
ساءني حد البكاء الإنتقاد اللاذع الذي صوبه الشاعر محمد طه القدال للقصيدة التي كتبها الشاعر بشرى البطانة والتي تغنى بها الشاب المبدع أحمد أمين، والتي تصور أحداث ليلة فض الإعتصام، حيث لم يذر القدال سهماً من كنانته إلا و صوبه على تلك اللوحة الرائعة (حتى تكسرت النصال على النصال).
و أكاد لا أصدق أن هذا الكلام صادر من شاعر كبير، لقد قتلت يا رجل كل معاني الوطنية و أطفأت جذوة تلك الكلمات الحنينة التي تجعل الدموع تنهمر من العيون و هي تتذكر ما حدث في تلك الليلة الكالحة السواد.
ولم يستثن القدال صوت المغني الذي سكب في الكلمات حزناً نبيلاً جعلها تمشي جريحةً بين المعتصمين، صوت مرهف حزين يعبر عن مشاعر الأمهات اللائي فقدن فلذات أكبادهن غدراً وغيلة في فجر يوم كان سيكون لهن عيداً، ولا يتورع من وصفه بصوت (سخلات الماعز)!!!
وأكاد لا أصدق يا قدال أنك أنت الذي تحاول أن تذبح هذه القصيدة من الوريد الى الوريد
أكاد لا أصدق يا قدال أنك أنت الذي يحاول أن يهيل التراب على أغنية هي أيقونة من أيقونات الثورة، بل تحاول وأدها بقسوة لا تليق بشاعر.
أكاد لا أصدق يا قدال أنك أنت الذي تكاد تبصق على الصوت الباكي لذاك المغني الحزين.
أكاد لا أصدق يا قدال أنك من يسخر من إستدعاء الشاعر لصوت (حميد) بذلك الشوق الشفيف ليوثق معه لأسوأ ليلة في تأريخ السودان الحديث التي لم نسمع لك عنها كلمة.
وأكاد أجزم يا قدال أن أن حميد لو سمع هذه النص الباكي وهذا الغناء الحزين لغرق في دموعه تأثراً و انفعالاً.
و أكاد يا قدال أن أتهمك بأنك تريد إحتكار حميد لنفسك دون سواك، وهو شاعر كل الأمة، أحياءاً و أمواتا، و تستكثر على البشرى أن يقيم أي علاقة معه، لمجرد أنك صديقه الذي لا تريد أن يشاركك فيه أحد، وأظن أنه لا يليق بك أن (تزايد أو تزاود) على الناس بإسمه.
وهنا أرجو منك أن تقارن قولك في رثاء حميد: (يا حميد أخوي قوم شوف الخلوق محنانة)، و قول البشرى: (أريتو كان حميد شديد)، أين عمق العاطفة عندك يا قدال و أين سمو الأشواق لحميد مقارنة مع أحاسيس البشرى؟
أنت تأمره أن (يقوم) من مرقده ليرى الخلوق محنانة، والبشرى يتمنى في أسى لو كان حميد عايش مع المعتصمين ليعبر عن مأساتهم التي يُلَمح البشرى لعجزه عن ذلك فيستنجد بحميد.
أنت تأمره بفظاظة يا قدال والبشرى يتمناه في لوعة.
أن تريده أن يرى محنة الخلوق فقط، والبشرى يتمناه أن يكتب عن مأساتهم، ويا لبعد المسافة بين الأمر والتمني، و يا لهول الفرق بين الأمر بالفرجة (قوم شوف) و الأسى على الغياب ( يا ريتو لو حميد شديد)، أنت تقول (حميد أخوي) محتكراً اياه لنفسك في أنانية واضحة، والبشرى يقول (حميد) مجردة ليسبغ عليه صفة العموم لأنه ابن كل الشعب.
البشرى يقول أن حميد لو كان موجوداً كان سيهز سيف النصر، ويمد يده للكنداكة ويملأ أرض وسماء الإعتصام بالشعر حتى (تترع).، فهل هذا لا يصف موقف حميد بلوحة في غاية الصدق والبهاء و الإجلال؟، و هل كان حميد سيستنكف هذا الوصف لشجاعته برفع سيف النصر، و مروءته و نخوته وهو يمد يده للكنداكة، ثم تماهيه مع المأساة بأن يغمر الفضاء بروائع شعره واصفاً لتلك الليلة السوداء؟؟
ثم تقول يا قدال أن كلمات القصيدة (مايعة) و منكسرة بل أنك تسخر في أسلوب غير لائق بالقول أنها من نوع (ووب علي ،،، و كر علي) التي ترردها الحبوبات!!
