الحكم المدني وإعادة ترتيب الدولة عبر المؤتمر القومي الدستوري ( 1 )
محمد حسن العمدة

مبتدأ لا بد من الإعتراف بالواقع المرير نتاج ثلاثون عاما من التدمير و التخريب و النهب المركز لكافة موارد البلاد الإقتصادية الطبيعية و البشرية و السائلة و حصار تام خارجي زاد من الخناق الحاد مما أدى لحالة إحتضار للبلاد و إدخالها في العناية المركزة التي لا يمكن الخروج منها الا بمخاطبة الأسباب الحقيقية و المكاشفة الواضحة و بذل الجميع للجهد من أجل إسعاف عاجل يمهد لعلاج مستدام يخرج البلاد و العباد من التدهور المستمر في الحياة اليومية للمواطن .
بناء على ذلك لا بد من مخاطبة الواقع محل الأزمة ومعالجتها بترتيبات داخلية محكمة و مبصرة ثم بمعينات خارجية مساعدة , أولى الإجراءات و السياسات الداخلية الإسعافية الى حين إنعقاد المؤتمر القومي الدستوري تتمثل في الآتي :-
إعادة ترتيب البيت الداخلي على الصعيدين العام و الخاص ولنبدأ بترتيب العام اولا وفق الإجراءات التالية :
إعادة هيكلة و ترتيب نظام الحكم و مؤسسات الدولة :
1- هيكلة الدولة :
تأسيس نظام حكم رشيق لتقليل الإنفاق الحكومي و محاصرة المشاكل الحقيقية في أضيق نطاق يجمع ما بين المركزية و اللامركزية بحيث يحقق الآتي :
1- الآداء المحكم لتنفيذ السياسات العامة والتخطيط القومي للقوانين و المشاريع القومية القائمة على مبادي العدالة و المساواة و التوزيع العادل للثروة و السلطة وفق حقوق المواطنة الشاملة
2- مراجعة كافة الهيكل الإداري في الوزارات الإتحادية السابقة قبل 21 اغسطس 2019 اذ ان دمج الوزارات مع الإحتفاظ بذات الأقسام والإدارات بثقلها البشري و المادي يفقد الدمج معناه الحقيقي وتحقيق الأهداف من وراءه ان تقليص عدد الوزراء مع إستمرار النزيف البشري و المادي و لا يؤدي الا الى التضخم السرطاني المستنذف للموارد المالية و المستهلك للإيراد الحكومي فيما لا يعود بالفائدة بل يؤدي للهلاك العاجل
عليه يجب تصفية الإدارات المتكررة في الوزارات و إعادة ترتيبها وتنظيمها حسب الحاجة الإدارية الحقيقية لكل وزارة مع تأسيس مركز معلومات وطني مركزي يسد النقص في المعلومات لكل وزارة و هذا يتطلب بدوره إزالة التمكين بهيئة الاتصالات القومية وتصفيتها من فلول النظام السابق
3- مراجعة النظام الإداري للدولة المتمثل في الحكم الولائي و الذي إحتفظ بعدد الولايات كما هو عليه ( 18 ) ولاية و ( 18 ) حكومة ولائية و ( 185 ) محلية ومعتمد !!
4- مراجعة التناقض القاتل ما بين صلاحيات المركز والولايات .
عليه يجب تقليص عدد الولايات الى ما كان عليه قبل 30 يونيو 1989 والعودة الى الاقاليم والمديريات السابقة
إعادة الهيكلة في كل من ( 1 ) و ( 2 ) و ( 3 ) اعلاه من شأنه ان يحقق البند ( 4 ) ويحقق وفرة مالية كبيرة لخزينة الدولة ويخفف العبء على المواطن مما يقود لإعادة توجيه هذه الأموال للتنمية عبر الحكومة و المواطن معا
2 – إزالة التمكين :
من المعلوم للجميع ان سياسات النظام السابق في التمكين قد أقعدت المؤسسات العامة عن أداء واجبها الوطني حيث كان المبدأ الولاء للحزب ثم تحول الى الولاء للقيادي في الحزب كل حسب موقعه من الدولة لذا لابد من إعادة الترتيب على أساس الولاء للوطن اولا وفق معايير الكفاءة والإقتدار والمؤهل – وهو ما جاءت به حكومتنا المدنية الان نظريا وغاب عمليا – وذلك يتطلب :
1- مراجعة كافة قوانين الإنتساب للخدمة العامة للإستفادة من الكوادر البشرية بالداخل و الخارج الذين إستبعدتهم قوانين التمكين السياسي وذلك يتطلب مراجعة الموظفين المنتسبين للدولة خاصة الذين يشغلون المواقع القيادية في الخدمة المدنية وكيفية تقلدهم لتلك المناصب والإستبعاد الفوري والفصل من الخدمة لكل من يثبت شغله الوظيفة عبر الولاء الحزبي المسيس بواسطة مسئول التنظيم الخاص بالنظام السابق داخل مؤسسات الخدمة المدنية الى جانب المعارين خارج مؤسساتهم في منظمات النظام السابق وإستعادة كافة الأموال التي تحصلوا عليها نتاج الفوضى الوظيفية مثال منظمات الدفاع الشعبي والجهاد والمنظمات الشعبية الاخرى للنظام السابق
2- مراجعة كافة الموظفين االذين شغلوا وظائفهم نتاج المحسوبية والعلاقات التنظيمية والشخصية واستحوذوا على وظائف حرم منها آخرين اكثر كفاءة وتأهيلا
3- مراجعة كافة الإتحادات المهنية النقابية ومؤسساتها التي أنبنت علي الولاء الحزبي ويشمل ذلك المنظمات والجمعيات الشعبية في الخدمة المدنية و الأحياء السكنية
