أخبار مختارة

حول إعلان رئيس القضاء بإضراب القضاة!!

سيف الدولة حمدناالله

لم تُخطئ رئيس القضاء في التصدي لعملية الاعتداء الذي حدث لقاضي مدينة الفاو، بل الواجب يُملي عليها أن تفعل ذلك، ونحن نقف بقوة مع إحترام القضاة والقضاء وعدم المساس بهيبة ووقار القاضي سواء كان ذلك في ديوان محكمته أو في سوق الخضار، بيد أن هناك ضوابط وقواعد تحكم معالجة حالات الاعتداء على القاضي أو الانتقاص من هيبته نوردها فيما يلي، ثم نقيس عليها ما ورد في بيان رئيس القضاء الذي إنتهى بإعلان تعطيل عمل المحاكم:

هناك تمييز بين الحالة التي يتم فيها الإعتداء على القاضي بصفته القضائية أو بسببها وبين الإعتداء عليه وهو يمارس حياته العادية كمواطن في المجتمع يبيع ويشتري وينتظم في الصفوف، وفي الحالة الأخيرة لا تنسحب صفة القاضي عليه لمجرد قيامه بالافصاح عنها بعد حدوث الواقعة التي جعلته طرفاً في نزاع لفظي أو بدني مع طرف آخر.

أنظر إلى تطبيق هذه المعاني في المعالجة التي إعتمدها القاضي حسن عيسى، قاضي جنايات الخرطوم جنوب (1981) في قضية كان طرفها القاضي المتدرب حينها عبدالرحيم التهامي (أصبح قاضي محكمة عليا فيما بعد)، وتتلخص وقائع تلك القضية في أن صاحب كشك للجرائد رفض بيع نسخة من إحدى الصحف للقاضي عبدالرحيم بدعوى أنها محجوزة لزبون آخر برغم معرفته الشخصية به وبكونه قاضٍ، رفض عبدالرحيم حجة البائع وألقى القبض عليه بواسطة شرطي، ومن ثم قام بفتح بلاغ جنائي في مواجهته تحت بند جريمة (رفض البيع).

في المحاكمة، إنتهى القاضي حسن عيسى إلى براءة صاحب كشك الجرائد إستناداً على بطلان إجراءات فتح البلاغ، وقال في بيان ذلك أنه كان على القاضي أن يتقدم بمظلمته بموجب عريضة شكوى أمام قاضٍ آخر ولا يتخذ الإجراء بنفسه، لأنه ليس هناك أي إعتبار لصفة الشاكي كونه قاضياً في هذا البلاغ لأنه لم يكن يمارس أي عمل رسمي بشرائه للجرائد. (يذكر أن عبدالرحيم كان يعمل في نفس المحكمة).

خطأ رئيس القضاء أنها تولت بنفسها سرد وتوصيف وقائع حادثة الاعتداء وإنتهت في ذلك بإصدار حكم بإدانة المعتدين قبل أن يسبق ذلك تحقيق وسماع الشهود والاطراف، وبما يجعل المرء يتساءل، كيف يمكن محاكمة هؤلاء المعتدين أمام القضاء بعد أن تمت إدانتهم بواسطة رأس السلطة القضائية وبعد أن إنتظم جميع القضاة الآخرين في إضراب تضامناً مع زميلهم المُعتدى عليه؟

بحسب تقديري، أن سبب إندفاع رئيس القضاء بمثل هذه المعالجة الخطيرة هو طبيعة وصفة المعتدين، لكونهم ينتسبون إلى قوات نظامية، بما جعلها تنظر للمسألة وكأنها معركة بين نفوذ وسلطة الجهتين، فلو أن الذين إعتدوا على القاضي كانوا عمال طلمبة الوقود أو مجموعة من أصحاب السيارات المصطفين مع القاضي، لتمت المعالجة في إطار القانون بتقديم شكوى من المعتدى عليه والقبض على المعتدين ومحاكمتهم طبقاً للقانون.

قد يكون الرد على معالجة رئيس القضاء بأن الجهة التي يتبع لها المعتدون قد رفضت تسليمهم أو تباطأت في ذلك، والرد على ذلك، أن هناك جهات أعلى من تلك الجهة تنتهي بالقائد العام للقوات المسلحة كان على رئيس القضاء مخاطبتها حتى يصح الصحيح قبل إتخاذ هذه الخطوة التي تسببت في أزمة قومية.