نعم يا قدال لو لم تكن الكلمات بهذا الإنكسار لفقدت معناها،، أتدري لماذا؟؟؟ لأنها كلمات تعبر عن حالة من الغدر الذي يأتيك ممن كنت تظن أنه سيحميك.
لم تكن هنالك معركة حتى ينسج الشاعر على منوال( كرري تحدث عن رجال) ، أو( وروني العدو و اقعدوا فراجة) أو (دخلوها وصقيرا حام)، ليستثير الحماسة في القلوب ولكنها كلمات كتبت على بركة من الدماء التي أريقت في غدر ودناءة وخسة، لم تترك وراءها شيئا غير البكاء و الحزن والدموع.
و أنت الشاعر يا قدال الذي يعرف أن فحول الشعراء قد انكسروا وهم يبكون أطلال الأحبة، فهل تستكثر ذلك على من فقد فلذات أكباده ليس بسبب الترحال الذي يرجى من بعده وصال، ولكن بسبب الرحيل الذي لا وصال ولا لقاء بعده.
تستنكر يا قدال عبارة (هجمونا والبنوت نيام) وتستدر عطف (البنوت) وتصفهن بأنهن ما كنا نائمات بل كن يداوين ويطبخن وينظفن، وتقول أن البشرى قد انتقص من أقدارهن بقوله (نيام)، ولكن البشري يصر على قوله وهو نوم من التعب والجهد طوال الليل و ما تلك (النومة) إلا فجراً بعد سهر طويل و مضني في أداء واجبهن وما هي إلا إستراحة محارب ليوم جديد من التضحية والفداء، فأي شرف يليق ب(البنوت) أكثر من ذلك؟!!!!
و ما العيب في كلمة (هجمونا) أو (فجعونا)؟ ألا تصور بشفافية و صدق لحظة الغدر والطعن المفاجئة التي أتت من الخلف؟؟، وهل عندك كلمة رديفة لنستبدلها بها؟
و غريب أمرك يا قدال عندما تقول أن (تهمونا بالبنقو الحشيش) هي إثبات لتهمة أكثر من نفيها! ما هو منطقك في ذلك يا قدال؟؟ و هل الشاعر بهذا القدر من الغباء ليقول ذلك؟
ثم تواصل السخرية المُرة بقولك أن (مديلتو زهرة و تمرتين) تسقط بالقصيدة الى درك سحيق، لأنها تعبر عن ذلة وخنوع، ونسيت أو تناسيت أن هذا تجسيد لسلمية الثورة التي عبر عنها الشاعر بتلك الزهرة، أما التمرتان فهما تعبير رائع عن الكرم و الايثار، بالضبط لتجسيد (عندك خت ما عندك شيل)، التي رد عليها ذلك الجندي الغادر بمئة طلقة ، أليس هذا ما كان يجب علينا فهمه؟
ثم تقسو يا قدال حد الفجور و أنت تنتقد وداع الشهيد لأمه طالباً منها الإحتساب والصبر وأن تقرئ الترس السلام، وتلك رمزية للتمسك بالثورة، و تكتب على قبره (مدنية حرية وسلام)،، إن الشهيد بهذا الطلب يجعل الثورة حية حتى عند أهل القبور، هل فاتك هذا يا قدال؟؟؟
أما اللحن والصوت الحزين مثل صوت ناي، فقد جعل من الأغنية أيقونة حية تنزف دماً و هي تمشي بين الناس وستظل كذلك مادام هنالك وطن أسمه السودان، ولا أدري إن رأيت أو لم تر دموع الناس أجمعين عندما صدح ذاك المغني بهذه (المناحة) التي تخلد أسوأ مأساة في تاريخ السودان الحديث.
