مقالات وآراء

“كورونا” في السودان.. الشعب في “فتيل”

محمد جميل أحمد

فيما يرى السودانيون العالم من حولهم عبر شاشات التلفزة يواجه سيناريو مرعباً لكارثة محققة، جراء وباء كورونا الذي فتك بالآلاف في مختلف أنحاء العالم، لا يكاد أكثر السودانيين يكترثون لمعنى وخطورة هذا الوباء، ولا في كونه قريباً منهم وبأكثر مما يتصورون للأسف.

بطبيعة الحال، سنجد التخلف هو أكثر الأسباب التي ينعكس من خلالها الاستهزاء بذلك الوباء إلى الدرجة التي قد نصل فيها لتحقيق المثل السوداني المعروف (الشقي يشوف في نفسو)، وذلك حين لا ينفع الندم!.

معطيات كثيرة ستتكشف لنا فيما نحن نخوض سيناريوهات كابوسية في الأيام القادمة من جراء هذا الوباء الفتاك، وأغلب الظن أن ما سيكون سبباً للجناية إلى جانب التخلف، أو في الحقيقة أحد مظاهره؛ فكرتنا الطهورية التافهة عن ذاتنا الجماعية كسودانيين، التي عادة ما نتلبسها بفكرة أخرى تتصل باعتقاد مضلل، مفاده أن الله سيحمينا، فقط لأننا سودانيون!.

فحين لا يريد معظم السودانيين إدراك أن الوباء والفناء المحدق الذي سيجلبه للناس، يكمن تحديداً في البحث عن تلاحم الجماعات وبؤر التجمعات التي يوفر السودانيون ملاذاً مثالياً لها في عاداتهم ويومياتهم، فليس لأحد أن يتصور طبيعة الكوابيس الحقيقية التي سنتيقظ لها في الأيام المقبلة، لا سمح الله.

لقد كانت إشارة كافية؛ أن تكون الحالة الثانية لكورونا في السودان سببها شخص إسباني، وأن تكون إسبانيا هي البؤرة الأخطر في أوروبا والعالم بعد إيطاليا، لكن في تقديرنا أن وطأة اللامبالاة أكثر بكثير من حساسية اليقين بالخطر في اللحظة المناسبة بالنسبة للسودانيين.

لا شيء بعد اليوم في هذا العالم يمكنه أن يكون بعيداً، ما أن نرى له أخباراً في وسائط الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

بطبيعة الحال سينشط مستثمرو الجهل في مثل هذه الأزمات، لا سيما عبر المنابر المجانية التي تتيحها لهم منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والواتساب، وأول ما سيصدقه الضائعون في هذه الوسائط؛ دعايات وصفات دواء الشفاء من كورونا؛ إلى جانب ناشطين آخرين يستهزئون بوجود كورونا في السودان بطريقة أقل ما يقال عنها، إنها عديمة الأخلاق والضمير، وحالة عيانية بامتياز لما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي في نفوس أمثال هؤلاء المرضى من حب مزمن للظهور والشهرة على حساب تضليل الأبرياء والغافلين.

وعلى الرغم من أن الوسيلتين الأساسيتين: الحجر المنزلي، في حالة المكوث في المنزل، أو التزام سلوك “التباعد الاجتماعي” بأن يجعل الذي يخرج من بيته، للضرورة القصوى، مسافة تمتد إلى مترين أو متر ونصف بينه وبين أي شخص آخر في الخارج، قد تكونا فعاليتين إذا ما تم الالتزام بهما، إلا أننا سنرى أن هاتين الوسيلتين رغم سهولتهما ستجدان استجابات عصية لدى السودانيين، بحجج تستسهل الاكتراث بذلك الحجر، لغرابته عن طباع السودانيين مثلاً، وتستبعد التباعد الاجتماعي فقط؛ لأن كثيرين من الأغبياء لا يرون الخطر بالعين المجردة!.

هكذا ربما يتعين على الدولة السودانية من أجل إنقاذ الشعب من أوهامه أن تطلق قوات الدعم السريع بتعليمات رادعة من أجل تطبيق حظر التجول، إذا ما تعذر إقناع الناس بـ”أخوي وأخوك”!.

ذلك أن احتكار العنف وتسييله بجرعات معقلنة من طرف الدولة إذا اقتضت الضرورة في مثل هذه الأزمات، سيكون بمثابة آخر الدواء “الكي” في مناخ من التخلف جعل حتى فهم الدين وتعاليمه طريقاً للاستثمار في عذاب وموت الأبرياء، بعد أن عرف الجميع “كفاءة” النظام الصحي الذي خلَّفه لنا كيزان مشعوذون!

محمد جميل أحمد
نقلاً عن جريدة الحداثة

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..