المخرج العالمي وجدي كامل : لهذا السبب (…) تم اعتقالي بالجنوب! محمود عبد العزيز كان حزباً

حوار: محاسن أحمد عبد الله –

يعتبر من أميز من يعملون في مجال الأفلام الوثائقية؛ فهو يتكِّئ على تجربة ثرَّة من العطاء المتميز، حصد العديد من الجوائز، وذلك منذ تخرجه في العام 1986 في معهد السينما والتلفزيون، نعم هو د.وجدي كامل، الذي يعمل الآن بقناة الجزيرة كمنتج برامج متخصص بالبرامج الوثائقية التي تتعلق بأفريقيا، قدم عدداً من الأفلام، منها (أطفال الشمس، جراح الحرية، بروق الحنين، صمت المحارب، باتريس مومامبا)، وغيرها، التقته (السوداني) وتحدثت معه في عدة محاور، فكان أن فتح لنا قلبه بكل أريحيَّة.
*بداية.. ما هي أسباب عدم تطور صناعة السينما في السودان؟
هذا سؤال كبير ومعقد، ظللنا نقدم له إجابات لفترة تجازوت الثلاثين عاما، لكن الآن صارت مشكلة ضبط المقترح وهي: ماذا نقصد بالسينما؟ هل السينما التقليدية التي كانت تنتج بدور العرض بواسطة أجهزة التصوير السينمائي أم السينما الديجتال؟ وأياً كانت الإجابة، فالأمر يحتاج إلى ضبط مصطلح، وضبط مهنة، فمن هو السينمائي أيضاً؟ لكن في كل الأحوال نجد إجابة قديمة وما تزال الإجابة الحقيقية لعدم تطور السينما في السودان، وهي غياب السوق السينمائي، ولا بد من وجود نافذة للعرض ونوافذ العرض هي دور العرض ومتى ما غابت أماكن العرض غابت الأفلام، ولذلك في تقديري يجب أن يتم تأسيس لدور عرض سينمائية قائمة على تخطيط جديد يستقبل الأفلام الديجتال التي تنتج بواسطة كاميرات الديجتال وتكون مفتوحة للجمهور أيا كانت الأفلام، وأستطيع أن أقول إن هناك أفلاماً يتم إنتاجها، ويجب أن تكون هناك أفلام، لكن ستظل حبيسة لفرجة بعض المراكز الثقافية وبعض الأماكن التي ترتادها النخبة.
*إذاً المشكلة تكمن في عدم اهتمام الجهات المعنية بالأمر؟
نعم.. لأنه لا يوجد جهاز داخل الدولة يتخصص في السينما. في السابق كان للسينما جهاز اسمه الإنتاج السينمائي، الآن لا يوجد جهاز، ولدرء الحرج يتكلم الناس عن مهرجانات وفعاليات دون أن تكون هناك بنية تحتية يقف عليها جهاز متخصص في الدولة.
*ما هي الأسباب التي أدت لمهاجمة فيلم (بروق الحنين)؟
سبب بسيط للغاية، وهو أن فيلم (بروق الحنين) تناول حقيقة أوضاع العلاقات الشمالية الجنوبية على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي، وأساس هذه العلاقات غياب عدالة في الفرص حتى على مستوى الفرص العاطفية، وفرص الزواج وغيره، ولم يحتمل الجنوبيون، وذلك عندما بكت عدد من الفتيات الجنوبيات في الفيلم وهن يحكين عن آلامهنّ وجراحهنّ، ورأى الجنوبيين كان أن هذه أشياء ابتدعتُها أنا، وافترضوا أن أعادل ذلك بذات المستوى بشابات شماليات يتحدثن عن علاقاتهن بجنوبيين.
*مقاطعة.. إذاً كان هذا قصوراً منك؟.. لماذا لم تأتِ بفتيات شماليات؟
حقيقة لم أجد فتيات شماليات يتحدثن عن علاقات عاطفية مع جنوبيين أو غيرهم، وكان هذا هو الواقع المر، إذ قمنا بفتح ملف علاقات مسكوت عنها والمسكوت عنه دائما لا يجد القبول، على الرغم من أنني نوهت إلى ذلك بالكتابة في أول الفيلم، بأن هذا الفيلم يتحدث عن المسكوت عنه في العلاقات الشمالية الجنوبية.
