مقالات وآراء سياسية

كيف يصبح المكون العسكري والمدني في السلطة يد واحدة؟

عبدالمنعم عثمان

فى لقاء تلفزيونى مع نائب رئيس مجلس السيادة ،  الفريق أول محمد حمدان دقلو ، كرر طلبه بأن تتوفر الثقة بين الطرفين العسكرى والمدنى وأن يكونوا يدا واحدة أمام أعداء الثورة . وهو طلب لابد أنه سيجد القبول من الطرف المدنى وكل أنصار الثورة المتفردة . ولكن ليصبح الأمر حقيقة لامراء فيها ، لابد من السؤال : كيف ؟!

وللاجابه لابد من مراجعة الأمور بكل جدية وحيادية وموضوعية منذ أنحياز قيادة الجيش والدعم السريع الى الثوار وحتى اليوم . الحقائق كما هى وبمعرفة الجميع :

–           انحازت قوى الدعم السريع فى خطوة مهمه وشجاعه وحاسمة الى قوى الثورة فى الوقت المناسب الذى جعل انتصارها ممكنا من غير الدخول فى احتمالات كثيرة لايعلمها الا الله .

–           انتهت محاولات القوى الأنقاذية فى الجيش لتمرير تمثيلية الأنحياز الى الثورة بتقديم الفريق أول البرهان كبديل لمن رفضته الثورة منذ اللحظات الأولى لوضوح ارتباطه العقدى والأسرى بالنظام السابق .

–           حدثت عدة محاولات انقلابية لم يتضح من وراءها بصورة قاطعة ، بماجعل الشكوك تتراكم حول اتجاه المجلس العسكرى الذى كان يتولى السلطة بالكامل ويتفاوض مع الممثلين السياسيين للثورة حول شكل السلطة الأنتقالية . وفى هذه المرحلة تزايدت الشكوك حول مواقف المجلس العسكرى ، وكان مايتسرب عن المواقف المختلفه داخله يثمن مواقف قائد الدعم السريع الذى يظهر انحيازا لمطالب الثورة .

–           حدثت عدة هجمات على المعتصمين أمام قيادة الجيش وتصدى لها بعض الضباط الشجعان مخالفين لأوامر القادة ، الذين من بينهم ، وبالأحرى على رأسهم ، المجلس العسكرى ممازاد الشكوك حول حقيقة موقفه .

–           وتأكدت الشكوك الى حد كبير فى تردد المجلس العسكرى حول بنود الأتفاق المطلوب من الثوار بواسطة ممثليهم من ” قحت “. خصوصا عندما كان الجميع فى انتظار نتائج ايجابية من اللقاء الأخير بين الطرفين ، فجاء الرد بفض الأعتصام بتلك الطريقة التى لاأجد الكلمات المناسبة للتعبير عن قسوتها وكارثيتها بالنتيجة . ثم ثبوت من قرر القيام بها بصوت وصورة الناطق الرسمى باسم المجلس العسكرى .

–           ماحدث بعد ذلك من مايعرف بالتفلتات الأمنيه من أطراف عسكرية تابعه لجهاز الأمن أو جهات عسكرية اخرى تتغالط فيما بينها عن من فعل الفعل المتفق على سوئه والنوايا من ورائه . وبالطبع فان المكون المدنى داخل السلطة وخارجها لايمكن ان يكون له دور فى تلك الأحداث فى الخرطوم وبورتسودان والجنينه وغيرها من بلدان سودان الثورة !

–           يقول قائد الدعم السريع ، ان المكون العسكرى لايرغب فى السلطة . غير ان الحقائق على الأرض تثبت فى كل يوم وساعة انه يمارسها بالفعل اكثر من مجلس الوزراء . الأدلة لاتحصى ولكن لمجرد التمثيل نذكر الدور الذى يلعبه المكون العسكرى فى توجيه وتسيير مفاوضات السلام . وما قام به الرئيس البرهان من عمل لايستطيع ان يقوم به رئيس الوزراء البريطانى ضد رغبة الشعب البريطانى فى الخروج من الأتحاد الأوروبى رقم ضآلة الفرق بين الذين يريدون الخروج والذين لايريدون ورغم امكانية التحجج بأن رغبة الشعب البريطانى فى الخروج قد تغيرت بمرور الوقت ووضوح المخاطر! فعلى الرغم من تصريح الفريق أول حميدتى ، بأن مجلس السيادة بمكونيه هو مجلس تشريفى ، الا أن رئيسه سمح لنفسه بالتفاوض لمدة شهرين او أكثر على أمر التطبيع مع اسرائيل من وراء الجميع، وقام بمقابلة نتنياهو ،  ثم رمى الأمر برمته للجهاز التنفيذى الذى هو مجلس الوزراء وكأنه رئيس جمهورية الصين أو ليبيا على عهد الزعيم القذافى !

