هل الإستعمار قادم للسودان؟؟

بعيداً عن كل الحجج التي ساقها من عارض رسالة د. حمدوك للأمين العام للأمم المتحدة، والتي طلب فيها إرسال بعثة دولية فنية – وليست عسكرية – تحت الفصل السادس للمساعدة في ترسيخ عملية السلام، وإرساء دعائم التحول الديمقراطي، والمساعدة في بناء الدولة، وبعيداً عن محاولات هؤلاء اللعب بمشاعر البسطاء وتغبيش الصورة أمام أعينهم، ومحاولاتهم المستمية في تحريض القوات المسلحة للإنقلاب على الفترة الانتقالية الحالية، إلا أن هنالك وجهة نظر لم يتطرقوا لها عمداً أو سهواً، هي في نظري حاسمة في رد إدعائهم أن تلك الرسالة تستبطن إستدعاء الاحتلال الأجنبي والإستعمار مرة أخرى للسودان، وهذا – ومن كلمة واحدة – لن يكون، بل هو من المستحيلات، وسنبين كيف.
يمكننا القول من دروس التاريخ أن الدول الاستعمارية لا تصبح استعمارية إلا إذا تجمَّع لديها فائض قوة عسكرية وإقتصادية، يفرض عليها البحث عن موارد و أسواق جديدة، لمقابلة طلب مصانعها للمواد الخام أو تصريف منتجاتها، وذلك لإستمرار دورة إنتاجها الاقتصادي، الضروري لإستدامة صناعتها العسكرية وهيمنتها السياسية، يقابله في الجهة الأخرى وجود ضعف بائن وتخلف حضاري وسياسي وإقتصادي وعسكري لدى الدول والشعوب التي تقوم بإحتلالها وإستعمارها. هذه هي الشروط التي تجلب الإستعمار لأي بلد، وليس خطاب أو رسالة من هذا الزعيم أو ذاك الرئيس.
الدول الإستعمارية عندما تريد إحتلال بلد آخر فهي لا تستأذن أحداً، وإنما تقوم من فورها بعملية الغزو، ثم تبحث من بعد ذلك لذرائع ومبررات تبرر بها ذلك الغزو والاحتلال. وخير مثال على تأكيد صحة ما ذكرنا هو إحتلال العراق من قِـبل جورج بوش الإبن عام 2003م. المحافظون الجدد عندما قرروا غزو العراق فعلوا ذلك دون تفويض من مجلس الأمن أو طلب من صدام حسين، وساقوا لذلك حجج ودعاوي ثبت لحقاً كذبها جميعاً. وقد تم الغزو لأسباب إستراتيجية بحتة، تمثلت بصورة أساسية في وضع يدهم على أهم مصادر الطاقة في العالم من أجل التحكم فيه، وفرملة النمو الاقتصادي المتسارع للصين، ومن أجل إسقاط الإنظمة غير الموالية لهم، ومن أجل محاصرة روسيا ومنع وصولها للمياه الدافئة. وساعد على ذلك الغزو إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق وضعف العراق الشديد نتيجة الحصار الخانق الذي ضُرِب عليه منذ غزوه للكويت.
حالياً لا تستطيع دولة غزو دولة أخرى في هذا العالم إلا الولايات المتحدة، وهي لو أرادت غزو السودان لفعلت ذلك عامي 2003م و 2004م، عندما كانت قضية دارفور هي القضية الإنسانية الأولى على مستوى العالم، وكانت الولايات المتحدة أحسن حالاً مما هي عليه الآن.. الولايات المتحدة خسرت 2 تريليون دولار من غزوها للعراق، وهي ليست على إستعداد لتكرار التجربة في أي مكان آخر في العالم، لأن الغزو المباشر لم يحقق لها الأهداف السياسية التي كانت تنشدها. كما أنها الآن تنكمش وتلملم أطرافها من أفغانستان والعراق وسوريا، وهذه سياسة معلنة لدونالد ترامب. أضف لكل ذلك أن الإستعمار المباشر للشعوب أصبح فاقد للصلاحية، وعفى عليه الزمن، والشعوب أصبحت أكبر وعياً من أن تتقبله أو تتساكن معه.
لا أريد الإسهاب كثيراً في سرد العديد من الحيثيات التي تدعم وجهة النظر هذه، لأن الحديث سيطول بنا، ولكن بإختصار لو خرج كل الشعب السوداني وجثم عند أرجل دول الغرب مناشداً لها باستعماره مرة أخرى لما استجاب له أحد. وبالتالي لا غزو ولا إستعمار ولا يحزنون للسودان، ولو كانت هنالك دولة تتربص بالسودان ولا تريد له الخير فستلجأ لما يُعرف ب”الجيل الخامس” للحروب، وهو إثارة الثورات والفتن والحروب الداخلية، وخلخلة الدول من الداخل، عبر وسائل التواصل الحديثة والعمل الإستخباراتي، كما حدث في سوريا، وعبر الوكلاء والعملاء. ولسعت لتنصيب حاكم على رأس السودان يحفظ لها مصالحها دون أن تتحمل هي تبعات الإحتلال المباشر. لذا كفى خداعاً للناس وتضليلاً لهم.. والسلام.
علي مالك عثمان
[email protected]
(( لتنصيب حاكم على رأس السودان يحفظ لها مصالحها ))
الحين هذا الشخص جــاااهـــــــز
إنه حمدتي