مقالات سياسية

شئ عجيب جدًا .. جدًا!

عبدالمنعم عثمان

كتبت عدة مقالات عن عدم فهمى لما يحدث فى السودان عقب عودتى فى أعقاب الثورة المجيدة المتفردة . وفى بعضها حاولت ايجاد بعض المبررات المنطقية للبطئ فى اتخاذ القرارات أو أتخاذ قرارات فطيرة اوحتى خاطئه لعدة اسباب رايت انها موضوعية . ذلك مثل عمل الثورة المضادة ، او عدم الخبرة لدى بعض اطراف السلطة ، أو الشراكة الجبريه بين العسكر والمدنيين ..الخ . غير أنى لم أفهم ولااستطيع أن أفهم ماجاء ، مؤكدا بالوثائق ، بجريدة اليوم التالى . العنوان الرئيس للجريدة بالأمس:

(الفساد يتمدد .. أعفاء ” الفاخر ” من توريد حصائل صادرات الذهب ) ! – التعجب من عندى – ولمن لم يقرأ الجريدة بالأمس ولأهمية الأمر ، أنقل اليكم الجزء المهم من الخبر ( تحصلت اليوم التالى على معلومات جديدة حول الأتفاق الذى أبرمته وزارة الماليه مع شركة الفاخر للأعمال المتقدمة ، تفيد أن بنك السودان – ممثلا فى الأدارة العامة للأسواق المالية وأدارة الأحتياطيات والذهب – خاطب أحد البنوك التجارية معلنا السماح لشركة الفاخر بتصدير خمسة ملايين جرام من الذهب الخام ” خمسة أطنان ” بطريقة النل فاليو” Nil Value “، ممايعنى أعفاء الشركة من توريد حصائل صادراتها من الذهب بالكامل … علاوة على ذلك فقد أقدم البنك المركزى على توريد مبلغ ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون جنيه سودانى فى حساب شركة الفاخر يوم أمس الأول وبادرت الشركة على سحب معظم المبلغ على الفور .وتم ذلك فى أعقاب صرف مبلغ مليار ومائة وواحد وثمانين مليونا وستمائة وواحد وتسعين الف جنيه للفاخر ، مقابل مبلغ أثنى عشرة مليونا واثتان وتسعة وأربعين ألف دولار تم شراؤها من الفاخر بالسعر الموازى للدولار “96.5 ” جنيها فى 29 يناير الماضى . وتم تسديد المبلغ للشركة خصما على حساب المنحة الأماراتية بموافقة د. ابراعيم البدوى وزير المالية .

.. على صعيد متصل وضعت وزارة الطاقة والتعدين جدولا لواردات النفط الخاصة بالفاخر، حيث تم تكليف الشركة باستيراد 240 ألف طن من الجازولين و80 ألف طن من البنزين و30 ألف طن من غاز الطبخ خلال شهر مارس الحالى ..)

هذا الى جانب حديث عن توريدات أخرى لنفس الشركة من القمح . وقد تمت كل هذه التعاملات من دون طرح عطاءات وبمخالفات جسيمة لعدد من القوانين .

فى عدد من مقالاتى ومقالات آخرين تحدثنا عن السياسات التى تتبعها الوزارة فى عهد وزيرها ضمن حكومة الثورة وهو أمر طبيعى أن تختلف الآراء حول السياسات والتوجهات . وقد كان مجمل الرأى فى تلك المقالات يرفض سياسات الوزير على انها تسير وفق سياسات صندوق النقد الدولى التى ، فى رأينا ، تتناقض مع أهداف الثورة ، وأن نتائجها قد وضحت فى كثير من تجارب بلدا أخرى وخصوصا فى حالة السودان حيث فاقم مفعولها الفساد الذى ما انزل الله به من سلطان . ولكن يبدو أن سياسات الصندوق لابد أن ترتبط بالفساد ، وهو مايحدث الآن فى سودان الثورة وتحت سمع وبصر الثوار وجلس وزراء الثورة .

