المخترعون: الدولة لا تأبه بنا ولا بإنتاجنا

* الإهمال

(لا أحد يهتم بنا أو بما نفعله. اختراعاتنا تدفن في ثرى الإهمال المتعمد). هكذا قال عدد من المخترعين الذين زاروا مقر الصحيفة. وبالإضافة للإهمال أو (التهميش) حسب تعبيرهم يشتكون من جملة قضايا تواجههم وتقعد بأنشطتهم رغم التوجيهات الرئاسية التي تصدر من حين لآخر للاهتمام بالبحث العلمي والمخترعات. في المساحة التالية نحاول تسليط الضوء على هذه القضية.

شكاوي كثيرة بثها عدد غفير من المخترعين السودانيين الذين حضروا الى مباني الصحيفة ذات نهار قائظ وهم مثقلون ببراءات اختراعاتهم وكانت تلك الشكاوي تدور حول اتهامهم للاتحاد العام للمخترعين السودانيين والدولة بتهميشهم حسب تعبيرهم وبصوت واحد قالوا(نحن بس دايرين نعرف اتحادنا التعبنا وجينا انتخبناهو ده مشى وين) و (ليه الحكومة ما دايره تهتم بينا؟)

ولفك تلك الطلاسم تحركت (الحقيقة) وفي مشوار بحثها عن الإجابات والوقوف على حقيقة الإشكالات التي تواجه المخترعين ودور اتحادهم العام. فالتقت بدءا احمد جعفر احمد مدير إدارة التخطيط بالاتحاد العام للمخترعين السودانيين والذي قال لـ(الحقيقة):

أضعنا العمر ونحن نبحث في دهاليز العلوم عن مخترعات جديدة تضاف لرصيد البلاد دون أن يولي جهدنا هذا أحد أولوية على مر الحكومات ومختلف العهود. عاصرت حكومة عبود ونميري والصادق والبشير كل تلك الحكومات يؤسفني أن أقول إنها حقا لم تهتم بالعالم السوداني ولم تضعه في اعتبارها، بل تركته في براثن الإهمال وأخصص أسفي هنا إهمالها للمخترع السوداني الذي ظل يبحث ويعمل بجهد مضن من أجل الاختراع ولا أحد يعير اختراعه الاهتمام المطلوب صحيح أنا مدير إدارة التخطيط في الاتحاد العام للمخترعين السودانيين لكن ما جدوي إدارتي وأنا مدير من منازلهم بحيث لم يزل اتحادنا اتحادا مع وقف التنفيذ ومن قبل أن نأتي الى الاتحاد منتخبين كنا نعمل بقوة من أجل تكوين جسم يسعى لتحسين من وضعية المخترع حتى يستطيع مباشرة العمل وأتينا بالاتحاد. وفي تحد منا للظروف عقدنا عدة لقاءات هنا وهناك وأقمنا الورش والسمنارات وأثمرت تلك الجهود عن توصيات أفضت بأن تبذل الدولة قصارى جهدها في رعاية المخترع فبالرغم من أن السيد رئيس الجمهورية وجه كافة أجهزة الدولة الرسمية من خلال خطابه الذي ألقاه في فعاليات الملتقى الدولي لرؤساء القضاء وخبراء القانون حول الملكية الفكرية الذي شهدت أروقة قاعة الصداقة فعالياته بتاريخ 4/أبريل 2008م على تهيئة البيئة الملائمة وتوفير المعينات وتذليل الصعاب التي تعترض طريق المبدعين وذلك من أجل أن يصبح مجموع ابتكاراتهم واختراعاتهم واقعا ملموسا.

لكن ها هو الأسف يحيط بكل الأمكنة لأن تلك الأجهزة الرسمية التي أوصاها الرئيس بالرعاية ما كلفت نفسها قط جهد أن ترعى المخترع أو تهتم به الاهتمام المنشود وبدل أن تأخذها في الحسبان ذهبت لتضرب بكل التوصيات عرض الحائط والمخترع يلوم الاتحاد والاتحاد لا حول له ولا قوة فهو ليس كاتحادات المحامين والأطباء……….الخ

لاحظ معي كيف صارت النصوص الشعرية والمؤلفات الأخرى أهم من الاختراع الصناعي حتى أن الدولة آخذة في اهتمامها بالمصنفات الأدبية وفي إهمالها للمخترع هذا ليس قدحا أو تقليلا من شأن المؤلفات الأدبية لا بل لنبين أن بجانبها هناك صناعة وهي مهمة بالنسبة لتطور الدولة وأنفع في المرحلة الحالية، لكن برغم الدفن والطمر لا زال المخترع السوداني باحترافه لممارسة تحدي الظروف المضنية ويخترع عند كل صباح جديد. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو الى متى يصرف النظر عن اعتبارية اتحاد المخترعين السودانيين(المهمش).

