غير مصنف

كاتب أمريكي يكتب عن قيام السودان بإعادة ترتيب علاقاته مع بقية دول العالم

مجلس السيادة الحاكم فى السودان إعلانًا شديد الأهمية، الأسبوع الماضى. ويفيد هذا الإعلان بأن المجلس يخطط للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية فى محاكمة الرئيس السابق، عمر البشير، و٤ من رجاله الذين اتُّهموا بارتكاب جرائم عنيفة وعمليات إبادة جماعية فى دارفور، وذلك كجزء من صفقة سلام مع الحركات المسلحة فى البلاد، وهو ما يعد لحظة فاصلة فى البيئة السياسية سريعة التطور بالسودان.

لكن هذه اللحظة ليست سوى الأحدث فى سلسلة مذهلة من التغييرات فى السياسات الرئيسية للبلاد بالأسابيع الأخيرة التى ستؤدى لعملية إعادة تشكيل جذرية لعلاقات البلاد مع بقية دول العالم، وفى هذه الحالة، فإن عرض الحكومة الأخير سيودى لتحويل السودان من خصم دولى بارز للمحكمة إلى حليف، وذلك من خلال القيام بدورها فى أكبر وأهم قضية فى تاريخها.

منذ أسبوع واحد فقط، ظهرت تفاصيل عن اجتماع سرى بين زعيم المجلس السيادى الانتقالى فى السودان، الفريق عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وإمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين، وإلغاء تاريخ العلاقات القتالية التى شهدت استهداف السودان بالهجمات الجوية الإسرائيلية منذ عقد من الزمان بسبب دوره فى نقل الأسلحة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، يتماشى مع وعود القادة السودانيين الجدد باتباع سياسة خارجية متوازنة، ولعب دور إيجابى فى المنطقة وخارجها. ويأتى ذلك فى أعقاب تسريب رسالة مبعوثة من رئيس الوزراء السودانى، عبدالله حمدوك، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، يقترح فيها مهمة سياسية شاملة جديدة للأمم المتحدة فى السودان والتى من شأنها أن تحول العلاقة بين السودان والأمم المتحدة من علاقة قائمة على الصراع إلى تعاون دائم فى المساعدة على «بناء السلام، وتقديم الدعم التقنى بشأن إصلاح القطاع القضائى والأمنى»، بحسب نص الرسالة.

وتعد هذه المجموعة المذهلة من التغييرات السياسية هى الأكثر إثارة للإعجاب وذلك بالنظر إلى الطبيعة المنقسمة للحكومة فى البلاد، وكجزء من الاتفاق الذى تم التوصل إليه فى الصيف الماضى، فقد تم إحضار حكومة مدنية لتقاسم المسؤولية مع مجلس السيادة الذى يسيطر عليه الجيش، وذلك فى البداية على الأقل.

ومنذ تسلم السلطة قبل ٦ أشهر فقط، رأى العديد من المتشككين أن هذا «النموذج الفريد من نوعه للعملية الانتقالية فى السودان»، كما يشير رئيس الوزراء إليه، على أنه مجرد محاولة من جانب الجيش لوضع وجه مدنى فى جهده لجذب الاستثمارات الخارجية وإزالة ما تبقى من العقوبات الدولية على السودان.

ولا يزال العديد من المراقبين يعتقدون أن المدنيين لن يكونوا قادرين على تغيير ديناميات السلطة الأساسية لدولة تحظى فيها المصالح والممتلكات العسكرية بالحماية والأولوية على أى شىء آخر. وفى ظل هذا الافتراض، فقد اتبعت العديد من الحكومات، بما فى ذلك إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الولايات المتحدة، نهج الانتظار والترقب لديناميات الحكم فى البلاد، فصحيح أنهم قاموا بمدح الحكم المدنى ولكنهم ظلوا حذرين فيما يتعلق بإزالة العقوبات وتخفيف الديون خشية أن يعيد الجيش سيطرته الكاملة بمجرد إلغاء جميع العقوبات السودانية.

وفى الواقع، فإن الإحباط يتزايد داخل وخارج السودان بسبب النهج الخجول الذى تتبعه الحكومة فى تنفيذ السياسات الخاصة بها، وخوفها من إغضاب القوى السياسية والعسكرية فى البلاد، ولذلك فإنه من الصعب شرح التحركات الدراماتيكية من قبل الحكومة المدنية فى الأسابيع القليلة الماضية، مثل تسليم كبار القادة إلى المحكمة الجنائية الدولية وتوسيع عمليات الأمم المتحدة بشكل جذرى فى البلاد، وفى الواقع، تشير هذه التحركات إلى أن الجيش يشارك الحكومة فى رغبتها برؤية إعادة دمج البلاد فى المجتمع الدولى.

كاميرون هادسون

المدير السابق للشؤون الإفريقية فى مجلس الأمن القومى الأمريكى

نقلًا عن مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية

ترجمة- فاطمة زيدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..