أَوَ تُريد أن تسرق المعاشيين رأد الضُّحَى يا رعاك الله متحجِّجَاً بفيروس كورونا!

حسين أحمد حسين

مدخل

طيلة ثلاثين عاماً ونحن قد حددنا عدوَّنا وبدأنا في قتاله، ولم يصبنا بحمد اللهِ أيُّ مرض. وما أنْ جاءت حكومتنا المدنية؛ المشلولة بعسكر لجنة البشير الأمنية، وإسلاطُفيليات الفلول، وقحَّاتة الهبوط الناعم، وكاموفلاجات الإخوانويين المرجوسة في المالية والإعلام وغيرها، حتى بدأ يعترينا الألم والندم. … ولكنَّ عنقاءنا، يا هذا، ستنهضُ من رمادها في كلِّ وقتٍ وحين، حتى تبلغَ هذه الثورةُ منتهاها بإذن اللهِ الواحد الأحد.

حيثيات

1/ من أعجب ما قرأت بالأمس هو إعلان الصندوق الوطني  للمعاشات والتأمينات الاجتماعية عن “تأجيل صرف معاش شهر مارس في جميع منافذ الصرف المختلفة لموعد يحدد في أقرب مدى زمني … لإجراء التحوطات والترتيبات الصحية اللازمة في منافذ الصرف الخاصة بالمعاشيين والمستفيدين. و …. الخطوة تجئ إنفاذاً لسياسة الدولة الرامية للوقاية من انتشار فايروس كورونا وحفاظاً على صحة المعاشيين في القطاعين الحكومي والعام والخاص، معرباً عن ثقته في تفهم المعاشيين لهذه الخطوة”.

ومن وجهة نظري المتواضعة هذا الإجراء غير طبيعي ويخفي وراءه أمراً جلالاً على الحكومة ممثلة في لجنة تفكيك التمكين أن تتقصَّاه. ولندرك أنَّه غير طبيعي علينا أن نضاهيه بوحدات حكومية وأُخرى خاصة معنية بالتعامل شهرياً ويومياً مع الأموال على امتداد الوطن. فهل يعني ذلك أنَّ صرَّافي السودان سيؤجلون مواهي شهر مارس لكل العاملين بالدولة والقطاع الخاص والهيئات والمنظمات والبنوك وغيرهم، لتنظيف “شبابيك” الصَّرَّافين لأجلٍ غير مسمى للحد من انتشار فايروس كورونا؟ ماذا وراء الأكمة يا تُرى!

2/ لقد أشرنا مراراً وتكراراً أنَّ من أُولى الخطوات التي تجعل وزارة المالية والاقتصاد الوطني قيُّومة على المال العام، هِيَ أن تُمَرْكِز المال العام المبثوث عبر صناديق الفساد المسماة: صندوق دعم الولايات، صندوق دعم الشريعة، صندوق دعم الطلاب (الذي تجرأ أحد أعضائه المدعو النيَّل بالتبرع لغزة بـ 20 ألف دولار ذات تباهي)، الصندوق الوطني للمعاشات والتأمين الاجتماعي، وغيرها. فهذه بؤر فساد استحوذ عليها الإخوانويون لكي يتصرفوا في المال العام بعيداً عن عين وزارة المالية والاقتصاد الوطني.

3/ دعني أعطيك نموذجاً للفساد في صندوق دعم الولايات يا د. البدوي حتى نعود في مقال آخر لصندوق المعشات بالتفصيل. حينما كان د. تاج السر محجوب أميناً عاماً لهذا الصندوق، كان يأتيه علي عثمان محمد طه ويقول له: “أنا مسافر لولاية كذا مثلاً، والنَّاس هناك قد يتوقعونني أن أتبرع لهم، وبالتالي عليك تجهيز مبلغ 5 مليار جنيه حتى الصباح الباكر”. ويقوم د. تاج السر محجوب بأمر النائب الأول لرئيس الجمهورية الشفاهي بتجهيز المبلغ ويُعطيه له، ويظل بعد ذلك ينتظر النائب الأول أزمنة عديدة ليأتيه بالُأرنيك  المالي الذي يحوي أوجه الصرف، وما من جديد.

تكرر هذا المشهد ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة حينما جاء علي عثمان محمد طه يطلب ذات المبلغ قال له د. تاج السر محجوب: “لقينا ثلاثة مليار ونصف يا مولانا”، فيقول: “له لا بأس”. والشاهد أنَّ د. تاجر السر محجوب، والعهدة عنده، قد أحضر الـ 5 مليار جنيه، ولكنه أعطى علي عثمان 3.5 مليار جنيه، وأخذ 1.5 مليار جنيه لنفسه قائلاً لها “خربانة من كُبارة”.

ولما تكرر هذا المشهد عدة مرات، قام علي عثمان محمد طه بنقل د. تاج السر محجوب إلى موقع آخر، وقام بتعيين زوج أخته د. محمد إبراهيم أميناً عاماً للصندوق. ومن يومها صار زيتهم في بيتهم، ولا أحد يعلم على وجه التعيين كم أخذ على عثمان محمد طه من فلوس من صندوق دعم الولايات (ولنا عودة على فساد هذا الصندوق. لأنَّ مِمَّن حولك يا د. البدوي له مصلحة في عدم تفكيكه لأنَّ له أطراف حميمة تعمل هناك).

4/ فيا خبيرنا د. البدوي، دعك عنَّا نحن المتجاسرين على علم الاقتصاد الذي أنت خبيره ولا تثريب، فقط إتبع وصية صندوق النقد الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لك، التي حضتك على الإنفاق على الفقراء والعمال وحتى شرائح راس المال المنحازة للثورة. ولا تنسى أنَّ شريحة المعاشيين هي أضعف فئات المجتمع التي تتعاطى أموالاً من الدولة، وهي الأُولى الأكثر تأثراً بالتضخم والجائحات وفساد الفاسدين، لدرجة أنَّ البعض منهم يتسول النّاس في الطرقات؛  فلا تتركها يعبث بها الفلول في الصندوق ويستغلون معاشها فيما لا تُحمد عقباه.

خاتمة

فيا تجمع منهنيينا الوسيم، إنصحوا د. البدوي ليقم بمركزة أموال هذه الصناديق بالمالية، وتلقائياً ستجدون أنفسكم في غنىً عن رفع الدعم عن السلع من الأساس.

حسين أحمد حسين،
كاتب وباحث اقتصادي مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]