معضلة السياسة السودانية وضعف الروح الوطنية

مدخل ” أورد الصديق منصور عبدالرازق عن إشكالية الوطنية (إن البعض يصر على وجود تعارض بين الانتماء للوطن والانتماء للإسلام “السياسي” !!! رغم أن فكرة الانتماء إلى وطن هي فكرة أكثر شمولية خاصة في الدول ذات الديانات والعقائد المتعددة ،،،فكرة الوطنية في السودان تم إهدار دمها وتوزيعه بين قبائل الايدولوجى والطائفي والدين أو التدين الكاذب فلا ربحنا الدين ولا كسبنا الوطن”!
انتماء السودانيون وحبهم لأرض آبائهم وبذلهم الغالي والنفيس لإصلاحها وتعميرها و التضحية بالأرواح فداء للسودان يوضح مدى الوطنية الصادقة ودليل لأسمى معاني الانتماء والولاء، و معارك الشعب السوداني ضد الغازي أو المستعمر بدأت منذ عهد قديم وكمثال فقط اتفاقية البقط في 651م مع القائد عبدالله ابن أبي السرح مبعوث القائد عمرو بن العاص والخليفة عثمان بن عفان، و حروب الشعب السوداني ضد “وكلاء” الدولة العثمانية أي الأتراك و ضد الانجليز.
بعد تحرير السودان من المستعمر الانجليزي في 1956م، كان من المفترض استمرار غرس حب الوطن بصورة عفوية في العقول والصدور ابتدأ من البيت و الخلاوي القرانية والمدارس ومن خلال إشراك المواطن بصورة أو بأخرى في الهم الوطني والتعمير.
الذي حدث هو أن الأحزاب السياسية التي أوجدت حين وبعد الاستعمار الانجليزي حاولت جعل حب الوطن يمر عبر الانتماء إليها، واستطاعت الأحزاب التقليدية الاتكاءة على العاطفة الدينية للشعب السوداني والولاء لشيخ الطائفة الدينية لتحول ذلك الرصيد الاجتماعي لتبعية سياسية، فأصبح غالب شمال السودان وشرقه يتبعان طائفيا و سياسيا للأحزاب الاتحادية المنادية بالوحدة مع دولة مصر، وأصبح غالب غرب السودان ووسطه يتبع لطائفة المهدية و لحزب الأمة باعتبارها المناطق التي انتشرت فيها الفكرة المهدية (1843م-1885م) وانتصر فيها أتباع محمد أحمد المهدي على الأتراك والانجليز، وبقى جنوب السودان محل صراع بين الأحزاب الجنوبية التي تنادي باستمرار الوحدة مع شمال السودان أو نيل الحكم الذاتي أو الانفصال عنه في دولة جنوبية مستقلة.
كذلك برزت أحزاب سياسية حديثة لا تعتمد على الولاء الطائفي بل على الأيدلوجية الفكرية فظهر الحزب الشيوعي السوداني 1946م وظهر الحزب الجمهوري 1945م وظهرت جبهة الميثاق “حزب إسلامي”1954م. وبرز تيار الإسلام السياسي الذي لا يؤمن بالدولة الوطنية بحدودها الجغرافية وشعبها باعتبارها بدعة استعمارية بل يؤمن بدولة الخلافة والأمة. وبالطبع برز دور القوى والأحزاب ذات التوجه العروبي كحزب البعث العربي الاشتراكي.
إذن بصورة عامة يمكن القول بان الساحة السياسية حينها أصبحت تجمع أحزاب طائفية وأحزاب عقائدية. هذا الانقسام السياسي نتج عنه أيضا صراع حول الوصول أو الاستيلاء على كرسي السلطة استخدمت فيه تلك الأحزاب القوات المسلحة السودانية وجهاز الأمن لنصرتها!!!
– من الأهمية بمكان تثبيت الدور الكبير الذي قامت به النقابات في السودان خلال تأريخه الحديثـ ابتدأ من إضراب عمال المناشير في 1908م ضد المستعمر الإنجليزي، ثم تطور دور النقابات ووصلت إلى شكلها الحديث في 1947م بقيام نقابات السكك الحديدية، وقيام أول مؤتمر عمالي في 1949م، وتطور عمل النقابات وتكون الإتحاد العام لنقابات عمال السودان في 1950م.