*لماذا تم اعتقالك من جهاز الأمن بالجنوب؟
لأن الهجوم قاده جهاز الأمن في دولة الجنوب وهو الذي قام باعتقالنا وقبل أن يتم عرض الفيلم قاموا بتحريض عدد من الصحفيين الذين لم يشاهدوا الفيلم بنوع من الأفكار المسبقة عن الفيلم فكتبوا وشكلوا تيارا عاما للبقية في الوقت الذي وصلتني فيه كثير من الرسائل الإيجابية من الجنوبيين الراضية عن الفيلم وأن ما حدث نوع من التظاهرة المستعجلة والحكم غير الأمين.
*مركز مالك عقار الثقافي.. هل جمعت خلاله بين الثقافة والسياسة؟
هذا كان بالنسبة لي حلم، وهو أن أقوم بالتأسيس والإشراف على بنية تحتية ثقافية خارج الخرطوم تستطيع أن تؤدي غرضا ثقافيا شعبيا تنويريا، وإذا دخلت السياسة دخلت من باب شخصية المالك وصاحب المركز الذي كان في ذلك الوقت رئيسا للحركة الشعبية وتحول إلى خصم للحكومة.
*ما هو تقييمك لتجربة المخرج العالمي سعيد حامد؟
أجاب بحزم:(لا.. لست أنا الذي أقيّم تجربة المخرج سعيد حامد لأنه زميلي ولست أنا من يقيّم تجارب الزملاء وإن حدث ستكون آراء في حدود الزمالة).
*الأفلام الوثائقية لا تجد حظها من الاهتمام في السودان؟
دعينا نكن واضحين. إننا ظللنا نتج أفلاما لمدى ستين عاما ولكن المشكلة الرئيسية أننا ظللنا ننتج أفلاما من نوع محدد في الغالب وثائقي والجمهور يريد أفلاما روائية فيها قصة وممثلون ومعالجات روائية والناس في السودان لا تعرف كثيرا عن الأفلام الوثائقية ولا تهمها الأفلام الوثائقية مثل الأفلام الروائية، ونحن في مجال الأفلام الروائية حتى هذه اللحظة فشلنا.
*مقاطعة.. ولكن هناك تجارب روائية؟
هناك تجارب بالطبع منذ (آمال وأحلام) وأخرى للراحل جاد الله جبارة من بعده أنور هاشم إلى مصطفى إبراهيم ولكنها تجارب متقطعة لم تستمر كتقليد إنتاجي.
*ماذا بعد فيلم (بروق الحنين)؟
بعد (بروق الحنين) قمت بإنتاج وإخراج فيلم (جراح الحرية) بعدها أكملت تصوير فيلم سيكون اسمه (المغدور) وهو الآن في مرحلة الإنتاج وربما نذهب بعده إلى موضوع جديد عن الاشتراكية بلباس عسكري (منقستو هايلا مريم) وتجربته في الحكم.
*ما هي المعوقات التي تقف في طريق إنتاج أفلامك بقناة الجزيرة؟
أبدا.. لا توجد أية مشاكل تعترضني في إنتاج أفلامي في الجزيرة لأن كل شيء متوفر وله تخطيطه ونظامه، أما في السودان فكل الشروط القائمة مضادة لإنتاج الفيلم والكلام يكثر في هذا الجانب.
*ما سبب عدم ظهورك في فضائيات سودانية؟
أنا اصلا غير موجود بالسودان وأعمل منتج أفلام وثائقية وظروف عملي تتطلب السفر إضافة لذلك تُجرى معي بعض المقابلات في الأسافير.
*مقاطعة.. هذا لا يمنع في عصر الفضاء المفتوح؟
إذا هذه ليست مشكلتي، إذا أرادت فهي تستطيع أن تصلني أينما كنت.
*أنت شخصية مزاجية؟
أنا شخصية مزاجية هذا صحيح وطبيعي لأنني اعمل في مجال فني وبذات المزاج أنتج أشيائي.