وأخيراً، الإضراب ليس من الوسائل الدستورية ولا القانونية التي يمكن أن يستخدمها القضاء كطريق لمعالجة قضايا الظلم التي يتعرض لها منتسبيه، والمرة التي حدث أن أعلن فيها القضاة الإضراب، كان ذلك للدفاع عن (وجود) كيان القضاء نفسه، ونتيجة لقيام حكومة النميري العسكرية في عام 1983 بفصل أعداد كبيرة من القضاة من بينهم أعضاء لجنة القضاة.

سيف الدولة حمدناالله

‫14 تعليقات

  1. اليس من المفترض أن السيدة رئيس القضاء كان من الافضل أن تعالج هذه المشكلة المتكررة وهي اعتداء القوات النظامية على المواطنين باصدار قانون يجرم ذلك ومحاكمتهم امام المحاكم المدنية

  2. اظن رئيسة القضاء تبني مجد لإسمها ( السيارات مثال ) . وبدليل انها ليست بنفس ” الهاشمية” وسرعة الرد مع القضايا الأخرى التي تخص الثورة والسياسة عموما . والسؤال الى ماذا ترمي او تخطط ؟ لا ادري ولكن اكيد “فيهو إن” …

  3. جزاك الله خير علي تثقيفك القانوني لنا . نحنا المواطنين ديل لينا الله هسه كان اعتدي علينا الجياشة في نفس موقف القاضي كان حقنا راااح .
    غايتووو القاضي كان جي يكب بنزين وعاوز يتجاوز الصفوف لانو قاضي وقفوهو الضباط واتشاجر معاهم ونوع انا قاضي مفروض يترقوا ولو حصل العكس يجب ترقية القاضي . وفي الحالتين نحن الشعب الضائعين ولينا الله .

  4. شكرا مولانا لهذا الشرح الوافي.
    السودان به مشكلة كبيرة جدا بأن أي نظامي شايف نفسه اكبر من الثاني في السلطة وذلك لعدم تدريب أو تثقيف أو تعليم هذه الفئة
    معظم القوات النظامية من زمن الكيزان شرطة، دعم سريع. قوات مسلحة حتي قوات الحيوانات البرية كلهم من غير تعليم أو تثقيف وكل واحد لا يعرف واجباته وحدوده.
    رئيسة القضاء أرادت بالاضراب أن توضح للجميع لا سلطة فوق القانون والقاضي له هيبته ومقامه رغم خطأ الاجراءات للدفاع عن القاضي
    ولكن اتمني من رئيسة القضاء أن تصحح الوضع ليس فقط للقضاء وانما لكافة الشعب لأن اعتداء القوات النظامية علي المواطنين أصبح عاديا لدرجة القتل العمد وما حادثة المرأة التي توفت بعربة الدعم السريع عمدا ورفض سلطات الدعم السريع تسليمه للنيابة!!

  5. بس نمسك عدم قانونية ودستورية التي استخدمها ريس القضاء يبقي عندو شنو من الوصف الوظيفي ليكون ريس قضاء افيدونا افادكم الله

  6. انا شخصياً كمواطن لو شفت قاضي ينضرب ويتذل ويتهان امامي ورئيس والقضاء ما يرجع هيبته ويجبر العساكر على الاعتذار والمحاسبك غايتو تاني ما بثق في القاضي يقدر يجيب لي حقي من الزول البظلمني لانه هو زاتو حقه ما لقاهو.
    عشان كدا الاضراب صااااح وعرفنا بانه القضاء لا يقبل الاهانة. واملنا زاد في قضاء العهد الجديد

  7. على أي مواطن بصرف النظر عن وصفه الوظيفي، يجب أن يحترم النظام لنربي جيلا ليرتقي في سلوكه الحضاري.مع الأخذ في الاعتبار الألوية للجنس للآخر LADIES FIRST

  8. سلام. ياريت لو دقوهم كلهم. فارين نفسهم فوق الناس عشان قاضي يركب فوقنا. واحد بتكلم معاه باحترام انو ادفع بالعمله الصعبه
    ماقانون انامقيم داخل السودان قال اشتريها اسود وادفعا للقضاء. زبد. في نى اتنهر زى الكلب عدم احترام لي مكانتو لو مامسكت نفسي كان كتلتو. مافاهم قانون العمله والتعامل مع البشر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..