وأستمر دور النقابات يتقوى وساهمت بقوة في حصول السودان على استقلاله وظهر أكبر دور للنقابات في مقاومة حكومة نميري وإسقاطها في 1985م وتكوين الحكومة المدنية من النقابات برئاسة دكتور الجزولي دفع الله.
أيضا يجب الإشارة لدور المرأة السودانية خلال تاريخ السودان منذ الكنداكة أماني رياس ثم الكنداكة أماني شاخيتي التي انتصرت على قوات الإمبراطور أغسطس وحررت أسوان في 24 قبل الميلاد، وأستمر دور المرأة السودانية مشاركة بقوة في النضال ضد المستعمر الإنجليزي بل شاركت في العمل السياسي من بداياته الأولى في السودان فبعد أقل من 9 سنوات من الاستقلال أصبحت فاطمة أحمد إبراهيم رئيس للإتحاد النسائي في 1965م واستمر دورها يتعاظم ولعل شجاعتها برزت بصورة واضحة في التظاهر ومقاومة نظام الإنقاذ حتى إسقاطه في 2018م.-
كمثال لذلك نال السودان استقلاله في 1956م ووقع أول انقلاب عسكري بتحريض من بعض الأحزاب الطائفية في 1958م. ثم حدثت ثورة 1964م وجاء حكم مدني، ثم وقعت عدة انقلابات ونجح منها انقلاب مايو 1969م بقيادة نميري وتحريض بعض الأحزاب العقائدية. ثم قامت ثورة 1985م وجاء حكم مدني، بعده وقعت عدة انقلابات بتحريض بعض الأحزاب الطائفية ونجح انقلاب أخر في يوليو 1989م بتحريض حزب عقائدي ” جماعة الإخوان المسلمين”. ثم حدثت ثورة وهاهو حكم مدني منذ 2019م على سدة الحكم!!!
إذن منذ استقلال السودان والى اليوم ينشىء الفرد السوداني وهو محاصر بين إنتمآن قد يلتقيان وقد يتضادان وهما الانتماء القبلي والانتماء السياسي، وقد ينتج عن ذلك الانتماء إضعاف أو تقوية للروح الوطنية!!!
إذن يصبح ويمسي المواطن صريع تلك الانتماءات التي قد تتناقض مما قد يؤدي لنوع من الولاءات المتضادة أيضا داخل نفسه، كمثال صارخ المناصرة القبلية لبعض السياسيين لقبيلته الإفريقية ضد الحكومة المركزية التي هو أحد وزرائها والعكس أيضا قد حدث،، وكمثال أقل حدة انتماء أبناء القرى والقبائل الصغيرة للحركة الإسلامية وأحزابها كنوع من الحماية ضد القبائل الكبرى.
يرى المواطن أن كل مسؤول يستغل موقعه لتحصيل منافع ذاتية ، وينتبه إلى أن هناك جهتين منتفعتين حاكمة ومعارضة كلا منهم يتهم الآخر بعدم الوطنية وأن قلبه ليس على الوطن بل على مصالح خاصة. فتتهم المعارضة الحكومة بأنها قد باعت البلاد ورضت بتفتيتها مقابل أن تترك بلا مضايقات من قبل المحافل الدولية وغيرها، لتظل ممسكة على مقابض السلطة. وتتهم الحكومة المعارضة بأنها تعمل بليل ولأجندة خارجية للانقضاض على السلطة. ثم يتهم الاثنان المواطن ورجل الشارع بأنه لم يتصد للطرف الآخر بما فيه الكفاية بحيث تتضح فيه جهة الولاء والبراءة “أنت معانا ولا مع التانيين”!.
الغريب في الأمر هو أن مبدأ الصراع ليس في من هو الأفضل لخدمة الشعب وتحقيق أمانيه بل في من هو الأحق بالاستمتاع بمنافع السلطة. أي أن الصراع حول السلطة من أجل السلطة” لعبة من يبقى على الكرسي”.
بالطبع انتبهت الأحزاب السياسية بل والأنظمة العسكرية التي حكمت السودان لضرورة تقوية ولاء المواطن لها ولو كان ذلك على حساب إضعاف حسه الوطني ناهيك عن إضعاف ارتباطه بالأحزاب الأخرى أو التكوينات الأخرى كالانتماء القبلي والجهوي، وكذلك أدخلت المصلحة المالية أو السلطوية للفرد أو القبيلة أو القرية أو الإقليم لكسب الولاء للحزب أو المجموعة الحاكمة. الخلاصة أن كل العوامل السياسية والاجتماعية وغيرها عملت على إضعاف ما تبقى من روح الوطنية والولاء للوطن أي للسودان.
