
ان العمل بالتحليل السياسى فى الوقت الراهن من قبل العديد من كتاب الراى يبدو ضروريا لسد الثغرات وتبنى ما هو افضل فى كل المجالات لذلك لا ضرر من الاستماع الى كل وجهات النظر والمسالة برمتها مثل عصف ذهنى على مستوى الامة بأسرها غير ان ماينقصنا الآن هو هو التفكير السياسى والمفكر السياسى ولعل طول فترات الانظمة الديكتاتورية قد جعلتنا ننسى الوجه الكالح الذى طالعتنا به الديمقراطية ابان فترات ظهورها القصيرة والفترة الانتقالية قد تمر بسرعة لانتصورها نتيجة العمل على ازالة جذور الفساد العميقة التى خلفها النظام البائد ولكن من الممكن ان تاتى بعدها انتخابات مثل التى عرفناها سابقا لتتطيح بكل منجزات الثورة والفترة الانتقالية فى غمضة عين.
لذلك لابد للفترة الانتقالية من الالتزام بتنفيذ المهام التى انيطت بها. القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير محمد ضياء الدين أكد في حديثه لـ(السوداني) ، وجود جملة من المهام في إطار برنامج قوى الحرية تبدأ بمرحلة تحقيق السلام، والإجراءات المتعلقة بالضائقة المعيشية، ومن ثم إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وترسيخ الديمقراطية ومحاكمة رموز النظام السابق واستعادة الأموال المنهوبة، فضلاً عن معالجة القضية الاقتصادية عبر جملة من الإجراءات مع المؤسسات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
تبدو كل المهام التى ذكرها القيادى آنف الذكر فى غاية التحديد والوضوح غير ان ترسيخ الديمقراطية هو مصطلح تنطوى تحت جناحيه
الكبيرين جملة من القضايا والتى تتفرع بدورها الى نقاط ذات اهمية بالغة مما يجعل الفترة الانتقالية بأسرها ربما غير كافية لانجاز ما يمكن ان يؤمن مسارا ديمقراطيا يقود الى خير البلاد والعباد.
ان تكرار ذات النمط دون استفادة من التجارب السابقة غالبا ما يؤدى الى ذات النتيجة وهو ما يعرف فى علم الاحصاء بالخطأ المنهجى ولعل تسارع الاحداث وعامل الزمن هى التى تضعنا دائما امام ذات النقطة التى تتحكم فيما سوف يأتى لاحقا.
النظام الديقراطى هو الحد الادنى الذى اتفقت عليه البشرية كشرط للتعايش السلمى داخل المجتمع الواحد وهو الذى يضمن التبادل الحضارى للسلطة, يرتكز لنظام الديقراطى على لبنات اساسية ربما اهمها التعددية الحزبية والاعلام الحر بجانب طبقة متوسطة على وعى تام بقضايا مجتمعها ككل هذا بجانب نشر ثقافة التعددية والتسامح وقبول الآخر وربما هذه العامل الاخير فى السودان هو الاكثر اهمية وخطورة.
ان ترسيخ الديمقراطية يحتاج الى عقود من العمل غير ان حمايتها هو واجب نحن فى اشد الحاجة له الآن وهنا يمكن الاشارة الى ميثاق الدفاع عن الديمقرطية والذى تبنته كل القوى السياسية آنذاك عدا الجبهة القومية الاسلامية(انظر نص ميثاق الدفاع عن الديمقراطية في نوفمبر 1985) والمقترح هنا هو تبنى ذات النص او التعديل عليه او حتى استبداله بما يخدم الهدف منه فى نشر ثقافة حماية الديمقراطية وآلية مقاومة المتربصين بها.
ويبقى السؤال المحورى وهو لماذا ظهرت فترات الديمقرطية فى تاريخنا السياسى بكل هذه الهشاشة والوهن حتى اعطت مبررا للمغامرين من العسكر للاستيلاء على السلطة ليس هذا فحسب بل لقى بعضها ترحيبا مقدرا من قبل الشارع بعد ان ضاق بهم سوء الحال والتخبط والفوضى يقول الفريق عبود فى بيان ثورة نوفمبر 1958 بان البلاد قد وصلت حالة من الفوضى وسوء الأحوال امتدت الى جميع مرافق الدولة، وان هذه الفوضى سببها صراع الأحزاب التي سعت للمصالح الشخصية والحزبية فقط. ولذلك استولى الجيش على السلطة لاقرار الأمن وتحقيق الاستقرار وذات السيناريو قد تكرر فى مايو69 وفى يونيو89 لتقتطع هذه الانقلابات من عمر الوطن منذ الاستقلال اكثرمن خمسين عاما كان حصادها التراب.
