 
  1. ألغيت احتكارات الدولةلتصدير الفاكهة والخضر فى كل من المغرب وساحل العاج . 
  1. تخلت مصر  1986 عن سيطرة الحكومةعلى المحصولات الغذائية والتصدير باستثناء القطن والأرز والسكر . 
  1. تم الغاء  او أجراء تخفيضات شديدة على  دعم الاسعار فى دول كثيرة ، سواء كان ذلك متعلقا باسعار مدخلات انتاج ” كالأسمدة مثلا فى مصر وغانا والسنغال ط أو أسعار المنتج أو المستهلك . 

أقول من جانبى ، انه قد يختلف التقييم لهذه النتائج من شخص لآخر ومن بلد لآخر وذلك لأختلاف االرؤى لدى الأشخاص وأختلاف الأوضاع الأقتصادية والسياسية من بلد لآخر. غير أنه ليس من المتوقع ان يختلف أثنان على كارثية نتائج الألتزام الكامل بوصفات الصندوق والبنك من قبل حكومة الأنقاذ على البلد وحسن وقعها على المنتمين الى  النظام . ولا أظن أيضا ان أثنان يختلفان على أن ماصدر عن وزارة الماليه حتى اللحظة يتطابق مع وصفات البنك ومن ثم لانتوقع غير نتائج مماثله للذى حدث ويحدث للبلدان الأخرى . خصوصا وان حالة السودان التى أوجد فيها بعد الثورة تضعه فى خانة متأخرة من البلدان منخفضة الدخل . ويبدو أن سياسات النظر الى الخارج فى البحث عن حلول المشكلات الاقتصادية وغير الاقتصادية هو السائد لدى حكومة الثورة وآخر دليل ماقام به رئيس كجلس السيادة ، حيث كان تبريره الاساسى هو مصلحة السودان بازالة اسمه من قائمة الدول الراعيه للأرهاب بعد فشل المحاولات السابقة التى قام بها الجهاز التنفيذى.  

 ونواصل أن شاء الله فى مقالات لاحقه استعراض الورقة والتعليق عليها .
عبدالمنعم عثمان
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..