هذا الوضع أدى لضعف قناعة الفرد السوداني بحب الوطن ممثلاً في الأرض والشعب و إكرام المواطن الآخر والمساهمة في تقدم البلاد ولو من باب المقولة “حب الوطن من الإيمان” !!! بل أصبح خيار المواطن حاكما كان أم محكوما هو تفضيل المصلحة الذاتية ولو على حساب المواطن الآخر وغمض حقوقه. حتى انه لوحظ إن ليس هناك تمسك بخط سياسي أو أيدلوجية معينة لدي بعض السياسيين فهم مع السلطة الحاكمة التي تبيح لهم الانتفاع الذاتي فقط، حتى أن البعض يتحول من معارض لوزير ويقبض المنافع ثم يتحول لمعارض مرة أخرى إذا وجد عرض مادي أفضل مثل لاعبي كرة القدم؟ أي أن السياسة بالنسبة لبعض السياسيين ما هي إلا تجارة رابحة ومصدر رزق لا ينقطع.
إذن يمكن القول بأن أزمة الحكم في بلاد العالم الثالث هي أزمة أخلاقية وتربوية في المقام الأول، وأنه لا يمكن للمواطن العادي ناهيك عن الحاكم والمعارض ادعاء حب الوطن أو الوطنية قولاً وفي الوقت نفسه القيام بكل ما هو منافي للوطنية فعلاً.
من ذلك إن الذي يصل إلى كرسي السلطة يبين كرهه للسلطة الحاكمة السابقة له بتدميره كل ما قامت به بدلا عن تحسينه أو إصلاحه.
إن الإصلاح يجب أن يسير في خطين متوازيين، مقاومة الحاكم الفاسد سلمياً من جانب ومن الجانب الآخر تنمية الروح الوطنية الصادقة داخل المواطن والدفع باتجاه حكومة مدنية برئاسة لا تتعدى فترتين انتخابيتين.
ليس من الضرورة الإيمان بإمكان تحقيق معجزة سياسية ولكن من الضرورة الإيمان بإمكانية الإصلاح وذلك عند استيعاب الجميع حكومةً ومعارضةً للمعاني الحقيقية لكلمة الوطنية، والوصول لقناعة أن الوطن فوق الجميع و مصلحته قبل وفوق مصالحهم، حينها سيلتف الجميع حول حكومة مدنية وتبادل سلمي للسلطة من خلال التنافس الشريف ومحاربة الفساد وتنمية الروح الوطنية.
أما إذا أستمر مستوى وممارسة الأحزاب السياسية تحكمه المصلحة الحزبية الضيقة والصراع والمؤامرات والاستعانة بالعسكر للوصول لكرسي السلطة فلن يبنى السودان رغم كل إمكانياته الطبيعية وموارده المحلية بل سينتهي الأمر بضياع الوطن.
بشير عبدالقادر
[email protected]
لماذا نستصعب البديل وهو سهل لا خلاف عليه إلا من أنصار الديمقراطية الحزبية الطائفية والعقائدية؟! وهو ما يرفضه كافة معارضي الديمقراطية الشكلية جملة وتفصيلا ويدعون للديمقراطية المباشرة أي حكم الشعب من قبل الشعب مباشرة من غير ممثلين له حزبياً. فلا تمثيل مطلقاً، بأغلبية أو بتمثيل نسبي ولا باي شكل للتمثيل الا التمثيل الاداري الوظيفي من قبل أبناء الشعب المؤهلين لتولي الوظائف العامة في الخدمة المدنية والعسكرية عبر المساواة التامة في المواطنة لا تمييز فيها لخدمة الشعب الا بالمؤهل والكفاءة المقررة بالقانون وهذا يتطلب التوافق على دستور ينص على دولة المؤسسات والقانون وادارة الموارد عبر هذه المؤسسات والتي يشترط القانون تكوينها وعملها والرقابةعليها قضائيا واداريا من داخلها وخارجها وأهم من في خارجها المواطن نفسه كعضو أصيل ومبادر في أي جهاز رقابي فلا يجيز اي عمل لهذه المؤسسات ولو صدر بالأغلبية فيها الا إذا كان موافقا للقانون كذلك فلا قدسية لأي أغلبية أو تكتل إلا بموافقته لكافة المعايير القانونية في الدستور والقانون واللوائح ولا