مقالات سياسية

سقطت الإنقاذ أم تكررت التجربة! (1)

محمد التجاني عمر قش

هذه السلسلة من المقالات تهدف، بالدرجة الأولى، إلى تحليل بعض السمات المشتركة، أو إن شئت فقل هي محاولة لاستقراء العوامل المفضية إلى تلك الحلقة المفرغة، التي ظلت تدور فيها معظم تجاربنا السياسية، بلا طائل؛ إذ لم نتوصل، حتى الآن، لحل مستدام لمشاكلنا الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، منذ المهدية وحتى حكومة قحت الراهنة! فكل عهد جديد يكاد يمشي على خطى من سبقه، للأسف الشديد، وتبعاً لذلك نشهد مزيداً من التدهور والتراجع في كثير من المجالات والأوضاع. ونود أن نسلط الضوء على العوامل التي حالت دون توصل السودانيين إلى نظام حكم مستقر أو مشروع وطني جامع، يقوم على الثوابت الموروثة لهذا الشعب، ويستفيد من موارد البلاد ومصادرها الطبيعية وكوادرها البشرية وموقعها الجيوسياسي، بحيث يستلهم الماضي ويستشرف المستقبل؛ حتى يصلح الحاضر، وينهض بالأمة بعد انتشالها من وهدة التخلف والعوذ والتفرّق والاحتراب، ويخطو بها نحو رحاب التنمية والاستقرار وربما رغد العيش والرفاهية، إذا خلصت النوايا.

يقول الفيلسوف جورج سانتايانا: “إن الأمم التي تنسى ماضيها محكومٌ عليها بإعادته، فالتاريخ ليس مجرد إلمام بالحقائق والأحداث، بل هو وسيلة لبناء المعرفة البشرية التي تمّكن الإنسان من تحقيق فهم أفضل للعالم وما فيه من أشياء وتجارب متعددة، الأمر الذي يساعد على تجنب الأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة، من أجل أخذ كافة الإجراءات الوقائية التي تضمن عدم تكرارها”.

وفي هذا الصدد أود التنويه إلى أن هذه السلسلة تنطلق من مفهوم راسخ مفاده أن دراسة الوقائع وتحليل التجارب التاريخية والمعاصرة لا تعني فقط الاطلاع على ما مر على الناس من أحداث، بل تعني بالضرورة الوقوف مليّاً عند ذلك لأخذ العبر واستلهام العظات، والسعي الدؤوب للخروج بمعطيات من شأنها أن تفيد المجتمع في العصر الذي نعيش فيه ونتفاعل معه، أيّاً كان هذا العصر؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بوجهة نظر أو حالة وطنية تستدعي الوقوف على ما افضت إليه الحقب السياسية السابقة والمعاصرة، سلباً وإيجاباً، استلهاماً للقواسم المشتركة، وتفادياً للأخطاء التي نعتقد أنها أقعدت الوطن وخيبت آمال الشعب لما يزيد عن قرن من الزمن!

وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، لما كتبه الدكتور منصور خالد، في أكثر من مؤلف، حيث تناول إدمان الفشل المزري الذي لازم الحكومات الوطنية بعد الاستقلال. وأبان بشيء من التفصيل بعض أسباب الإخفاق الذي وقعت فيه النخب السودانية، بمختلف أحزابها ومدارسها الفكرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بما في ذلك الطائفية والأحزاب الأيدولوجية المعروفة والجماعات الجهوية، وما يسمى بالقوى الحديثة، والكيانات الفئوية وغيرها من العناصر الفاعلة في الساحة السياسية في السودان.

وبنظرة فاحصة، يمكن أن نجمل عوامل فشل التجارب والحقب السياسية، خلال الفترة التي نود تناولها، فيما يلي، على أن نعود لذلك بقدر من التفصيل عند الحديث عن كل حقبة على حدة. فمن اللافت للنظر هو غياب المشروع الوطني الاستراتيجي، وهذا مربط الفرس. ويضاف إلى ذلك انعدام القدوة، والمبالغة في حسن الظن بالنفس والأتباع دون تمحيص أو حرص على إسناد الأمر إلى أهله، مع إقصاء الآخرين، ممن يُظن أنهم مناوئون للفكرة أو التوجه، ويترتب على ذلك ضعف الأداء في الوظائف العامة والحرص على تولية المناصب وفقاً لمبدأ الولاء دون الكفاءة.

وقد شهدت معظم فترات الحكم في السودان، إن لم نقل كلها، صراعات داخلية إما بين مكونات الأحزاب والطوائف، مثلما حدث لحزب الأمة عند الصراع بين جناح الهادي وجناح الصادق، وما شهده المؤتمر الوطني الذي تشظى لأكثر من حزب منها المؤتمر الشعبي والإصلاح الآن ومنبر السلام العادل، وحدث ولا حرج عن الحركة الاتحادية بكل مكوناتها، وينطبق ذات الأمر على أحزاب اليسار بما فيها الشيوعي والبعث والناصري، وطال التشظي السياسي الحركات المتمردة والأحزاب الجهوية حتى صارت كلحم الرأس. وفي الحالات التي استولى فيها ضباط الجيش على الحكم بانقلابات عسكرية كانت الصراعات بين القيادات العليا، أو مجالس قيادة الثورة، هي سيدة الموقف.

وقبلاً، شهدت الثورة المهدية الصراع بين الخليفة عبد الله والأشراف وانقسم المجتمع السوداني على إثر ذلك إلى “أولاد البحر أو أولاد البلد والغرابة”!  وظل هذا الانقسام أحد أخطر مهددات الاستقرار السياسي في السودان؛ لما ينطوي عليه من مواقف جهوية بغيضة، ألقت بظلالها على كثير من المواقف التي أسهمت في تأزم الأوضاع في السودان؛ خاصة بعد ظهور التمرد في دارفور وجبال النوبة. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كل الأحزاب السودانية قد غذت هذه الروح؛ لتحقيق أجندة ضيقة، ففي عهد مايو تحالفت قوى اليمين فيما عرف بالجبهة الوطنية واستغلت عناصر من غرب السودان بقيادة محمد نور سعد لغزو الخرطوم! وفي شرق السودان سعى التجمع الديموقراطي في أسمرا لتحريك أبناء شرق السودان ضد حكومة الإنقاذ.

عموماً، هذا الحلقة هي بمثابة مقدمة أردنا من خلالها لفت الانتباه لضرورة الاستفادة من تجاربنا السابقة؛ لكي نصحح المسار، فالتاريخ يعيد نفسه أحياناً.
محمد التجاني عمر قش
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. قش راح ليه الدرب، ودر جماعتو وما عارف يلاقيهم وين! قال المشكلة من المهدية لغاية الحمدوكية نفس الشي!!

  2. قش راح ليه الدرب وودر جماعتو داير يفتش الماضي كان يلقى شبه نظامهم المباد! ونقول له ما فعله الأنجاس بالسودان وأهل السودان لا مثيل له في التاريخ، فهم مجرد عصبة لصوص وليسوا نظاما يقاس بأنظمة الحكم المعلومة!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..