هفوات الصحفيين وانفكاك الجبارة

“انفكاك الجبارة ” من عبارات العامية السودانية التي يفصّحها الدكتور عبد الله على إبراهيم في أسلوب عرف به وهو إدخال مفردة أو عبارة عامية في متن نص دون أن يشعر القارئ بالانتفال إلى مستوى لغوي آخر. تنفك الجبارة وهي الدعامة والسند عندما يتداعى المرء أمام موقف عصيب يتطلب رباطة الجأش والشجاعة فانفكاك الجبارة يقود إلى الولولة والفزع. استخدمها الدكتور في كلمة رصينة مسجلة بالصوت والصورة ذاعت في وسائل الميديا الحديثة مؤخرا تناول فيها أمثلة من الخطاب السائد في وسائل الإعلام من حيث الشكل واللغة المستخدمة من خصوم الثورة وحتى من بعض ممن يعتبروا من مناصريها ممن انفكت جبارتهم هلعا.
كان مدخل الكلمة هو نوع اللغة التي استخدمها بعض الناس، ومن بينهم أقلام معروفة ممن يسودون الصحف منذ زمن طويل ويعتبرون من الأقلام الراسخة في الصحافة ولم يترووا في انتظار ما تعلنه السلطات عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء – وهو عمل غير مسبوق – ولكنهم سارعوا للجزم بأن ذلك عمل مفتعل ومدبر من قبل أنصار الحكومة لاستعادة شعبية زعموا انها قد تلاشت ومضى البعض في النيل من رئيس الوزراء في شخصه وترددت عبارات فسلة من نوع ” لماذا يغتال وماذا فعل حتى يغتال” أو ” الضرب على الميت حرام” أو ” ما الكلام عن الاغتيال إلا محاولة من جانب الدكتور حمدوك لإضافة عنصر جديد في سيرته الذاتية علّ ذلك يعينه على الحصول على وظيفة دولية مرموقة” فيما زعمت صحفية معروفة. ورئيس الوزراء – إن كان عبد الله حمدوك أو غيره – ليس معصوما من النقد ومهمة الصحافة هي النقد بعشم الإصلاح للأفراد والمؤسسات والتجربة الديمقراطية الوليدة وليس وأدها كما أسهمت الأقلام من قبل في واد التجربة الديمقراطية الأخيرة. والوأد يكون بنوع اللغة المستخدمة والتركيز على غير المهم والخلط المتعمد او غير المقصود بين النقد والافتراء واغتيال الشخصية. تهيأت لدكتور حمدوك ظروف وضعته في دور المخلّص والمنقذ وهي مسؤولية تنوء عن حملها الجبال مما جعل البعض يستبطئ الإصلاح ظنا منه أن هذا الرجل الذي جيء به منقذا يحمل عصا سحرية لتغيير الواقع بضربة واحدة. أما خصوم الثورة فيحاربون فيه الرمز لأنه هو الوجه المدني المنشود لغد أفضل والبديل لصفحة انطوت. بدت رحلة التشكيك في الرجل وقدراته والتشكيك في تأهيله وما حصل عليه من شهادات عليا وهل هي في الزراعة أم الاقتصاد أم الإدارة، ولم تسلم طريقة لبسه وضحكته وطريقته في الكلام وكل سكناته وحركاته من النقد حتى أن صحفيا مرموقا وصفه ذات مرة بإنه “لا يفهم في الإدارة أو الاقتصاد ولا يعرف لبس البدلة أو لف العمة” هذا النوع من اللغة والمستوى في النقد هو الذي سآء دكتور عبد الله على إبراهيم سماعه وحذر من أن يؤدي بالديمقراطية المستعادة.
وما أن خمد غبار ما أثير حول محاولة الاغتيال حتى تفجرت أزمة فيروس كرونا والمؤتمر الصحفي لوزير الصحة. ومرة أخرى بدأت حملة التشكيك واللغة غير المناسبة في حق الوزير والنقد غير الموضوعي لشخص الوزير وليس لأداء وزارته فسمعنا وقرأنا لصحفيين كبار عبارات من نوع عبارة الطاهر التوم ” أكرم ناشط وما بعرف يشتغل” أو حسين خوجلي” إن الله ابتلانا بدكتور أكرم” وضياء الدين بلال ” د. أكرم مسيس وغير مؤسس ومثير للقلق”. وطفق البعض في تحليل شخصيته وأنه ” ولد مدلّع” لأن “أمه كانت وزيرة وأبوه كان وزيرا” أو أنه “وحيد أبوه ومتربي وسط بنات” مما لم نره أو نسمع به في صحافة أي بلد في العالم! ولقد سكب مداد غزير في خرجته غير الموفقة في المؤتمر الصحفي عندما قارن بين وباء الكرونا والوباء الذي تخلص السودان منه ممثلا في رأس النظام السابق فوصفه البعض بالأشتر، والأهبل، أو الأهوج والأحمق وغيرها من الصفات على وزن اسمه.