لأي شخصية حيث لا توجد شخصنة للادارة أصلاً فكل شيء يجب أن يكون وفق القانون موضوعيا واجرائيا ولا توجد وجاهات بسبب الوظيفة أو الرتبة حتى في الخدمة العسكرية- فدعونا نتفق على هذا وننبذ فكرة الحزبية والطائفية والمذهبية فإدارة الدولة في غنى عن ذلك فماذا نريد الزعامة والقيادة إذا كل شيء يقرره القانون وينفذه التكنوقراط تحت الرقابة ورقابة المواطن عبر أجهزة الرقابة المؤسسية الإدارية والقضائية- فهل هذا صعب وهل هذا يحتاج إلى اجترار ذكرى منقصات الماضي وترضيات أطرافه طالما تجاوزنا كل ذلك في دستور المساواة التامة وصرنا اولاد اليوم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات فماذا نريد بمرارات الماضي وذكرياتها وتركاتها!!!؟
الرد على انصار الديمقراطية الحزبية
أراكم كلكم في ضلال بعيد بعيد…بسبب هذه العقلية التي لا تستطيع فكاكاً من أسر المفاهيم التقليدية التي عفا عليها الزمن ولا ترون حتى معامل وعوامل التناقض التي تعتريها، ومن ثم قابلية تغيير الرؤية مع المتغيرات فليست النظريات السياسية دوغمائيات تطبق كما هي في بلد المنشأ بل إنهم في بلاد المنشا قد حوروا فيها بل وتخلوا عنها تماماً عن بعضها فلماذا نظل نحن عالقين في وهم أن أفضل أساليب الحكم هو الديمقراطية الغربية؟؟؟
إن هذه الديمقراطية كمفهوم تعني المشاركة في الحكم وهذه المشاركة هي غايتها ومغزاها ومقصودها. ولكن شكل المشاركة الذي اتخذه الغرب هو التمثيل النيابي وقد نجح عندهم لوعي المجتمع وأفراده بحقوقهم السياسية وبضرورة وقدرة الشعب على إلزام ممثليه بها ومن محاسبتهم واسقاطهم من الحكم إن ضلوا أو حادوا.
ومجتمعاتنا في العالم الثالث لا تشبه تلك المجتمعات الغربية في هذه الثقافة وموروثاتها. إننا يا سادة لا نختار ممثلينا على أساس برامج اصلاحية تنموية كانت أو سياسية. إن ولاءنا لممثلينا ليس على أساس تمكينهم من تحقيق ما فوضناهم فيه قبل محاسبتهم على تقصيرهم إن حدث. بل الوضع معكوس عندنا يا سادة يا كرام.إننا تابعون لمن نفوضهم وولاؤنا لهم وليس بالعكس لأننا إما تابعين لهم طائفيا أو مذهبيا مع أن مفهوم الطائفية والمذهبية لا علاقة له بالسياسة التي هي سياسة أمور الناس ومعيشتهم الحياتية الدنيوية ولا علاقة لها بالأخروية التي هي خارج هذه الدنيا ولها رب يقرر من يحيا فيها شقيا أو سعيدا.
وقد جربنا نهج هذه الديمقراطية الحزبية الطائفية بما يكفي لكي يتغير تفكيرنا عنها ونرفضها لخيباتها التي لازمتها ولم تفارقها كلما جربناها مرة أخرى بعد نكسة انقلابية عسكرية.بل إن هذه النكسات كانت من لوازم ونتائج هذه الديمقراطية التمثيلية او النيابية الحزبية الطائفية والمذهبية.
اليوم لامناص غير رفض هذا الأسلوب في ممارسة الديمقراطية والبحث عن المشاركة الحقيقية المقصودة لمفهوم الديمقراطية كنظرية سياسية لإدارة الحكم. ونقصد بالمشاركة الحقيقية رفض كافة أنواع النيابة لا بالأغلبية ولا بالتمثيل النسبي بل ورفض التحزب من أصله. فلنعتبر أننا أسقطنا النظام ببرنامج واحد موحد هو أن نكون جميعاً وأفراداً مواطنين سودانيين متساويين في كافة الحقوق والواجبات المطلوبة لإدارة الدولة. اعتقد أن هذا هو الهدف من اسقاط النظام الذي يجب ألا ينتطح عليه عنزان.