كما وصفه السيد مدير إدارة التخطيط الذي ما زال يتحدث (للحقيقة) ويضيف ليس من الحق أن نقول بإطلاق الإهمال لأن هناك اهتمام من السيد رئيس الجمهورية لكن العيب يكمن في الذين تقع على عاتقهم تنفيذ توجيهاته وحتى أؤكد ذلك أعود الى سابق حديثي المتعلق بتوجيه رئيس الجمهورية الذي جاء في المناسبة سالفة الذكر ليأتي من بعده الأستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية ويرعى المؤتمر الاول لتشجيع الاختراع والابتكار الصناعي تحت شعار تنمية لا تنقطع بتاريخ 23ــ28 مارس 2009م بقاعة الصداقة والذي جاء بعدد 46 توصية من ضمنها ( توفير الدعم الرسمي والسياسي والعيني لمجال الإبداع والابتكار ،ورعاية وتشجيع المخترعين ، وحث المؤسسات الاقليمية لتقوم بدورها تجاه المخترعين وتقديم المخترعات عن طريقها، وتوحيد الهيئات المعنية بالابتكار والاختراع في كيان واحد يسمى بهيئة الاختراع والابتكار السودانية أو اتحاد عام المخترعين السودانيين أو أي تسمية تطابق هذا المعنى وتصنيف المخترعات وتقسيمها الى أنواع مع التوثيق الكامل لها) لكن ما جدوى كل هذه التوصيات في ظل إصرار بعض المسئولين على إعاقة المخترع وذلك هو الأسف الأكبر فكيف للجهات المنوط بها الرعاية والدعم للاختراع أن تهدم وتدك؟

فكيف يبرز دور الاتحاد في ظل هذه الضبابية وللمخترع السوداني أن يعلم أننا مكبلون بحبال المسئولين!

وعبر(الحقيقة ) نرسل شكوانا الى السيد الرئيس والى نائبه حتى يعلموا أن كل توصيات الفعاليات وتوجيهاتهم ما وجدت التنفيذ حتى الآن وكل من يعيق خطى تطوير الوطن هو ليس جديرا بأن يتقلد وظيفة أيا كانت. والمسئولون عن اتحادنا هم لا يتمتعون بأدني درجات الحرص المتعلق بمصلحة الوطن العريض وإلا لما أهملوا المخترع الذي ظل يقتسم القرش ما بين أبنائه واختراعه. هذا بالنسبة للذين استطاعوا أن يتزوجوا لأن السواد الأعظم من( 3000 ) مخترع هو أعزب حرمتهم الظروف ببؤسها من نعمة الزواج وهناك جبال من الصعاب التي أقعدت بالكثيرين منهم ودفعت الكثيرين الى الهجرة خارج الوطن فحرموا البلاد من فخر عبارة (صنع في السودان) ومن بينهم المخترع السوداني(الفريجابي) الذي تعاقد مع شركة أوربية ومن ثم سجل براءة اختراعه ب(الفريجابي بمب) في حين أنه كان ينوي تسجيلها باسم(السودان بمب) وهذا الاختراع عبارة عن طلمبة تملأ برميل الماء في 45 ثانية من الزمن وإذا ما أردنا اتباع تلك الخطوات لهاجرنا الى دول وبعنا فيها اختراعاتنا لنرتاح لكن سيظل السؤال عالقا ماذا بعد الراحة طالما كانت بعيدة عن حضن الوطن وما معنى الراحة إذا ما تفيأ واحدنا ظلالها دون الآخرين المغلوبين على أمرهم ؟

