مقالات وآراء سياسية

د. حمدوك.. سياسي أم تكنوقراط؟

علي مالك عثمان

البيان الذي أذاعه د. حمدوك في الساعات المتأخرة من ليلة أمس، والذي أعلن فيه عن تكوين لجنة تحقيق برئاسة النائب العام، للتحقيق فيما صاحب تظاهرات “رد الجميل” من قمعٍ مفرط لقوات الشرطة ضد المتظاهرين السلميين، وإمهاله لتلك اللجنة فترة أسبوعٍ واحد فقط لرفع تقريرها، هذا البيان في تقديري ستعقبه – بعد مهلة الأسبوع – مطالبة من قِبَل د. حمدوك لوزير الداخلية والمكون العسكري بإقالة منسوبي الشرطة الذين ارتكبوا تلك الفظاعات، وذلك بعد توصية النائب العام. كما سيستغل الغضب المتأجج في النفوس حالياً تجاه الشرطة، وعدم رغبتها في التعاون معه، ليُوسِّع دائرة مطالبته للمكون العسكري بإقالة كل العناصر التي ثبت تقاعسها عن تنفيذ سياسات الجهاز التنفيذي وتطهيرها من كل الكوادر المحسوبة على الكيزان، أو تلك التي لا تؤمن بالتغيير الذي حدث في البلاد.. في حال رفض وزير الداخلية والمكون العسكري لتلك المطالبات يكون د. حمدوك قد وضعهما مكشوفيْن أمام الشارع، وأبرأ ذمته، أما في حال موافقتهما فسترتفع أسهم حمدوك في الشارع، وسيكون قد أرسى سابقة بإستجابة العسكر لمطالب ذات صبغة أمنية..

د. حمدوك إنْ فعل هذا فسيكون ذلك من قبيل التدابير المتعارف عليها في العمل السياسي، من حيث إستغلال اللحظة والظرف المناسبيْن لتنفيذ قرارات كبيرة، كانت النِّية مُبيَّتة للإعلان عنها، إلا أن الوقت المناسب والظروف لم تكن تسمح، وذلك لما قد يترتب عليها من تبعات كبيرة..

الشواهد التي تدل على تزعزع ثقة د. حمدوك في شراكته مع المكون العسكري، وعدم التعاون والتجانس فيما بينهما كثيرة، وقد فصَّلناها في بوستات سابقة لنا، ومن ذلك رفع صوته بالشكوى من عدم تبعية بنك السودان للجهاز التنفيذي، أو لجوئه للإستقواء بالأمم المتحدة في مواجهة العسكر عبر رسالته الشهيرة والمثيرة للجدل..

جولات د. حمدوك الخارجية والتي ركَّز فيها على الدول الأوروبية ودول الإتحاد الأفريقي، والتي إستغلَّ فيها علاقاته الشخصية التي صنعها عندما كان موظفاً أممياً لفترة طويلة، تُثْبِت أن للرجل باعاً طويلاً في السياسة، وفهماً لتأثير دول الإقليم في ما يحدث داخل السودان. وبالتالي في تقديري يُخطِيء كثيراً من يظن أن د. حمدوك مجرد رجل تنكوقراط ومنظمات دولية، ولا دراية له في الفهم السياسي لما يجري حوله، لأن رسالته الشهيرة للأمين العام للأمم المتحدة كانت في ظني نقلة بارعة منه في شطرنج السياسة الداخلية، وقراءة جيدة له لما يُحاك ضده من عملية إفشال ممنهجة يقوم بها العسكر ومن يقف خلفهم من دول الإقليم، وأثبتت أن الرجل ليس من طينة السُّذَّج الذين يمكن إستغفالهم بسهولة أو ضربهم على قفاهم..

عليه في تقديري أن مسيرة الثورة حالياً دخلت منعطفاً خطيراً، يستلزم من كل قُوىٰ الثورة الحية درجةً عالية جداً من الوعي السياسي، وفهماً مُتقدِّماً لطبيعة المؤامرات التي تحاك في الخفاء، وحشداً للجماهير خلف قيادة الثورة، ورسماً للخطط المقابلة والكفيلة بإفشال تلك المخططات وقَتْلها في مهدها.. وليحفظ الله السودان..

علي مالك عثمان

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..