
(1)
تمهيد مهم من الراوي:
البرمائيات مجموعة من الحيوانات ذات العظم تشترك في صفات منها أنها لا تشرب الماء خلال فهما و لها ألسن مخصصة للصيد بلزوجتها الخطِرة. تأخذ الماء و الهواء عبر جلودها الرطبة. و هي أيضاً تغيّر درجة حرارة جسمها مع محيطها و هذا سببه السِحْر. ففي الصيف تتعكر أمزِجتها و يسيطر عليها الغضب الذي يبحث عن التحولات. أما الشتاء فيزعجها لأنه يجبرها علي الإختباء و البرمائيات كما تعلمون ماجنة تحب الظهور و ليس لها أرْحَام. بلغ المجون بالبرمائيات مبلغاً بعيداً فانثاها تبيض في فضاء الماء بلا حياء و تكتفي من الحب بإعتلاء الذكر لظهرها ليطلق سائله المنوي لحظة إباضتها فتلتقي الأمشاج في عراء الماء المسكون بالشياطين الغادرة. أما الخريف عندها فهو من أيام بول السحب المرتبط بغضب أو فرح سكان السماء. في الخريف تنتشي البرمائيات و تتهيج شهوتها المُعربدة. تنتمي البرمائيات إلي علائلات ثلاث و هي عائلة انورا، و انورا هذه انثي كانت في يومٍ ما من زوجات الخالق، غضب الخالق من نقيقها فابعدها عنه و لعنها فجاءت للارض كضفدع مخنث و قادر علي التوالد بدون جنس آخر. و العائلة الثانية هي عائلة أبودا و هذه أطلق عليها المترجمون من لسان الأعاجم اسم الثعبانيات لأنها تشبه الثعابين لكنها برمائية و شديدة الإختباء و لا يعود ذلك للخجل إنما لخصلة التآمر التي تميّزت بها عبر علاقاتها مع الخالق و البرمائيات الأخري و الناس و الجن و الملائكة. وفَدَت مجموعة الثعبانيات إلي نهر قرية السٌرّاب في سحابة قادمة من المحيط الهندي إلي نواحي القضارف. و العائلة الثالثة هي عائلة أروديلا و هي السمندرات المسحورة المعروفة بشهوتها غير المحدودة للقتل و الفتك بالأقارب، الأصدقاء و الاحباب قبل الأعداء، السمندرات تفتك بالجميع و ألوانها الزاهية ليست أكثر من خديعة. و ستكون آخر أعمال السمندرات الإجرامية هي عملية سكب الجازولين و البنزين في مياه نهر النيل لإثارة الفتن في المُقْرن المقدس للنهريين العظيمين. انتهي تمهيد الراوي شديد الأهمية.
يحكي أن السُرّة الأم العظمي للسُرّاب كانت إمرأة جميلة الوجه بشكلٍ ساحر يخلب الألباب، طويلة القامة و نصف ممتلئة، ردفاها لم يكفهما سبعون شاعر و خمسمائة مغنية و مغنٍ ليقولوا للعالم عن جمالهما. في ساقيها لم تكن تسكن المشاوير و الخطوات بل لون الدخان و أريج الدِلْكًة . في قدميها حناء دائمة منقوشة بأرقام و تعاويذ. يقال أن الجن و الشياطين و بعض الملائكة المغامرين هم من كانوا يسهرون علي زينتها و تجميلها. في نهديها جمالٌ غريب يجعل الناظر إليهما دون أمل في الظفر بلمسهما يبكي و يموت من العطش أما ازواجها الأربعة كانوا يتداوون من ضعف الإرًبَة بالنظر إليهما فقط. لم يقل أحد الواصفون ما هو سرُّ جمال نهديها،هل في حسن بروز الحلمتين؟ أم في جمال الهالتين حولهما؟ و كانت الهالتان حول حلمتاها مستديرتان و داكنتان تشبهان قمران منطفئان. النهدان ليس فيهما ضخامة منفرة أو ضآلة محبطة كانا جميلين بصورة متعبة لمن يتكلم عنهما. في أذينها فِدْوات هلالية من ذهب، في انفها زمام ذهبي في شكل حلقة بها وردة ذهبية صغيرة في بطنها جوهرة من العقيق الأحمر تعكس بالليل اضواء النجوم. و من الأسرار التي يعرفها فقط أزواجها الأربعة عن عُرْيها ما إذا قيل سيصيب السامعين بالخَبَل و إنحلال رباطي النفس و العقل و ربما توقف القلب عن الخفقان.