وليس هناك ما يعترض طريق نهضتنا الصناعية سوي ضعيفي الأنفس والإرادة غير المؤهلين لإدارة العمل العام، وأريد أن أؤكد شيئا مهما من خلال حديثي للحقيقة وذلك للمعلومية وهي أن دول مثل الهند والباكستان وماليزيا وحتى الصين هي من مجموعة دول العالم الثالث التي استطاعت أن تنهض بنفسها صناعيا بصورة تقنية وفنية دقيقة خلال فترة زمنية وجيزة وذلك ما وضعها على قمة قائمة دول عالمنا الثالث الصناعية والكل يشاهد كيف أن منتجاتها الصناعية المولودة من اختراعاتهم باتت تغزو أسواق العالم ولم يتأتَّ لها إلا بعد اهتمامها الكبير بالمخترعين بتشجيعهم وتحفيزهم وحلحلة مشاكلهم ووضعهم في ظروف بيئية جيدة تتناسب والاختراع ومن ثم الوقوف الصلب وراء كل المخترعات بمختلف أنواعها وتحويلها الى منتجات صناعية في أرض الواقع. لكن نحن هنا في السودان مازال قصر النظر وضبابية الرؤية تحبسنا في سجون الاستيراد. وما يثير الضحك حقيقة هو أن هذا البلد برغم امتلاكه لموارد ضخمة لكنه لم يزل حتى الآن عاجزا عن صناعة إبر الخياطة ونحن من يصدر المواد الأولية لتك الدول التي أضحت صناعية باهتماماتها لنعود من جديد ونستوردها بأسعار باهظة وهذا ما يجعلني أتساءل دوما؛ ما الشيء الذي يمنع الحكومة من تطبيق شعار (نلبس من ما نصنع) الى أن يقول الشعار (حنفوق العالم أجمع) هل سنفوقه (بالطناش) والكلام والشعارات؟

* (150) نموذجا

ــ وأنا باسم المخترعين أؤكد استعدادنا التام للقيام بإنزال ذلك الشعار الذي بات مسجونا في عالم الخيال إلى أرض الواقع. كيف لا نستطيع ونحن من عرض من خلال المعرض المصاحب للمؤتمر الأول لتشجيع ورعاية الابتكار والاختراع أكثر من 150 نموذجا صناعيا وبراءة اختراع من المخترعات وقمنا بتجربتها في حضور الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ومن ضمن تلك المخترعات على سبيل الذكر وليس الحصرعرضنا طائرة تستطيع الطيران من دون طيار وجعلنا ماكينتها تدور ومن ثم تحلق في الآفاق بدائرة تحكم.

ماذا لو دعمت الدولة هذه الاختراعات وحولتها من شكلها الأولي الى الشكل النهائي لتنفع أهل السودان قبل أن تنفع المخترعين لأن الهدف هو ان تنفع السودان وإلا لنفدنا بجلدنا وهربنا من هول المعاناة بحثا عمن يحترم ما نخترعه ويساعدنا في عملية تحويله الى واقع يمشي بين الناس كما فعل الكثير وكما ذكرت في مطلع حديثي.

مازال مدير إدارة التخطيط يتحدث ويضيف نحن نعيش وسط أكوام من المهازل وعدم المسئولية وانتفاء المصداقية تجاه القضايا الوطنية والكثير منا يعطل المصلحة العامة من أجل مصالحه الخاصة وهذا ما أدى الى استشراء الزيف والغش في كل الأماكن.

