أهم الأخبار والمقالات

ثورة السودان تستحق منّا أداء أفضل

محجوب محمد صالح

كنّا موعودين بمؤتمر اقتصادي شامل ينطلق الأسبوع الماضي في الخرطوم، ليحسم الخلاف حول الميزانية العامة للسودان للعام 2020، بين وزير المالية وحركة الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة الثورة في السودان، الخلاف حول الميزانية تمركز حول الأسس التي قامت عليها الميزانية، إذ بنى وزير المالية ميزانيته على رفع الدعم السلعي مع تعويم الجنيه السوداني، بينما رأت الحرية والتغيير أن هذا المنهج يضع كامل المعاناة على عاتق المواطن المغلوب على أمره، وهو أمر لا طاقة لأفراد الشعب به.
الواقع يقول إن وزير المالية ميّال -عن قناعة- للمشروع الذي تتبناه مؤسسات التمويل الدولية لمعالجة أوضاع الدول الفقيرة، وهو مشروع ترفضه كل القوى الراديكالية في العالم الثالث، باعتباره يكرّس المظالم التاريخية التي أنتجت الفقر المدقع والتخلف في دول العالم الثالث، وأنه يلقي بتلك الشعوب فريسة لقوى السوق المتوحشة التي لا ترحم، وهو منهاج جرّبه النظام السابق في السودان، فازدادت الأزمة الاقتصادية سوءاً.

المهم أن اجتماعاً مشتركاً انعقد بين الحكومة ممثلة في رئيس الوزراء ووزير المالية مع حركة الحرية والتغيير ممثلة في خبرائها الاقتصاديين وقادتها، ودافع كل فريق عن وجهة نظره وتمسك بها، وفي حركة «هروب إلى الأمام» انتهى الاجتماع بقرار يقضي بعقد مؤتمر اقتصادي شامل يدعى إليه اقتصاديون وناشطون نهاية مارس الماضي لحسم هذا الصراع، مع تجميد أوضاع الميزانية وإذا أقرّها المؤتمر المقترح بدأ تطبيقها أول أبريل، بزيادة سعر جالون البنزين وبيعه بالسعر التجاري، على أن يلحق به في سبتمبر المقبل «الجازولين» إذ يُرفع عنه الدعم آنذاك وفي الوقت نفسه تنفذ زيادة مرتبات عمال وموظفي المرافق الحكومية من أول أبريل.

خبراء الحرية والتغيير عارضوا كل ذلك، وسيكررون معارضتهم في المؤتمر ويؤملون في أن تنتصر وجهة نظرهم في ذلك المؤتمر، ويوقف تنفيذ الميزانية بشكلها الحالي، ويفرضون إعادة النظر في أمرها، كل الدلائل -إذن- تشير إلى أن المؤتمر إذا عقد في موعده لما وصل إلى حل وسط، لأن كل فريق متمسك بموقفه، ولم تبذل أي مجهودات خلال الأسابيع الماضية لتقريب وجهات النظر أو الوصول لحل توفيقي، ولكن جائحة كورونا التي أصابت كل أنواع الحراك الدولي بالشلل، وضعت حداً لمشروع المؤتمر الاقتصادي، وفرضت تأجيله إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان محدداً له يوم 28 مارس الماضي، أي قبل أسبوع من اليوم.

الخلاف أساساً بين مدرستين فكريتين في دنيا الاقتصاد، إحداهما تريد انسحاب الدولة تماماً من الساحة الاقتصادية وتحرير النظام الاقتصادي ووضعه في يد القطاع الخاص دون قيود، كجزء من مشروع العولمة والخصخصة والتحرير، وبين مدرسة أخرى ترى أنه لا بد من دور للدولة في عالم الاقتصاد، بحيث تحمي القوى الضعيفة من قوى السوق المتوحشة وكل مؤسسات المال العالمية تقف بالطبع مع الرأي الأول، وتعتبر إعادة هيكلة اقتصادات الدول النامية لتسير في هذا الاتجاه هي الطريق الوحيد للخروج من أزماتها، رغم أن العديد من التجارب العالمية أثبتت فشل كثير من تلك التجارب، وقد ترتب على ذلك أن كثيراً من الاقتصاديين بدأ يطرح أطروحات تحاول أن تخرج بحلول وسطى، لكن ما زال الصراع بين الطرفين الأساسيين محتدماً.

