أخبار السودان

خطاب حمدوك ومصاعب الحكم الانتقالي 

يوسف السندي
لا أدري ماهو السبب الذي يجعل السيد رئيس الوزراء يؤخر خطابا نوه له التلفزيون بانه مهم حتى بعد منتصف الليل ؟! والحقيقة هذه عادة بدأت منذ أيام المفاوضات بين قوى اعلان الحرية و التغيير والمجلس العسكري حيث يتم تأخير البيانات لأوقات متأخرة جدا ليلا ، فإذا تفهمنا التاخير بأن المفاوضات كانت السبب وان الطرفين لم يتفقا على الصيغة بسرعة ، فما الذي يؤخر خطاب السيد رئيس مجلس الوزراء!! اعتقد ان هذا التصرف ان لم تكن خلفه مبررات قوية فهو غير منطقي ، ومهدر لراحة الشعب ، ولا يراعي لحقيقة يعلمها الجميع ان معظم هذا الشعب يصحى مع ساعات الفجر الاولى ليبدأ مسيرة يومه في البحث عن لقمة حلال . 
الخطاب نفسه بدأ بطريقة غريبة، قبل أن يبدأ السيد رئيس مجلس الوزراء رسميا في تلاوة البيان الرسمي تحدث لثواني عديدة خارج إطار الخطاب بكلمات تؤكد انه لم يكن يدري انه على الهواء مباشرة وحملت كلماته هذه الكثير من علامات الاستفهام ، وما حدث بلا شك سقطة يتحمل مسؤوليتها الطاقم الإعلامي في مكتب الوزير والطاقم الإعلامي الذي قام بتصوير الخطاب .
رغم أن الخطاب كان قصيرا جدا ، إلا أنه حوى نقاطا مهمة اولها تكوين لجنة عليا برئاسة النائب العام للتحقيق في أحداث مليونية رد الجميل ، وهذا القرار مقروء مع بيان النيابة العامة عن الأحداث الذي صدر بالامس يؤكد بأن هناك ارادة عليا لدى الحكومة الانتقالية في التحقيق والمحاسبة واننا سنرى نتائج عاجلة في الوقت القريب ، وهو أمر مهم ومبشر حتى لا تتكرر أخطاء ما حدث إبان فترة المجلس العسكري من مجازر والتي لم يحقق فيها بطريقة عادلة وشفافة .
الدكتور حمدوك تحدث في خطابه عن مصاعب تواجه الحكومة ، ومن أهم النقاط التي أشار إليها قوله ( من أكبر المشاكل التي تواجهنا هي كيفية إعادة هيكلة وتطوير جهاز الدولة ليؤدي واجبه ) ، هذه النقطة حوت شرحا في المقام الأول للأسباب التي أدت للاحداث في المليونية، فالشرطة السودانية كما نعلم تعلمت وتدربت ٣٠ سنة على القمع والبطش والتنكيل بالمتظاهرين، وأصبحت هذه التصرفات جزء من طبيعتها وتركيبتها، ولذلك عملية إعادة هيكلة عقلية هذه الشرطة وتطوير مقدراتها نحو شرطة مهنية تتعامل بضبط نفس وتهتم بحماية المتظاهرين والممتلكات وليس الاعتداء عليهم ، تحتاج جهد وعمل لصياغة عقلية جديدة لدى كوادر الشرطة تنطلق من الإيمان بالحقوق المدنية للمواطن وقيمته وقيمة الحرية في التظاهر والتعبير ، وهي أشياء لا تفرض ولا تتنزل من عل بل يتم اكتسابها بالتدريب وشرح القوانين والعمل المستمر على اكتساب هذه المهارات .
ينسحب كذلك قول رئيس الوزراء حول مشاكل عدم الهيكلة على كل مفاصل الدولة ، فالحكومة الانتقالية حتى الآن لم تنجز ربع مشوار اعادة هيكلة الدولة ، إذ مازالت الولايات مثلا بلا ولاة مدنيين ، مازالت السفارات بلا سفراء ، مازالت معظم المؤسسات القومية في المركز والولايات بأيدي الدولة العميقة ، كما لم تكتمل بعد إعادة هيكلة القوات المسلحة وجهاز الأمن . كل هذا النقص الهيكلي يولد المشاكل ويحيل الدولة من جهاز منظم ومنضبط ومؤهل إلى جهاز مرتبك وفوضوي يخطو بلا تخطيط ولا دراسة .
سوء الهيكلة المتفشي في الدولة سيقود حتما إلى فشلها ، وهناك خطوات من شأنها أن تسرع من هذه الهيكلة لا يدري احد حتى الآن لماذا التلكوء فيها وتأجيلها وهي تعيين الولاة المدنيين وتشكيل المجلس التشريعي وتعيين المفوضيات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية وانتخاب النقابات ، انتظار السلام على أهميته ما كان يجب أن يؤخر هيكلة الدولة ومؤسساتها المدنية ، فالسلام نفسه حين يحدث لا ينتظر إعادة هيكلة الدولة بل يتطلب دولة جاهزة لتتعامل فورا مع الوضع الجديد في بناء السلام وتحويله من نصوص إلى واقع وما أصعب هذا العمل حتى على الهياكل المنسجمة والمنظمة فما بالك بصعوبته على جهاز حكومي غير مهيكل بالكامل وفاقد للتطوير .
مليونية رد الجميل رغم أحداثها المؤسفة إلا انها لفتت الجميع الى الثغرات المتعددة في جهاز الدولة ، ومن الجيد أن خطاب رئيس الوزراء أظهر ان الجهاز التنفيذي بالفعل يعي هذه الثغرات وأنها كما ذكر ( مصاعب تتطلب الصبر والمصابرة والتفهم ) و ( عدم استعجال النتائج ) .
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..