ما الذي دهانا .. أمن عجزنا صرنا أمة من لوحات تصويب ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
من الثورة المهدية ، اتخذ محمد جابر الأنصاري في ثمانينيات القرن الماضي نموذجاً لحركات تفلح في إزاحة ما لا تريد ،وبتضحيات جسام،وتعجز عن فعل ما تريد. الدوار الذي يصيب أي عاقل من ردود فعلنا على أزماتنا ،بعد ثورتنا المجيدة ، كاد أن يضعنا في موقف التصديق لذلك ، لولا عميق ثقة في أن الأمور إنما إلى انفراج.فقد صورَنا التعاطي مع راهننا ،بأننا ومن عجزنا أحلنا أنفسنا إلى أمة من لوحات تصويب في دروة الوطن. فالكل ، يصوب نحو الكل بلا هدى ولا كتاب منير.ونسي أنصار التغيير ، أن وضعنا الراهن ، ليس بالكامل حصاد ثورة كما ابتغينا ، إنما نتاج لتوازن القوى على الأرض ، بين عنفوان الثوار ، ومصالح النظام القديم بقواه الاقتصادية والعسكرية.وأن المطلوب هو النحت اليومي بالأظافر على الصخر ،ومعرفة الكل لدور يؤديه ، عوض استسهال الحديث النظري الذي لا طائل منه.وأن بقية من لم يتلوث من النظام القديم ، الذي كان يقف جائراً على أيام الثورة ، يدرك عجز نظامه ومستسلم لذلك ، عليه أن يرتفع إلى مستوى اللحظة الثورية ، ويعكف على تصحيح جملة ثوابته .فواقع الأخيرة اليوم ، إنكار للدور الذي لعبته الوحوش الذي قام نظامهم بتربيتها في بيته ، ليمكنها من الآخرين ، وقامت بالواجب سنين عددا .0 لكنها عندما جف الدم في عروق الأعداء ،لم تر بداً من نهش لحم مربيها ،فهي تعرف فقط مصالحها ، ولا تعرف الوطن ولا الأيديولوجيا. وما زالت موجودة ضمن توازن القوى. لذلك لم يكن غريباً أن يصرح سياسي ابتلي به الوطن في تاريخه الحديث مثل مبارك الفاضل عند تحالفه مع النظام نائباً لبكري حسن صالح في رئاسة الوزراء، ليبرر عجز وزارته وسقوطها ، ووزارة معتز بعدها ، بأن نفس الناس الذين حفروا لهم ، يحفرون لمعتز . ولم يقل القوى التي أعجزت من رآها النظام السابق خير ما في كنانتها.
نماذج لوحات التصويب كثيرة .ولم يسلم من وزر اللجوء إليها حتى كبار متخصصينا.فعند استبطاء التغيير ،جعلت الحركات المسلحة من قوى الثورة الأخرى لوحة تصويب لتفر إلى جوبا للحصول على مكاسب ، يكاد يجزم أهل دارفور ،أن قادتها لن يحققوها في غير ظروف الوطن هذه . وجعلت قوى الثورة من وزيرة الخارجية ثانية اللوحات . ولم يهدأ بال الثوار ، إلا بعد كشف الإعفاءات بالخارجية ، لتصير لوحة تصويب للجانب الآخر .
أما ضحية التجني الأكبر بلا منازع ، فقد كان السيد وزير المالية.فالاقتصاد كعب أخيل الوطن. وشاء قدره أن يكون في ثغرته. فالكل يدرك أن موازنة يقدمها وزير المالية ، وتجيزها الحكومة وبرلمانها ، يصبح منسوباً للحكومة بكامل تكوينها .ولكنها في ظل بحثنا عن جهة نصوب عليها لمداراة المشكلة ، أصبحت موازنته ، فأصبحت الحكومة التي يصوب نحها الجميع ، وحتى مثقفي الوطن للأسف ، مثل ما وصفها الوليد مادبو بمرافيت اليسار .عميلة لصندوق النقد الدولي. وصار كبار كتاب الاقتصاد لدينا ، يتجاهلون الحكومة بحمدوكها التي اجازت الموازنة ، يستهدفون وزير المالية ، فقط لأن رؤاه تخالف رؤاهم .وصاروا يتفننون في وضع للتصورات المتوسطة والبعيدة المدى ، ليحاسبوه على راهن الاقتصاد.!!؟ ولم أجد بين كتاب ثلاث تابعناهم في نقد اقتصاد النظام القديم ، إلا التجاني الطيب ناقداً منصفاً يقول للوزير أخطأت هنا وأبدعت هناك .وذهب هباني وحسين أحمد إلى تسفيه الوزير وخططه ، دون الاعتراف باختلاف الرؤى ، وحدود قدرات الحكومة المغلولة بالشراكة ، في مصادرة شركات الأمن والجيش والدعم السريع .. واعجب بالعودة لمبارك الفاضل في حديثه عن إهمال الحكومة للزراعة !! متناسياً أن الحكومة تكونت بعد تأسيس العروة الصيفية ، وأن الشتوية لم يحن وقت حصادها !!؟ وها هو منعم سليمان ينذر بالكارثة ، بعد أن تحول بين ليلة وضحاها . من مخبر صحفي له مصادره . أو مشروع صحفي استقصائي. على الأكثر. إلى محلل إقتصادي يصل بعد جهد جهيد . إلى نفس ما يقوله وزير المالية المستهدف من الجميع . فأي جنون هذا ؟
أما أزمتي الوقود والدقيق ،ثم تكوين الآلية العليا ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء. فقد أيقظت من صدمتها كل قوى النظام القديم . وكل عاجز عن فعل جديد من مناهضيه .فأصبح كلنا يصوب نحو كلنا!!؟ ونسخر من رئاسة حميدتي للآلية ونشمت في قحت.ونسخر عند اعتذاره وإسناد الرئاسة لحمدوك!!؟ونقول : أليس هو رئيس الوزراء الذي فشلت وزارته . فما الذي سيفعله في الآلية؟ كاننا لم نسمع قبلاً عن خلايا إدارة أزمات محددة من قبل.. لو سمعوا عن نتنياهو ووزارته الأمنية المصغرة في زمن الصواريخ لأدركوا.. وما التفجير إلا مسرحية لدى قوى النظام السابق وممن هم في المنزلة بين المنزلتين . وما عجز الحكومة التي هي آلية الثورة لتحقيق أهدافها يمكن استبدالها ، إلا عجز الثورة وقحت .
في كل هذا الركام المزكم للأنوف. يجب تحية العارفين الموقنين أن الوطن سيتجاوز أوج أزمته. وأولى الناس بالتحية من تمسكوا بثورتهم. ولكن أحقهم طراً 0، هو الصحفي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين. الذي يواصل دوره الثوري من خلال مهنته كصحفي استقصائي. ونختم بالقول لقوى الحرية والتغيير .0 لا مناص على المدى القريب ، من تنفيذ خطة الحكومة. لأنها ستكون الحل في المدى البعيد أيضاً. ولنذكر أن حمدوك في أول مؤتمر صحفي لدى وصوله قد سئل عن موقفه من الأيدولوجيا إشارة إلى خلفيته اليسارية كما اسلفنا في مقال سابق.أنها أصبحت في المقاعد الخلفية.ويجب تقديم الاعتذار لوزير المالية ، ليس لجودة برنامجه . بل لأنه تحمل عن الحكومة كل السهام . مؤمناً بالثورة وأهدافها.وظني أن الناس سيقدرون خطته عند إنفاذها دون وصاية.
معمر حسن محمد نور
[email protected]