* بطلان إجراءات

من حق المخترع أن يتساءل عن اتحاده ويتظلم لأنه تحرك من أجل الإتيان به لكن مع ذلك عليه أن يعلم أن اتحاده لم يبدأ العمل بعد لأنه ما زال سجين القرارات الباطلة ففي 3/يونيو/2009م انعقدت الجمعية العمومية الخاصة باتحاد المخترعين وذلك تحت إشراف مسجل التنظيمات بمفوضية العون الإنساني الأستاذة (بتول بادي) وتم فيها انتخاب المكتب التنفيذي للاتحاد العام للمخترعين السودانيين ومن تلك اللحظة كانت الآمال كبيرة في أن يشرع الاتحاد في تحقيق الأهداف المرجوة منه خاصة خلق بيئة تدعم المخترع حتى يستطيع أن يواصل في مشروع اختراعه لكن الآمال اصطدمت بوقائع لم تكن في الحسبان ففي 6/اغسطس/2009 فاجأنا السيد الصادق آدم مدير الإدارة العامة للمنظمات الوطنية بقرار رقم(2)/2009م والقاضي ببطلان إجراءات الجمعية العمومية للاتحاد وكذلك ببطلان كل الإجراءات المتعلقة ( بشهادة التسجيل وفتح الحساب والمكاتبات) هكذا بدأ السيد كباشي العدني محمد كباشي حديثه (للحقيقة) وأضاف: ولنقف معكم عند التناقض الذي صاحب قرار السيد المدير الخاص ببطلان إجراءات الجمعية العمومية قامت إدارته الموقرة في تاريخ 13/اغسطس باستلام مبلغ مالي وقدره 150جنيها من الاتحاد العام للمخترعين السودانيين عبارة عن رسوم إعادة تسجيل الاتحاد بإدارة المنظمات الوطنية (الإدارة التي تقرر البطلان اليوم وتأتي غدا وتأخذ القروش ممن قررت بطلان إجراءاته!!) فكيف نباشر أعمالنا ونحن لم نسجل بعد. وحتى لا نخيب ظن المخترعين تحركنا باستئناف الى السيد وزير الدولة بوزارة الشئون الإنسانية وعليه قرر شرعيتنا وأبطل بدوره قرار مدير إدارة المنظمات الوطنية وكادت المشكلة أن تُحَلّ لكن قام المدير من جديد ليعلن عدم شرعية الاتحاد الذي جاء بإشرافهم ومراقبتهم.

فكيف نخدم المخترع ونحن تسحقنا أرجل الانحياز وبصراحة أقول إن مدير إدارة المنظمات ربما يريد أن يتولى أمر الاتحاد آخرون ربما له علاقة بهم وهو يريدهم أن يظلوا في الاتحاد الى الأبد لذلك كسر الشرعية بقرارات ماحقة، فكيف للمخترع من اتحاد في ظل هذه الظروف المتعسفة؟

* أين ذهبت المئة ألف

لم يكتف الأستاذ علي عثمان محمد طه بالتوجيهات فقط من خلال رعايته للمؤتمر الأول للابتكار والاختراع بل أضاف عليها رعايته الخاصة لأفضل(10) مختراعات حتى تصمم بأسس علمية حديثة ومتقدمة ومن ثم طرحها في السوق، لكن حتى الآن لم تشمل تلك المخترعات بالرعاية ولا ندري إن كان سيادته وجه بذلك وأولئك تعاملوا مع المسألة كما تعاملوا مع كل القضايا الخاصة بالمخترعين أم ماذا؟

أضف الى ذلك إعلان البروفيسور (عدلان شمبول) رئيس لجنة التقييم والتحكيم عن جوائز مالية تصل الى 100ألف جنيه تمنح للفائزين الشيء الذي جعل المخترعين يلاحقوننا في كل مكان مطالبين بحقوقهم حسب إعلان البروفيسور ذلك باعتبار أننا المكتب التنفيذي الذي هم جاءوا به من خلال الجمعية العمومية التي رفضت بلا أسباب قانونية وبرغم الحالة المشوبة بعدم الشرعية واستجابة لإرادة أعضاء الاتحاد ذهبت الى وزارة الصحة باعتبارها المنظمة لذلك المؤتمر، وبت أسأل عن الجوائز وعندما أكثرت من السؤال طردوني من الوزارة ومنعوني الدخول إليها بتاتا وأصبح أفراد الأمن (الهدف) ما أن يروني إلا وطردوني وعندما استفسرتهم عن السبب قالوا( دي التعليمات الجاتنا كده) فكيف للمخترعين بحقوقهم في مثل هذه الأحوال، كيف؟

ومن بعد هذه الارتباكات يئست من وزارة الصناعة ومن ال(100) ألف جنيه وقلت محلك سر يا العدني) فتوجهت الى وزارة الشئون الإنسانية، ذلك من أجل حل مشاكل الاتحاد أولا باعتبار أن المنظمات الوطنية تتبع إليها، إلا أن السيد مدير مكتب الوزير تشرف بطردي وأبدى عدم رغبته في التعامل معي لتبقى الأسئلة هل من أهان أخاه الإنسان في شخصه سيحترم اختراعه والإجابة حتما لا يا السيد الرئيس(وده ما حراش لكن دي الحقيقة)

وكل ما نرجوه من السيد مفوض الشئون الإنسانية هو حل هذه المشكلة حتى ينفك قيد الاتحاد العام للمخترعين السودانيين وذلك من أجل البلد أولا ثم المخترع ثانيا.

عبدالله إسماعيل
صحيفة الحقيقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..