ولا تقف عند ذلك الحد من إنتقاص قدر القصيدة، و مرةً أخرى تستجدي عطف الامهات وتقول أنهن لن يمنعن أبناءهن من الذهاب لساحة الإعتصام، وإلا أصبحن أمهات ضعيفات ولا يشبهن نساء السودان الجسورات، والبشرى يقول أنه مهما كانت الأم شجاعة فإنها دوماً تخاف على أبنائها، ويتصورأن تلك الأم قد دفعت بكل أبنائها لساحة الإعتصام و منعت أصغرهم ليعينها على صروف الدهر أن استشهد الكبار، و لكن رغم ذلك (زاغ) الصغير متسللاً للساحة حتى لا يفوته شرف الجهاد.
يا قدال أنت شاعر كبير ، نحبك ونحترمك، ولكني لا أجدك موفقاً فيما كتبته عن هذه القصيدة، و أطنك بل أنا متأكد بأنك تعلم جيداً أن هذه القصيدة من شعر (المناحة ) الذي يقال بعد وقوع المصيبة و الذي لن يكون صادقاً أن لم تكن كلماته حزينة منكسرة منهزمة، ونعف عن كلمة (مايعة).
إن هذه القصيدة يا قدال ستحفظها الذاكرة السودانية الى (يوم يبعثون)، وستخلد على مر التاريخ و هي في مصاف قصائد أزهري وحميد و محجوب شريف.
و ختاماً أرجو ألا يكون فيما كتبت شيئ من غيرة وليس نقداً أميناً. لك محبتي وتقديري.
علي العبيد
[email protected]
علي العبيد والله عفيت منك…
صدقت فيما ذهبت اليه وبصراحة القدال لو كان شاعرا وطنياعليه الاعتزار لصاحب القصيدة وان اخذته العيزة بالاثم فليذهب الى الجحيم..
لا أقول الا لعن الله الحسد
لازال الناس غير مصدقين كيف جادت قريحة شاعر القصيدة بهذا الوصف الذي جسد ماساة فض الاعتصام وسلمية الثورة في نص واحد وخلال ساعات من وقوع المجزرة
انا أكيد ان القصيدة كانت وستظل ملهمة وكانت الشعلة التي ارجعت الثورة إلى مسارها الصحيح وانتشلت الناس من حالة اليأس بعد مجزرة فض الاعتصام.
شاعرنا القدال المجال مفتوح أمامك ولا اراك قدمت شيئا بمستوى ثورة الشباب وأراك على بعد سنوات ضوئية من شاعرنا ازهري
غيرة ابداع لا اكثر ولا اقل ومحاولة احتكار الابداع ليقدل له هو فقط!!
ياسلام عليك ياأستاذ على العبيد .. كنت اتمنى أن تكون إشادتى بسفرك هذا على معرفة بك من قبل ولكن دعها هكذا .. !!
وللحقيقة كنت مستغربا ومتسائلا منذ قراءتى لماكتبه القدال ( ياربى القدال مالو ..؟؟ ) ولو كان ماقرأته تحت ذلك الأسم الضخم قد كان على أيام النظام المقبور لقلت أن شخصاً قد إنتحل إسم شاعرنا الفذ عليه اللعنه ذلك الشخص المنتحل وعلى أيامه السوداء .. ولكن ربما لكل جواد كبوة أو قد يكون أستاذ القدال لا أقول غيرةً على البشرى – حاشا لله – ولكن ربما غيرةً قال ( هو بشرى ده كان وين لامن الناس كانت فى السجون .. !! ) ومع ذلك ولو انه قد رمى او قصد ذلك .. فليته قد نأى عن هذا النص بالذات .
القدال انتقد الشاعر و الكلمات و اللحن و الفنان فلم يبق له الا ان ينتقد الجمهور المعجب بالقصيدة.
ان الحسد هو اخطر مرض يعاني منه الشعب السوداني يستوي في ذلك الشعراء و العامة.
الناس ميتين من الجوع ومن غلاء الاسعار وانعدام الادوية وقطوعات الكهرباء وانعدام المواصلات وانتو ماسكين لي في شطر ميت.
كلام لا يقدم ولا يؤخر.
التحية للأخ العبيد على هذا المقال الرصين عن هذه القصيدة العظيمة للشاعر البشرى، وتمتد التحية للفنان الرائع لحناً وأداءً. لا شك أنك قدمت قراءة نقدية جميلة للقصيدة ومراميها الظاهرة والخفية. أيضاً لومك للشاعر الكبير القدال لانتقاده للقصيدة ولشاعر القصيدة ولمغني القصيدة/المناحة فإنه مفهوم ومبرر.