تناول هفوات السياسيين في أجهزة الإعلام معروف في الأنظمة الديمقراطية. أمامي كتاب للصحفي الفرنسي الاستقصائي المعروف ميشيل كولون يشتمل على مئة اقتباس من أسوأ ما قال الرؤساء الأمريكيون ن منذ الحرب العالمية الثانية على عهد الرئيس هاري ترومان مرورا بنيكسون وريغان وبوش وأوباما حتى دونالد ترامب. وكتبت مجلدات في “البوشيات” وهي العبارات او التصريحات غير المألوفة المنسوبة لبوش الابن – وليس للسيدة ولاء البوشي وزيرة الشباب والرياضة – التي يتعرض البعض لها بالنقد بسبب وبلا سبب، حيث يسميها بعضهم “بت البوشي” تقليلا من شأنها متناسين أن في ذلك قلة ذوق في حقها وحق جميع النساء. وإن كان للسياسيين هفواتهم فللصحفيين أيضا هفواتهم وما سقطة ” يا شذاذ الآفاقّ” ببعيدة عن الأذهان.
قد لا يعرف الكثير من شباب الثورة الدور الهدّام الذي لعبته الصحافة المنفلتة في إعاقة أداء الحكومة في الفترة الديمقراطية الثالثة والإساءة للأفراد والمؤسسات والرموز والابتزاز بدعوى الحرية ولقد كان لألوان حسين خوجلي و”الوطن” لسيد احمد خليفة و”السياسة: لخالد فرح القدح المعلّى في هذا الجانب. ربما صار من الضروري الانتباه للغة الخطاب في هذا الزمان الذي انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي زادت من مساحة الديمقراطية والتعبير عن الرأي، ولكنها زادت أيضا في الانفلات في اللغة والتعبير مما أدى إلى تداخلها مع الصحافة التقليدية مكتوبة، مسموعة كانت أو مرئية.
وفي الختام نذكر بفكرة ناصعة للدكتور عبد الله على إبراهيم جاءت في الرسالة المذكورة أعلاه ان من أراد ان يكتب في الشأن العام عليه أن يتخير من الألفاظ ما هو مناسب للتعبير عن الفكرة ويتجنب الفسل من القول وفي اللغة متسع، وأن يكف عن الوعظ وتقديم النصح والإرشاد بأن افعلوا هذا واتركوا ذاك وعلى صاحب الرأي أن يشيع فكرته في الناس، ولعمري لقد ظل الدكتور عبد الله على إبراهيم يشيع فكره بين الناس منذ ثورة أكتوبر بمثابرة وإصرار شديدين أكثر من أي شخص آخر من أترابه من جيل أكتوبر.
د. أسامه عثمان
…
“من أراد ان يكتب في الشأن العام عليه أن يتخير من الألفاظ ما هو مناسب للتعبير عن الفكرة ويتجنب الفسل من القول وفي اللغة متسع، وأن يكف عن الوعظ وتقديم النصح والإرشاد بأن افعلوا هذا واتركوا ذاك وعلى صاحب الرأي أن يشيع فكرته في الناس ”
– نتفق مع هذا المبدأ الموضوعي .
– صحافة الغفلة ، يسقي زرعها هتيفة ، شعب كل حكومة ، طلقاء الله وحده القادر عليهم .
(الطاهر التوم ” أكرم ناشط وما بعرف يشتغل” أو حسين خوجلي” إن الله ابتلانا بدكتور أكرم” وضياء الدين بلال ” د. أكرم مسيس وغير مؤسس ومثير للقلق”) والله احترمت مقالك أيها الكاتب فقد أوردت أمثلة لصحافيي العهر والغفلة بيد نسيت جاموسهم الأكبر الطيب مصطفى فهم ممن دلقوا حبرا مسموما ضد من اصطفتهم ثورة السودان الفتية للقيادة في هذه المرحلة الحرجة. فحمدوك أعرفه معرفة شخصية فهو رجل في غاية الوقار والأدب وهذا شأن العلماء طبعا كأخيه أكرم وزر الصحة والوزيرة البوشي ولا أعرف كليهما .. ولكن يقيني أنهم لم يتدنسوا بالمال الحرام ولا إهانة الشعب السوداني فهم ليسوا بمستجدي نعمة ولا طالبي مغنم يعنى بالواضح أولاد عز تجشموا مشاق الانتقال بالسودان إلى ما بعد الإنقاذ..التي أحالت البلاد إلى لا دولة حيث الفوضى والفساد يضربان بأطنابهما فضلا عن تحرش العسكر للانقضاض.. الشعب يعرفهم ولا شعارات الحرية والسلام والعدالة لاقتص منهم ومن غيرهم ولكن احتراما لدولة القانون المبتغاة لم يصبهم سوء هل كان بشيرهم المعتوه بتلك القيافة ؟؟ لا يجدون شيئا له علاقة بالعمل فيتردون للسافل من القول مضى الزمن الذى يقيم فيه الشخص بلباسه فالمطلوب فقط الاستجابة للتحدي في بلد كالسودان.. وإذا لم ينتقدهم هؤلاء فيعنى أنهم في ضلال مبين. دعوا الكلاب تنبح فهي تخشى على أذنابها