يقال أن السُرّة قد تزوجت بأربعة رجال من التجار العابرين الذين يؤمون سوق الأحد بالقرية تزوجت بهم في نفس اليوم. زوج من الشرق قال إن اسمه أوشيك و هنا وجدت الثعبانيات البرمائية فرصة للفتنة و التآمر فخرج كبيرهم من النهر ليقول للسُرّة أن اوشيك ليس اسماً إنما وصف و يعني بكلام عرب ضفاف النهر الشيخ. تزوجت تاجر من الجنوب قال إنه اسمه نيكانج و تبرعت الثعبانيات البرمائية كالعادة بفضح حقيقة الاسم و كلّمت السُرّة قائلة أن نيكانج ليس إنسان عادي ليسمي به أي واحد من أبناء قبيلة الشلك لأنه أحد الاسلاف الآلهة بالنسبة للشلك. و تزوجت تاجر من الغرب يجلب العطرون و الملح لحواضر النهر اسمه ميدوب و بالطبع فعلت الثعبانيات البرمائية نفس الشيء و قالوا للسُرّة إن ميدوب اسم لسلسلة جبال في الغرب يسكن حولها قومية الميدوب الذين يجمع الإنس و الجن و الملائكة علي أنهم أحفاد الملك العظيم تهراقا. و تزوجها من الشمال التاجر بَرْكَل و الأخير لم يعجز الضفادع حتي في توضيح أن اسمه غير حقيقي لأن البركل جبل معروف في مكان مدينة نبْتة القديمة.
يقال أن السُرّة تضايقت من مجهود برمائيات قرية السُرّاب لتشويه سمعة أزواجها لأنها أحبت الرجال الأربعة بقلب إمرأة واحدة لكن الثعبانينات لم تقبل بغضبها فلعتنها و منعتها من الإنجاب لعامين. إلي أن تمكن أحد الفقرا العابرين من فكَ السحر فملأت السُرّة الأرض بالبنين و البنات حيث لم تكن تنجب غير اربعة مواليد مولود لأي زوج من ازواجها الاربعة في الحمل الواحد. ما تم شرحه هو الاسطورة الدارجة لتفسير الإكتظاظ السكاني في قرية السُرّاب التي تنبت مبانيها كالأشجار و في كل مرة يظهر بيت جديد يقول الناس أن من بناه هم الجِنْ.
هنالك حكاية أخري عن قرية السُرّاب و أهلها و اصدقائهم من البرمائيين. يعتقد الناس بالقُرَي البعيدة و القريبة من قرية السُرّاب أن أجداد السُرّاب هم في الحقيقة من السَحّارين الذين يخرجون من النهر في ليالي الصيف المقمرة بجلودهم التي تشبه جلود التماسيح لكنها في رِقّة و رطوبة جلود الضفادع. يتحول السَحّار لهيئة تشبه هيئة حبيب أو زوج الواحدة من نساء قرية السُرّاب فينام معها و لا تنجب منه غير توأم علي الأقل. و الشائع بينهم هو انجاب الأربعة و الخمسة من الحمل الواحد. يقولون أنه في أي بيت من بيوت قرية السٌرّاب فتاة أو فتي غرق و لم يطفو جثمانه ثم يظهر بعد عدة أعوام من حادثة الغرق فتنبت له الأرض بيتاً و يجلب له السَحّارون الذهب و الفضة و العملات الأجنبية و تحتفل البرمائيات بعودته في حفل ضفدعي ضاج بالنقيق و الغناء الماجن المعربد الذي تتخلله فواصل التراتيل و الإنشاد الكنسي و فواصل من تلاوة القرآن.
طه جعفر الخليفة
تورنتو – اونتاريو – كندا