ولكيلا يقال اننا نلقى القول على عواهنه ،فأننا نورد بعض الحقائق من مقال للدكتور مزمل أبوالقاسم بنفس الجريدة حول الفساد الذى يؤكد بأن لدى جريدة اليوم التالى من الوثائق ما يؤكده الذى يرتبط بشركة الفاخر ومالكيها . يقول الكاتب انه فى ختام مؤتمر صحفى عقدته الشركة ، انه سأل رئيس مجلس أدارتها عن امتلاكه غالبية اسهم ثلاث شركات أخذت تمولات بمبالغ كبيرة من البنوك ثم اعلنت افلاسها ، فأجاب رئيس مجلس الآدارة بنعم . وبعد ذلك فجر الكاتب مفاجأته القائلة بأن أسمى رئيس مجلس ادارة الشركة ومديرها العام يوجدان فى قوائم الفيش والتشبيه !

الأشياء العجيبة فى هذا الأمر واضحه للعيان ولاتحتاج لتوضيح ولكنى من باب التساؤل الذى قد لايجد اجابة ، حيث أن الأمر اثير أكثر من مرة ولكن لاحياة لمن تنادى ، اورد الآتى :

التجاوزات التى حدثت مع شركة الفاخر تمس قضايا اقتصادية اساسية ذات اثر مباشر على حياة الناس وبالتالى على مصير الثورة وشعاراتها . فتصدير الذهب يرتبط بشكل مباشر بعائدات التصدير لسلعة جاهزة تساهم بشكل عاجل ومهم فى توفير النقد الأجنبى الذى يسعى وزير المالية لتحقيقه من خلال الخضوع لسياسات المؤسسات الدولية . والأغرب أن شركة الفاخر منحت الحق فى عدم توريد الحصائل وكأننا لانحتاجها . وقد يكون تبرير المالية ، الذى هو أقبح من المنح ، أن الحصائل ستستخدم فى استيراد البترول والقمح ، وهو مامنح لنفس الشركة بدون منافسة!

الا يعنى أختيار هذه الشركة ، المتهمة على الأقل برغم ماجاء فى المقال المشار اليه عن أفعال مالكيها، بأن وراء الأكمة ماوراءها من فساد حتى لو حدث فى عهد الأنقاذ لأعتبر من الكبائر؟!

هل يعقل أن الوثائق التى حصلت عليها التيار لم تصل الى علم رئيس الوزراء وغيره من المسئولين . واذا وصلت فكيف يعقل ان يتم السكوت عليها فى عهد يسعى الى محاربة الفساد ،الذى هو من سمات وأسباب الثورة ،ولتحقيق العدالة بين الناس ؟!

من الواضح أن ماحدث بعلم ، ان لم نقل بتواطؤ الوزير حسب المعلومات المؤكدة بوثائق التيار ، ومع ذلك فان المسالة عندى لاتنتهى عند الفساد الذى يمكن ان يعاقب فاعله ويوقف عند حد ، ولكن القضية تمتد الى التأثير السالب على عموم اقتصاد البلد والأثر السياسى لذلك . فمجرد شراء الدولة للدولار من السوق الموازى يؤكد مساهمة فاعلة فى ارتفاع سعر الدولار ويعطى تصريحا مجانيا للمتعاملين مع السوق الموازى ” الأسود “!

أين قحت والمهنيين والمليونيات الثائرة فى هذا الأمر الجلل والذى يقدح فى مصداقية شعارات الثورة وبالتالى زعزعة الأيمان بما يمكن أن تنجزه وتحققه رغم التضحيات التى كانت والتى ستكون؟!

وأخيرا ، فليست هذه هى العجيبة الوحيدة فى عهد الثورة ومن حكومة الثورة ومنظمات الثورة بدرجة تجعل جماعات العهد البائد يتبجحون بأقوال لم تكن لتتاح لولا هذه النماذج العجيبة . فقد سرد أحدهم عدد من أحداث ليؤكد تآكل رصيد حمدوك لدى الثوار ثم خلص الى ان ذلك لم يحدث بفعل الثورة المضادة أو الدولة العميقة ، وانما بفعل حلفاء حمدوك !
عبدالمنعم عثمان
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. نريد توضيح سريع من مجلس الوزراء وإقالة كل الوزراء الذين لا يشبهون الثورة معروفين لكن اقولهم وزير المالية-وزيرة الخارجية-وزير الزراعة وان امكن وزير الصناعة والاعلام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..