مقالات سياسية

بالكورونا :الرأسمالية تنهى الدنيا وليس التاريخ! 

عبدالمنعم عثمان 

عند سقوط الاتحاد السوفيتى والمعسكر ” الأشتراكى ” ابتهج الغرب ابتهاجا جعل فوكوياما يخرج كتابه الموسوم ب ” نهاية التاريخ “، وكان يعنى نهاية التاريخ بانتصار النظام الرأسمالى الذى أثبت تفوقه بشكل نهائى . وبالتالى لم يعد هناك مجال للحديث عن نظام شيوعى يخلفه ، على رأى نظرية ماركس المعروفة . فبعد مقدمة طويلة حول تطورات المجتمعات الأوروبية فى القرنين التاسع عشر والعشرين ، حيث عمت الحضارة الغربية كل العالم على أساس النظام الرأسمالى والديموقراطية البرجوازية . ونتيجة الصراع بين النظامين الرأسمالى والأشتراكى ، التى كانت بسقوط الحكومات الأستبدادية فى أوروبا وامريكا اللاتينية وآسيا ، يصل فوكوياما الى الخلاصة التالية :( يبدو ان ايديولوجياالديوقراطية هزمت الأيديولوجيا الشيوعية والشمولية، ولم يعد يقف فى طريقها قوة اخرى، الا انه يمكن استثناء الأسلام مبدئيا كأيديولوجيا عقائدية وسياسية بمبادئ اخلاقية \ اجتماعية) . وقد ناقشت أفكار فوكوياما ضمن كتابى ” هل للماركسية مستقبل ؟” بتقصيل لايسمح المجال بايراده كجزء من هذا المقال ، الذى يركز بشكل اساسى على ان الرأسماليه فى طورها هذا الذى سماه الدكتور سمير امين ب” مرحلة التوحش ” ، انما تعبر عن مظهر من مظاهر نهايتها الحتمية . 

فمن الناحية الايديولوجية الماركسية فان الراسمالية ، مثلها مثل ما سبقها من المجنمعات ، تخلف ماسبقها من مجتمع عندما يصل مرحلة يكون لابد فيها من  حل التناقض بين علاقات الانتاح القديمة وقوى الأنتاج المتطورة للوصول الى مجتمع جديد . وبالطبع فان المجتمع الجديد تظهر فيه معالم تقدم عما سبقه . وكما ذكرنا فى مقدمة مقال سابق ، فان الراسمالية حظيت بمعالم متقدمة جدا عما سبقها ، مثل التطور الهائل فى قوى الأنتاج وبالتالى فى حجم الأنتاج وكذلك توسع الاسواق مكان انغلاقها فى العهد الأقطاعى وتكون الأمم بشكلها الحالى. غير ان كل مظاهر التقدم هذه لاتمنعها من الوصول الى مرحلة التناقض المذكور الذى لابد لحله حن ظهور مجتمع جديد !  

ومن ناحية أخرى فان الصين ، المتحولة الى نظام راسمالى للوصول عن طريقه الى المجتمع الاستراكى ، على حد نظرية ماركس فى تجلياتها الأولى وكما يرى بعض ماركسيي اليوم ، او بشكل نهائى الى الرأسمالية، كما يرى آخرون ، تستفيد من ظروف خاصة بوضعها الداخلى وبعض الأوضاع الخارجية المواتية فى صراعها على الأولوية مع النظام الأمريكى العجوز ، تتلخص فى التالى : 

  • هى الآن تمر بطور المظاهر المتقدمة من النظام الرأسمالى ، بينما مصارعتها تعيش أزمات النهاية ! 
  • استفادت من البناء القاعدى فى طور اعداد قواعد التطور الأشتراكى من بنية أساسية ( صناعات ثقيلة وخدمات اساسية ) وانسان مدرب وقادر على الأنجاز ..الخ . وهو امر قد ثبت دوره فى التنمية فى كل البلدان ” الأشتراكية ” المتحولة . 
  • العدد الكبيرمن السكان المنضبطين بادارة الحزب الواحد . 
  • العلاقات المختلفة مع أقطار العالم الثالث من خلال الأدعاء بالأنتماء اليها وعدم وجود ماض استعمارى يحد من مدى تلك العلاقات . 

هذا الوضع للبلدين المتصارعين على القمة ، اضافة الى وجود شخص مثل الرئيس ترامب بصفاته الذاتية ، اضافة الى تمثيله المباشر للطبقة الراسمالية العليا ، وبالتالى شعوره الذاتى بمرارة فقدان المركز الأول ، جعل الصراع بينهما ياخذ هذا الطابع من العنف ، الذى ستكون نتيجته موت الحشيش ، كما يقول المثل الأفريقى ! 