4- مراجعة كافة الشركات والمؤسسات الاقتصادية التى جرى تأسيسها بواسطة النظام السابق الأمنية والعسكرية والمدنية و السياسية وإعادة تمليكها للدولة وفق تخصص كل شركة ومؤسسة في الوزارة المختصة بها
5- اعادة كامل الاموال المجنبة في المؤسسات الحكومية الأمنية والعسكرية والسيادية والمدنية بشكل عاجل وإعادة توظيفها لصالح خدمة المواطن مباشرة سواء دعم السلع التموينية الضرورية او التعليم والعلاج واصحاح البيئة والتنمية المستدامة
6- إلغاء كافة الإعفاءات الضريبية والجمركية الخاصة بمؤسسات التمكين ذات الصفة الحكومية والعائد الخاص وكذلك شركات الاستثمار الوطني والاجنبي بحيث توفر أموالا هائلة لدعم خزينة الدولة ان شركات و أعمال لا توفر أموالا لخزينة الدولة لا فائدة منها
7- اتخاذ اليات و إجراءات رقابية صارمة تجاه كافة المنتجات الداخلية والخارجية المصدرة والمستوردة مثال لذلك المواني البرية والبحرية والجوية و إصدار تشريعات عقوبات رادعة تضمن عدم التهريب الصادر والوارد وذلك عبر مراجعة ادارات تلك المواني والهيئات والمصالح المرتبطة بها مثل الجمارك والضرائب والحكم المحلي
ان الحاجة للاجراءات اعلاه سيمهد الطريق امام تنفيذ الخطط الاسعافية في كافة مفاصل أجهزة الدولة ومؤسساتها والتطبيق العملي لهذه الخطط دون اي اعادة للفشل والتخريب الذي صاحب مسيرة ( 30 ) عاما من عمر الوطن وسأضرب أمثلة بوزارات أساسية كمدخل لبقية الخدمة المدنية .
1- وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي + النظام المصرفي
2- وزارة الخارجية
3- وزارة الزراعة
4- وزارة التجارة والصناعة
وزارة المالية و التخطيط الاقتصادي :
الشاهد الان ان الأزمات تتتفاقم بشكل متسارع وطاحن للمواطن والدولة معا النتاج الطبيعي لذلك هو إنفجار البلاد في فوضى عارمة لا عاقبة لها سوا الخراب والدمار الشامل , وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي هي العاصم من كل ذلك , لذلك ارى انه لا بد من اتخاذ سياسات وقرارات ثورية عقلانية تعيد الترتيب داخل هذه الوزارة وتعمل علي تثبيت اساس متين يحمي البلاد من عواقب ما يتم الان :
اولا : هيكلة الوزارة وازالة التمكين :
من المعلوم والثابت ان كل طرق ووسائل الفساد طوال الثلاثون عاما السابقة كانت تتم من وعبر وزارة المالية وكل السياسات المالية والاقتصادية الفاشلة والمقصودة تمت عبر ادارات وزارة المالية من خلال التمكين لكوارد النظام السابق المخلصين والموالين لقادة النظام الفاسد وكمثال على ذلك ( كتيبة بدر الدين محمود ) هذا الامر استمراره يعني:
1 – استمرار ذات الفساد مع إخفاء كامل للملفات السابقة حماية للمستقبل , الفساد سرطان قاتل يمتص كل الغذاء في الجسم و يمنع الاخر السليم منه فيقتل الجسد والروح معا .
2 – استمرار ذات السياسات والوسائل الفاشلة , ان من ادمن الفشل في الماضي لن يستطيع تجاوزه او النجاح في الحاضر والمستقبل
3 – استمرار النزيف القاتل في امتصاص كامل موارد الدولة اما بالفشل او النهب والتخريب المتعمد سمة النظام السابق
4 – انسداد الافق لايجاد مخرج واسعاف عاجل للاقتصاد السوداني الى حين انعقاد المؤتمر القومي الدستوري
في المقابل فان اعادة هيكلة وترتيب الوزارة واعادة التعيين فيها يضخ الروح في الجسد المنهار والمتورم سرطانيا ويفتح الباب امام :
1- الكفاءات الوطنية المؤهلة من خلال العلم والتجربة والتي تمت ازاحتها قصديا من قبل النظام السابق
2- هيكلة النظام الاداري والمالي بما يحقق الرشاقة المطلوبة في الاداء والرقابة والابتكار
3- ايجاد افاق اشمل واوسع بالاستفادة من الخبرات بالداخل والمهجر عبر تشريعات قوانين خدمة مدنية تفتح الباب المغلق على موظفي وتوابع التمكين امام بقية ابناء الشعب السوداني وتضخ دماء جديدة غنية
4- جمع كافة الملفات والمعلومات عن الفساد وتقديمها للجهات العدلية للمحاسبة والمحاكمة واستعادة الاموال المنهوبة
5- استعادة كافة الشركات الاقتصادية والخدمية المبعثرة بالخدمة المدنية واعادتها لوزاراتها المتخصصة وعائداتها لوزارة المالية
6- اقامة نظام مالي موحد يضمن سلامة التحصيل والصرف لكافة ايرادات الدولة ( ضرائب وجمارك ورسوم حكومية واستثمارات عامة ) ومراقبة اصولها الثابتة والمتداولة
7- ضمان انسياب التمويل الخارجي المتعدد المصادر الوطنية والاجنبية وتوجيهه للبرامج المخصصة مما يضمن استعادة الثقة داخليا وخارجيا
هذه الحزمة من شأنها ان تفتح الباب واسعا امام الكثير من الحلول والتي سيتم طرحها في الحلقة القادمة باذن الله تعالى ,,,, يتبع
محمد حسن العمدة
[email protected]