ولكن، علينا التماس العذر لشاعر كبير بقامة القدال صحاب العطاء الممتد على مدى عقـود، وأن نعتبر ما حدث لا يعدو أن يكون كبوة جواد، (وخلق الإنسان ضعيفا). ينبغي أن تكون الرؤية شمولية لكل صاحب عطاء ممتد، نظرة تغطي كامل المرحلة، لنتبيّن مدى صدقه وصموده على مبادئه. أعتقد أن القدال وأزهري والمرحوم محجوب شريف والمرحوم حميد مع بقية السلسلة الذهبية في ميادين النضال والإنحياز مع الشعب والصمود أمام جبروت الأنظمة الشمولية والتعرض للاعتقال والحرمان يستحقون منا جميعاً تعظيم سلام وكلمة وفاء إحقاقاً للحق.
التحيـة..
التحية للأخ العبيد على هذا المقال الرصين عن هذه القصيدة العظيمة للشاعر البشرى، وتمتد التحية للفنان الرائع لحناً وأداءً. لا شك أنك قدمت قراءة نقدية جميلة للقصيدة ومراميها الظاهرة والخفية. أيضاً لومك للشاعر الكبير القدال لانتقاده للقصيدة ولشاعر القصيدة ولمغني القصيدة/المناحة، فإنه مفهوم ومبرر.
ولكن، علينا التماس العذر لشاعر كبير بقامة القدال صحاب العطاء الممتد على مدى عقـود، وأن نعتبر ما حدث لا يعدو أن يكون كبوة جواد، (وخلق الإنسان ضعيفا). ينبغي أن تكون الرؤية شمولية لكل صاحب عطاء ممتد، نظرة تغطي كامل المرحلة، لنتبيّن مدى صدقه وصموده على مبادئه. أعتقد أن القدال وأزهري والمرحوم محجوب شريف والمرحوم حميد مع بقية السلسلة الذهبية في ميادين النضال والإنحياز مع الشعب والصمود أمام جبروت الأنظمة الشمولية والتعرض للاعتقال والحرمان يستحقون منا جميعاً تعظيم سلام وكلمة وفاء إحقاقاً للحق.
التحيـة..
“لقد قتلت يا رجل كل معاني الوطنية و أطفأت جذوة تلك الكلمات الحنينة التي تجعل الدموع تنهمر من العيون و هي تتذكر ما حدث في تلك الليلة الكالحة السواد.”
تحية استاذ العبيد،
لو لم تكتب غير هذه العبارة لكفت ووفت. لقد عبرت هذه العبارة عن جموع الشعب السوداني الذي بكى شيبه وشبابه رجالا ونساء بكاء مرا عند سماع اقصيدة بصوت الفنان احمد أمين.
حقيقة وأناأقرأ ما لوث به القدال تاريخ من نضال الشعراء كنت اعيد النظر مرات ومرات في سم كاتب المقال؛ هل هو الشاعر الذي احتفينا به؟
ولكنها الغيرة.
هل نحتاج لمن يجعلنا نبكي ونغرق في الدموع ام نحتاج الي من يبرز صلابتنا حتي في الاوقات الصعبة حتي تتعمق ثقتنا في نفسنا ونمضي الي الامام نعمل علي صنع المستقبل الذي نرجوه. الاستغراق في الدموع لا يغير الواقع.
لماذا لم يتحدث البشري عن ثبات وصمود الشهيد عباس في الترس وصمود مطر وجسارة كشة وبقية العقد الفريد.
الميل الي الحزن وتوسل التعاطف وتمثل دور الضحية جزء من الشخصية السودانية.
القدال رغب في عكس الجانب البطولي للثوار وماثرتهم لنتزود بالطاقة الايجابية التي تعين علي تغيير الواقع وصنع المستقبل المنشود، وعلي عكس ذلك، ركن البشري الي ميل الشخصية السودانية للاستغراق في حالة الضعف المستدرة للدموع والذي يورث حالة لا تعين علي النهوض ولا الفعل الايجابي.
كوزونا