o          ويطمئن قائد الدعم السريع جماهير الثورة بانه لن يحدث انقلاب وهم – كعسكريين – موجودون . وأنا أصدق ذلك تماما .فقد تكون هذه هى نقطة الألتقاء التى لا مراء فيها بين الطرفين العسكرى والمدنى . غير أن للأنقلاب تعريفات مختلفه . فهو ليسبالضرورة أن يحدث بالشكل التقليدى حيث يتم الأستيلاء على مواقع معروفة الأهمية ويتم التحفظ على قيادات السلطة ثم يذاع البيان الأول ! وهو أمر يعلم الجميع أنه تقريبا  من المستحيلات فى ظروف اليوم  . ولكن من الممكن التخطيط له بالصورة التى تظهره فى نهاية الأمر وكأنه تم برغبة الشعب ، وهو الأمر الذى بدأتدلائله فى الظهور بتتابع ملفت : مثل عدم الجدية فى انفاذ قانون تفكيك التمكين والمساهمة فى حل مشاكل المعيشة الضاغطة على البشر . وربما يكون لدى نائب الرئيس رد ، حيث قال فى لقاءئه بالقناة الفضائيه انهم ممنوعون من تقديم العون لحل هذه المشاكل . وهو قول قد يكون صحيحا على وجه من الوجوه التى يريدها فخامة الفريق، وذلك بأن يساهم مثلا بأنشاء افران أو بالتوزيع المباشر للرغيف أو حتى شراء سفن كاملة من الدقيق والبترول ..الخ ولكن هل يمكن ان يكون مثل هذا حلا مقبولا فى سودان الثورة .الحل فى تقدير وطلب الثورة هو فى ازالة التمكين الذى لايزال يسيطر على القمم الأقتصادية وارجاع الكثير من ممتلكات الشعب والدولة الى سلطة وزارة المالية ومؤسسات الدولة الأخرى المعنية ، فهل يقبل المكون العسكرى بهذا الطلب الطبيعى فى دولة يراد لها ان تكون دولة العدالة والحرية ؟! ومن الدلائل على التجهيز الذى يجرى على قدم وساق لأنجاز هذا الانقلاب السياسى ماقام ويقوم به وله رئيس المجلس بعد أن قفز الى الموقع الأول داخليا وخارجيا بعد لقاء نتنياهو وبدا تنفيذ التطبيع بمرور الطائرات الاسرائيلية فوق السماء السودانية قبل أن نرى موقع مجلس الوزراء – التنفيذى – من خطوة التطبيع التى انجزها السيد الرئيس !

وهكذا نرى أن مايطالب به قائد الدعم السريع من تكاتف بين المكونين بحيث يصبحا يد واحدة هو حديث لايقبله العقل المتابع لسير الأحداث ولا تؤيده الوقائع على الأرض. وقد مضى الزمان الذى كان الناس “يأكلون” مثل هذه السلع العاطفيه . واذا كان فخامة الفريق أول جادا فى مادعا اليه فالطريق اليه سهل وممكن :

  • أولا : العمل الجاد بالتكاتف مع حكومة ومنظمات الثورة على ازالة التمكين ، الذى وضح بالأدلة المادية ، وليس النظرية ، دوره فى اجهاض كل محاولات الحكومة وداعميها السياسيين فى حلحلة مشاكل المعيشة المباشرة . ذلك من مثل الدقيق والعجين المكتشف فى أماكن ” الزبالة ” التى يسعى الوالى والمنظمات المدنيه فى ازالتها والتانكرات التى تقوم بدفق البترول فى ارض الله الواسعة !
  • ثانيا : أنضمام كل التنظيمات العسكرية حقيقة الى قيادة الجيش السودانى الموحد جسما وعقيدة وارجاع المفصولين لأسباب سياسية من قبل النظام البائد .
  • اعادة كل أصول الدولة الى سلطة الدولة الممثلة فى مجلس الوزراء والوزارات والمؤسسات المدنيه الأخرى المعنية , وبهذا فقط يمكن الحديث عن مساهمة فى حل المشاكل الأقتصادية وبالتالى ضمان عدم حدوث انقلاب بالشكل التقليدى أو غير التقليدى !
  • ابتعاد المكون العسكري تماما عن العمل التنفيذى فى الدولة المعرَفة فى المواثيق المتفق عليها بين الجانبين بانها برلمانية ، وبالتالى فان مهام مجلس السيادة تكون فيها تشريفيه .
  • لقاء تفاكرى بين المكونين العسكرى والمدنى حول امكانية تطمين الجانب العسكرى على وجوده فى السلطة اثناء الفترة الأنتقاليه بالصورة التى تضمن المساءلة فى حدود القانون بالنسبة لبعض أفراده الذين قد يتهمون بالمشاركة فى بعض الأعمال أو الأجراءات بقصد اجهاض الثورة أو مساعدة الثورة المضادة . وبما اننى أرى ان هذه النقطة أساسيه فى امكانية علاقة صحية وحقيقية بين المكونين فسيكون من الضرورى التفاكر الجاد والممتد عبر كل اجزاء المكونات المدنيه والعسكرية لطرح الأفكار والمقترحات لأيجاد افضل المخارج لها .
  • هذه افكار أولية أثارها ماأدلى به فخامة الفريق أول ، نائب رئيس مجلس السيادة فى لقائه المذكور بالفضائية ، وأظن ماصدر عنه يعبر عن رغبة حقيقية فى تكاتف المكونين العسكرى والمدنى لعبور المرحلة الأنتقالية بسلام . وهى نفس رغبتى فى الوصول الى مايطلبه .ولكن من رأيي ان التمنى والرغبه لايكفيان وحدهما وانه لابد من وضع بعض النقاط على بعض الحروف الأساسية أن كنا حقا نريد ان نصل الى تحقيق هذه الأمنيات المشتركة .

عبدالمنعم عثمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..