والآن وقد أُسقِط النظام لأجل هذا الهدف، فاتركوا لخبرائكم كيف يصيغون هذا الهدف الذي تحقق بإسقاط النظام في شكله ومحتواه الدستوري والقانوني لتطبيق دولة المؤسسات والقانون وكيفية إدارتها والمشاركة فيها. هذا بالطبع بعد المؤتمر الدستوري الشامل الذي يضع النقاط فوق الحروف..
* نعم نقول إن الديمقراطية نظام متطور وآخر ابتكار لأنماط الحكم، لمن يعني بذلك الديمقراطية الحزبية وحكم الأغلبية المنفردة أو المؤتلفة، غير أن هذا النمط أثبت فشله لدينا وإن أفلح في العالم المتقدم بثقافته الجمعية المتشربة بقيم المساواة وبوعي أفراده بحقوقهم وواجباتهم والتزام أغلبيته بحقوق أقلياته عند دورة حكمها، ولا نريد أن نخوض في كل الأسباب خيث يكفي ما نفتقر جلها في مجتمعاتنا. فعندنا لا فائدة من هذا النمط وقد جربناه وأنت بنفسك قد أوردت الحوار الذي دار بين عضو البرلمان الشمالي والعضو الجنوبي بما دل بوضوح على نمط التفكير (الديمقراطي) لدينا منذ الاستقلال وحتى اليوم ولا نريد لهذا أن يستمر أبداً. إن الديمقراطية والدستور الذي نريد ليس تماماً كتلك التي اقتبست مرجعياتها الغربية. فخلافاً لديمقراطيتهم كوسيلة للتغيير أو تداول الحكم، فإن الديمقراطية التي نريد ليس فيها تغيير أو تداول للحكم إلا كما تتداول الوظيفة من الموظف السابق إلى الحالي ثم إلى من يخلفه بحكم السن أو التقاعد أو الإستقالة والعزل منها. فنظام الحكم عندنا ثابت لا يتغير إلا في الوسائل كأن يأتي يوم تدار فيه خدمات الدولة آلياً وإلكترونياً ولكن على ذات القيم والمعايير المطلوبة عندما كانت تدار من الوظفين البشر وذلك فقط لتقليل الأخطاء البشرية الصرفة أو المتعمدة التي تستوجب المحاسبة والجزاء.
فعندما أقول إنه نظام ثابت لا يحتاج إلى تغيير لأنه لن يخرج عن سلطة الشعب يوماً فهو حكم الشعب بالشعب أفراداً أو مجموعات في شكل حكومة تقوم بالخدمات المطلوبة من الدولة للشعب (الخدمة المدنية والعسكرية عموماً).
فالديمقراطية تعني هنا التنافس بين أفراد الشعب في وظائف الدولة العامة في مؤسساتها الدستورية التشريعية والتنفيذية والقضائية فأعضاء هذه المؤسسات هم موظفون ينخرطون فيها عن طريق التنافس بالمؤهلات المطلوبة بنص القانون حتى البرلمان لا نأتي بأعضائه عن طريق الانتخابات والحماس السياسي حيث تتطلب شروط العضوية توزيعها جغرافياً وحسب الكثافة السكانية بحيث يخصص عدد من المقاعد للدائرة الفلانية غير ذذلك العدد لتلك. و الشروط المطلوبة في العضو هي شروط موحدة في كل الدوائر ويتم الاختيار بالقرعة إن تساوى المرشحون في المؤهلات.
وعليه فإن الديمقراطية التي ندعو لها ليس فيها تغيير لنظام الحكم أو تداوله بين أحزاب فهو لا يتغير إذ هو دائم بيد الشعب وكل فرد مرشح للمشاركة فيه بحب جده وتأهيله وذلك عبر الوظيفة العامة التي يتبوأها – كما أن ها النظام ليس فيه انتخابات أصلاً ومن ثم لانحتاج لأحزاب ولا برامج حزبية فكل برامج التنمية والخدمات والرقي تطرح من خلال برامج مؤسسات الدولة التنفيذية والأكاديمية والعلمية التخصصية ومن خلال اتصحاب الرأي العام في شتى قطاعاته الفئوية والمهنية كالطلاب ونابات المهنيين والحفيين مع اتصحاب الصحافة الحة والرقابة الشعبية بوجود أجهزة القابة والضاء المستقل…