لسنا فى هذا المقال لتشخيص العلل البنوية للاحزاب السودانية ولكن يمكن القول في الوقت الذي تعد فيه الأحزاب السياسية ركنا أساسيا لبناء النظام الديمقراطي نجدها فى الواقع اوكما رايناها مجرد أدوات في يد أصحاب النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والنخب لتحقيق مصالحها. وهى ايضا تفرق ولاتجمع فى شكلها الذى عهدناه به بل وقد احيت جراحا فى المجتمع السودانى كادت ان تندمل وذلك لغياب الاسس والمفاهيم السليمة وتدنى وعى الناخب فى بلد تبلغ نسبة الامية فيع اكثر من 60%.ولناخذ مثالا على ذلك من عالمنا العربى تجربة العراق والظروف مشابهة نوعا ما للحال فى السودان (وان كان لكل بلد خصوصيته الاقليمية) اين العراق الآن بعد اكثر من ستة عشر عاما من الممارسة الديمقراطية؟ كذلك لا نريد الحديث عن السياسيين وشراء اصوات الناخبين وكل انواع الفساد التى تؤدى الى تزييف الارادة الحقيقية للناخبين.
كل تقديرنا لرواد الاستقلال ولكنهم لم يفعلوا لتوطيد الدولة الوطنية الا اقل القليل ثم انجرفوا مع تيار الاحزاب يقول الراحل الاستاذ محمد احمد المحجوب فى كتابه الديمقراية فى الميزان ص291 ( وهنا يجب ان نتحدث فى صراحة عن مكامن اخطائنا
فالاحزاب التى عملت من اجل الاستقلال او عارضته وجدت نفسها بلا هدف معين وفشلت جميع محاولاتها فى وضع سياسة متناسقة
وكانت النتيجة قيام حكم ائتلافى وبلغت الخصومات الشخصية والطائفية اوجها واصبحت القوة الشخصية القصيرة المدى هى المسيطرة
والاحزاب السياسية كانت قائمة على الولاء القبلى والطائفى بدلا من البرامج الصالحة وتميزت الطريقة التى اغفلت بها قضايا الحدود
من اجل المصالح الفردية بالمناقشات الطويلة والعقيمة حول طبيعة الدستور هل يكون اسلاميا ام علمانيا).
النظام الديمقراطى لا يشترط تبنى نموذج بعينه وان كان لابد من ذلك فيجب علينا التعديل على النموذج الاصل بما يناسب واقع الحال لدينا حتى تصبح فرصته فى النجاح هى الكفة الراجحة.
قد يقول البعض بأن المتغيرات قد اختلفت وان الثورة التى قامت على ارواح واكتاف الشباب تجعل منهم فئة يعول عليها وهذا امر صحيح لاشك فيه ولكنه يبقى داك الرهان غير مامون العواقب سواء من الناحية الاحصائية او الحنكة السياسية.
ان مايريد هذا المقال ان يصرخ به انه لابد من عمل قانونى ودستورى كبير يتطلب جهدا ووقتا وعصفا ذهنيا بلا حدود وكل هذا قبل انتهاء الفترة الانتقالية والا سنجد انفسنا باعتقادى مرة اخرى امام ذات الخطأ المنهجى!!!!!!
د. عوض النقر بابكر مجمد
مستشفى رعاية الوطنى- الرياض، السعودية
[email protected]
ياجماعه سلام والله المقال ده بصراحة متميز ويختلف عن المشاكل اليومية بتاعت معظم المقالات وانا والله ما اتفق معاه فى كل شىء ولكن ده عينة التفكير البعاين لقدام عشان كده ارجو الاهتمام به وطرحه ممكن للنقاش فى المنتدى
شكر
اتفق مع الأخ موضوع هام جدا
دعوض ماشاءالله تشخيص دقيق وعلاج ناجع لكن انت ذكرت لابد من وجود طبقه متوسطه بقدر معين من الوعى ولكن اندثرت هذه وذابت فى قاع المجتمع نتيجه للتردى المهول للاقتصاد والاخلاق
اضم صوتى الى
ا الأخ اعلاه
اقول للاخ اسماعيل الطبقة الوسطى انتهت فى شكل مستوى معيشى ولكنها من حيث الوعى قد اصبحت شريحة كبرى اليس كذلك