نخلص من كل هذا الى الوضع الخطير الحالى الذى يهم العالم باجمعه ، والذى أظهرته بشكل كامل الجلاء ، قضية فيروس الكرونا : 

  • العالم المندهش يشاهد مباراة تنس الطاولة بين المتصارعين وهما يتقاذفان كرة الأتهامات فى ايهما الفاعل ، دون انكار من كليهما بان الأمر حدث بفعل فاعل من احدهما وليس بفعل الطبيعة . 
  • لم يثبت حتى الآن بشكل قاطع ان كان مايقتل الناس بالآلاف فى جميع انحاء العالم ، بمافيهم شعبى المتصارعين ، هو فيروس الكورونا المستجد أم غازسارين ، أم ما أدلى به طرف علمى ثالث من ان سبب مايحدث هو الآثار الكهرومغناطيسية لمخترعات تكنولوجيا المعلومات والأتصالات ؟! 
  • توقفت الحياة بشكلها المعروف فى كل انحاء العالم بما اثر ويؤثر على الأقتصاد العالمي بشكل كارثى : البورصات نعلن هبوطا كبيرا ومستمرا فى اسعار اسهمها ، وأسعار البترول تتدنى بشكل غير مسبوق لفائدة بعض الدول ولخراب بعض آخر ، وهو مايؤشر لتغييرات حادة فى الأوضاع الاقتصادية لدول العالم من ماقد يكون نذيرا لحروب أو حرب عالمية . 
  • المصيبة الكبرى التى اعلنت على الملأ بشكل لايقبل الشك ، هو أن الخطورة على العالم لم تعد فى مخزون الاسلحة النووية ، التى يمكن التحكم فى استخدامها بدرجة ما كما أثبتت فترة الحرب الباردة ، وانما فى مخزون وتجارب الحرب البيولوجية والكيميائية ، التى يمكن ان تخرج عن السيطرة بأخطاء صغيرة لبشر عاديين او حتى لحيوانات وحشرات التجارب ! 

واخيرا فان الجشع الرأسمالى فى شكله المتوحش او الطفيلى هو السبب الرئيس فى مايحدث للبشرية وقد وضح ذلك بصورة أساسية لدول وأفراد من داخل مجموعة النظام الرأسمالى , فهاهى ايطاليا تشهد العالم على موقف الدول الراسمالية فى جوارها والمرتبطين معها بميثاق الأتحاد الأوروبى وحلف الناتو ، والولايات المتحدة ، رأس الرمح فى النظام الراسمالى وفى قوات دفاعه ، مقابل موقف الصين المحسوبة على الأشتراكية وكوبا . وهذه ألمانيا ، ممثلة النجاح الراسمالى فى أوروبا ، وهى تكشف أنانية الممثلة الكبرى للنظام ، التى حاولت أحتكار علاج علمت ان عالما المانيا قد توصل اليه ، استمرارا لنهج التوحش الذى اصبح ديدنا للولايات المتحدة فى مرحلة غروب نجمها ! 

ولكن .. ولأن لكل كارثة جانبها المضيئ ،فسيكون من مايدعو الى التفاؤل والدافع الى نشاط خير يوازن شرور شياطين الأنس والجن ، كما كانت سنة الحياة دائما وستكون أبدا ، ان نذكر بعض هذه الجوانب التى تنبه اليها الكثيرون مما يدل على أن الخير باق مابقيت الحياة : 

  • من الجوانب المضيئة ، أن العالم قد بدأ بالفعل واثناء النضال المرير لدرأ آثار المصيبة ، استبيان هذه الجوانب ومنها ضرورة البحث عن نظام اقتصادى\ اجتماعى يحفظ العدالة لكل البشر ويضمن درجة عالية من التعاون فى امهات القضايا التى تؤثر على الكل ، مثل قضية المناخ والقضية التى نحن بصددها. 
  • التفكير فى أن الحياة بشكلها الراسمالى ، الذى يجعل الربح محركا لكل شئ ، لم تعد بجاذبيتها ومعانيها التى كانت . وقد تحدث الكثيرون بهذا المعنى ، فذكر بعضهم أن ووهان وغيرها من المدن التى توقفت فيها بعض انشطة الحياة ، قد تحسنت البيئة فيها ةاصبح الناس يرون السماء ومافيها من نجوم وقمر ..الخ .وقال آخرون ان دفئ الأسرة والنظر فى احوالها ومشاركة افرادها انشطتهم المختلفة قد عادت من جديد. 
  • التوصل الى أن القوة المادية لاتضمن للفرد ولاللجماعة ولا للدول تفوقا مستمرا على الآخرين ، وان عدوا صغيرا لايرى بالعين المجردة قد يقلب الموازين رأسا على عقب. فالعدو الذى لم يتم التاكد من نوعه  بعد ، لم يفرق بين دول عظيمة وأخرى بائسة ولابين رئيس وزراء وملك وشخص لايجد سريرا ينام عليه ! 
  • لقد اوجدت الكورونا افضل فرصة ومناخ لتكوين حركة عالمية جارفة للوقوف ضد الحرب بجميع اشكالها وخصوصا العمل الجاد لتدمير كل المخزون من مواد الحروب ومنع التجارب للحرب الجرثومية والكميائية وغيرها مما قد يوجده التطور التقنى . وقد يستدعى ذلك النظر فى اعادة تكوين وتشكيل المؤسسات والمنظمات العالمية التى تؤثر فى نوعية القرارات التى تتخذ بصدد القضايا العالمية المؤثرة بحيث لاتكون محتكرة للكبار كماهو الوضع الآن بمجلس الأمن والأمم المتحدة وتوابعها مثل منظمة الصحة العالمية التى تواجه اتهاما ربما بالمشاركة فى تضليل الرأى العام والمؤسسات المالية التى تاتمر تماما بأمر الغرب وخصوصا الولايات المتحدة .وذلك لخلق نظام جديد لاتكون فيه العدالة وقفا على من يملك .
    عبدالمنعم عثمان
    [email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..