الإضراب هو دون شك حق مستحق لكل العاملين سواء في القطاع الخاص أو العام ويصبح هو المصد الأخير الذي يلجا اليه المتظلمون متى ما استنفدوا كل الوسائل الممكنة والمتاحة لعرض قضاياهم سواء كانت تتعلق بمستحقاتهم الخاصة أو ترقية الجوانب المهنية للنهوض بالخدمات الموكلة اليهم تجاه المجتمع والدولة .
غير أن التمتع بحق اللجوء الى الإضرا ب ..لابد من أن يراعي فيه أصحاب هذا الحق الظروف الضاغطة للدولة والتي تنعكس بالضرورة أثارها السلبية على المواطن لا سيما في مثل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة التي جذبناها من بحر الظلمات مثلما يلتمس الغرقى الضفاف على راي شاعرنا الراحل محي الدين فارس طيب الله ثراه .
ولعل لجوء الإخوة سائقي الحافلات السفرية و شاحنات النقل بين الولايات وقبله توقف عمال السكة الحديد و لجوء بعض أصحاب المخابز للإغلاق وغير ذلك من الأمثلة ..فهو أمر رغم تفهم الدولة لدوافعه واضطرار اصحاب العلاقة اليه ..وعلى الرغم من عدم الإنتقاص من ذلك الحق إلا أن ممارسته بهذه الكثافة النوعية في المرحلة الحالية يعقد من المشهد العام المرتبك الصور والمتداخل المعضلات التي تستهدف مكتسبات الثورة التي يسعى أعداؤها الى تقويضها ركوبا على الذرائع الداعية الى تكاثر موجة الإضرابات والتي يمكن إحتواء دوافعها بالحلول بحيث تقوم على التفاكر بالروية والهدوء ..لا بالتصعيد الذي يضر بالمصلحة العامة تغليبا للخاصة عليها ..ولعل تجارب الماضي التي تشابهت من حيث المعطيات فيها من الدروس والمواعظ التي لابد من أخذها في الإعتبار للإستفادة منها في عدم جر البلاد الى إنزلاق الفترة الإنتقالية نحو الفشل أو ما يعقبها من الإستحقاق الديمقراطي المنشود حتى لا تتكرر مأساة فترة ما بعد إنتفاضة ابريل 85 و ما تلاها من الديمقراطية الثالثة التي سعى الى خلق الفوضى فيها أصحاب الغرض ذاتهم حتى يعطوا الإنطباع السيء مرة أخرى عن إخفاق إدارة الفترة الإنتقالية الحالية طالما أنهم خارج منظومتها مما يوفر عندهم سوء النية حيالها ..وهو أمر يتطلب اليقظة والحذر الشديدين من أجل أن نكون يداً واحدة خلف هذه السلطة المحاصرة بتحديات جمة من أجل العبور بالمرحلة الحرجة الى بر الأمان .
محمد عبد الله برقاوي
[email protected]