*أحلام وأمنيات لم تتحقق حتى الآن على أرض الواقع؟
هي أحلام لم يأتِ وقت البوح بها.
*أقرب الأفلام إليك؟
كلهم أبنائي وكل فيلم له قصته وتجربته وظروفه وله نتائجه لا أستطيع أن أقول إن هنالك فيلما أحب إليّ من الآخر.
*حدثنا عن تجربك الكبيرة مع الفنان الراحل محمود عبد العزيز في ألبوم (سكت الرباب)؟
لقد جمعتني ظروف الدراسة مع البروفيسور الفاتح حسين في أوائل التسعينيات بموسكو حيث كان يحضر لدرجة الماجستير وأنا أحضر درجة الدكتواره وكانت لدينا علاقة سابقة من خلال عمله مع فرقة الفنان محمد الأمين في أوائل التسعينيات بموسكو وكانت بيننا علاقة سابقة منذ الثمانينيات وعندما التقينا في موسكو لم يكن يعرف أنني أكتب شعرا ولم أظهر هذا الجانب ولكن من خلال صداقتنا بدأنا في وضع تمارين لعدد من القصائد وجميعها قام بتلحينها د.الفاتح حسين وكان من أمنيات الفاتح أن يتغنى بالعمل الفنان محمود عبد العزيز ولكن اتصل بالموسيقار الموصلي الذي قام بترشيح الفنان طارق أبو عبيدة فخرج كاسيت (الغيم) من شركة حصاد عام 1996 وتبقت أغنيتان قام فيما بعد الفاتح حسين بدعوة الفنان محمود عبد العزيز إلى موسكو لترديدهما وهما (عشان نغني) و(شذى الأيام) وغنى أيضا بقية القصائد التي غناها طارق أبو عبيدة.
*ما هي قصة ضياع شريط (الغيم)؟
لسوء حظ جمهور محمود عبد العزيز والسودان أن هذا التسجيل قد ضاع من د.الفاتح حسين في مطار القاهرة حسب ما روى الفاتح حسين، وحتى الآن ندعو كل من له علاقة بالأمر إن وجد هذا الكاسيت أن يجعله متاحا.
*(الحوت) ظاهرة فنية.. ما هو تقييمك له؟
هذا ما يجب لفت النظر إليه، لقد كان للراحل محمود عبد العزيز تأثير على قطاع كبير من الشباب في المجتمع في حين عجزت أحزاب سياسية بأكملها عن تجميع هؤلاء الشباب حولها ولكن محمود كان حزبا سياسيا غير معلن أو مؤسسة سياسية فنية هذا يلفت النظر والتفكير، وهو يستحق فيلما وثائقيا ولكن سمعت أن هناك مخرجا آخر قام بذلك وأتمنى في يوم ما أن أقدم فيلما عن الراحل محمود عبد العزيز.
*ما هو جديدك في الفن؟
الآن لديّ تعاون فني مع الفنان ياسر مبيوع والملحن ناصر عبد العزيز وآخي أيمن كامل ومحمد بدوي أبو صلاح والآن نحضر بروفات لعدد من الأغاني الجديدة.
*رسالة لوزارة الثقافة؟
أن تنظر بعين ثقافية للمشكلات القائمة وخاصة في مجال السينما والفنون الأخرى وأن تختار الناس دون منظور سياسي وأن تتعامل مع المنتج الثقافي بحيادية وتبعد السياسيين من هذا المجال لأنهم يرمون لتسييس المجال.
*أخيراً؟
اشكرك جزيل الشكر كما أود أن أبعث بصوت شكر خاص للصديق ضياء الدين بلال فهو زميل في مجال عمل الأفلام فقد أنتج معي فيلما مهما جدا وهو عبارة عن ثلاثية طويلة (وصمة حرب) وعدد من الأفلام تصل إلى تسعة أفلام من أهمها (حياة حول بئر) ومجموعة أخرى من الأفلام القصيرة وأتمنى لكم التوفيق في مجال الصحافة والإعلام في السودان.

السوداني

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..