هل تنتصر الدكتاتورية علي الثورة ؟

شاهدت فلم أمريكي إسمه (The Post) قبل فترة موجود علي اليوتيوب وتدور أحداثه في أنه يجب ان تقف مع جيش بلادك إذا واجه عدو خارجي لكن إذا فسد جيش بلادك يجب ان تنشر هذا الفساد
في الفلم عام 1972 منع الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون صحيفة نيويورك تايمز من نشر وثائق تدين الرؤساء الامريكين بأنهم كان يرسلون الجيش الامريكي للقتال في فيتنام وهم يعلمون سيقتلون ولن ينتصروا ولم يكسب الرئيس القضية وتضامنت جميع الصحف في ذلك الوقت مع هذه الصحيفة ونشرت الوثائق وبالفعل انتصرت الصحف وكسبت القضية .. وكما حدث في انتهاكات سجن ابو غريب في العراق كشف الصحفيين الامريكيين هذه الفضيحة وطالبوا بمحاكمة الجنود المجرمين .
تذكرت هذا الفلم عندما قرأت بيان للمتحدث باسم الجيش والذي لخصته الاستاذة الفاضلة شمائل النور (وأدتنا ليه في فتيل) ذكر البيان ان هناك ثلاث مخالفات تخص الملازم محمد صديق أدت الى احالته للتقاعد وقال إن هناك تفاصيل بطرفهم لمن يرغب في الاستزادة وأضاف البيان أن القوات المسلحة أصدرت هذا التوضيح رغم أنها ليست ملزمة للتبرير. وجد هذا البيان بلغته المستبدة استنكارا واسعا في الوسائط وإعتبروه لغة استعلائية لقد ولى زمانها كيف غير ملزمة بتمليك الحقائق للشعب وأنت قوات الشعب !؟وسألت نفسي هل المواطن السوداني يتقبل مثل هذه الوقائع ان ينشر ويفضح جيش بلاده ويكشف عن فساده وإنتهاكاته؟
قبل الثورة لن يقبل أحد بذلك لكن الآن الا قلة قليلة من الإسلاميين .ومفهوم تقديس الجيش والمؤسسات الامنية الاخرى أو تقديس الاشخاص فان هذه الفئة لا تثريب عليها بسبب عقود ظل السودان محصوراً فيها بين الفاشية الدينية والفاشية العسكرية التى حكمت السودان منذ الإستقلال وسرعان ما تنتقل سلوكيات النظام أي كانت الى الشعب .. ونحمد لهذه الثورة مثول البشير كرمز للدكتاتورية امام المحكمة في داخل قفص الإتهام فهذه الوقفة لوحدها في داخل القفص لها معنى نفسي عظيم للمواطن السوداني وتعني كتابة تاريخ جديد .إذ كنا لا نعتبر الرئيس أو اي مسؤول هو موظف يخدع للمحاسبة .ان فكرة محاسبة الرئيس أو المسؤول كانت حتى وقت قريب ليست واضحة في أذهان السودانيين كثيرين كانوا يعتبرون الرئيس والدا للشعب ورمزا للأمة وليس موظفا عاما قابلا للمحاسبة فكان من العيب في السابق ان تتحدث مجرد حديث عن فساد الشرطة,وكان من الخيانة ان تتحدث عن فساد الجيش ،
وكان اقتناعنا نحن السودانيين بأي موضوع كان مطلقا لا توجد فيه أي مساحة للاختلاف، بل كان من أجل الحفاظ على اقتناعنا المطلق كثيرا ما ننكر أشياء واضحة كالشمس ونتعامل بعدوانية مع من يختلف معنا وهذه هي الفاشية بكل معانيها التي انتقلت إلينا كعدوى من النظام
ثم أتت ثورة ديسمبر المعجزة والتي كتبت تاريخ جديد للسودان وللأبد فكانت بين القوتين الفاشيتين العسكرية والدينية بشباب التغيير وبفضل دماء الشهداء وهم أنبل من أنجب السودان وبفضلهم سننعم بدولة القانون والعدل والحرية …وأصبح الآن ممكنا أن ياسر عبد الكريم
[email protected]