من الناحية الواقعية، فإن التطورات في السودان التي جمدت الميزانية أدت فيما يبدو إلى تجميد نشاط وزارة المالية، فظلت منذ مطلع العام تلعب دور المتفرج في الساحة الاقتصادية، بينما الجنيه السوداني يوالي هبوطه غير الناعم، والتضخم تتزايد معدلاته كل صباح، والمواطن المغلوب على أمره يواجه معاناة تتصاعد من يوم ليوم، وجاءت جائحة كورونا لتزيد معاناته سوءاً بالعطالة وانسداد أفق العمل.
والآن بعد أن ثبت أن «التجميد» ألحق ضرراً بالغاً بالمواطنين، وأن الهروب للأمام لن يجدي فتيلاً، بات من المهم أن يحسم رئيس الوزراء هذا الخلاف بقرار يصل إليه عبر مناقشات مكثفة مع الأطراف كافة، متحملاً مسؤوليته نحو حماية المواطنين، باتخاذ القرار الذي يخدم هذه الغاية، وأن يعاد النظر في الميزانية ضمن مشروع معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة، والخروج من نفق تأجيل المعالجات، لأن التأجيل لا يزيد الأمور إلا تعقيداً.

أولئك الذين أنجزوا هذه الثورة المجيدة يستحقون معاملة أفضل ورعاية لحقوقهم أكثر عدلاً!
العرب القطرية

‫9 تعليقات

  1. ياخي هو البدوي دا، وزير مالية جمهورية السودان، أم مالية حزب اللمَّة والعسكر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ألم يلتئم إجتماع من قبل، بين الحكومة وحاضنتها قحت، وتم الإتفاق علي ألا يُصار إلي رفع الدعم وتعويم الجنيه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ألا يتبع هذا البدوي إلي حمدوك، أو أن الواجب عليه تنفيذ سياسة حكومة الثورة، وألا يتخذ قرارات تتعارض مع الثورة وأهدافها ؟؟؟؟؟

    لقد فهمنا أن كل فهمه، هو التعويم ورفع الدعم، إلا إننا لم نتخيل قط، أنه سيسلم إقتصاد البلاد إلي حزب اللمَّة الضلالي وللعسكر !!!!!!!!!!!!!!!!!

    علي رئيسه تقع مسؤولية إقالته فوراً، والسلام.

  2. هذا توصيف ممتاز للوضع وفي الحياد التام ، وعلى السيد رئيس الوزراء وهو ابن المنظمات الدولية ان يختار للسودان ما فيه مصلحته وتقدمه ورفعته.

  3. من لا يملك قوته لا يملك قرارة

    الزراعة بس

    الزررررررررررررراعة

    ازرعو في دول كثيرة هاتجوع قريب

    ممكن تتصدرو العالم

    فرصة لا تعوض

    ودة فرصتكم ياسودانين

    دة فرصتكم

    الكان بذلكتم زمان عشان أساعدكم هاجي عندكم اشحت

    قريب مابعيد باذان الله

    تلك الأيام ندولها بين الناس

    القيادة لو فيه عقل كانت شافت الفرصة الجايكم

    فرصة ضخمة

    امسكو قوي

  4. شكراً استاذي محجوب محمد صالح فقد قلت النصيحة بتجرد وصدق كما عودتنا دائماً
    ربنا يمتعك بالصحة والعافية والسعادة والقبول ويخليك دوماً منارة مضيئة في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة السودانية وانت احد مؤسسيها وأعمدتها الراسخة

  5. * على الذين يؤيدون الإبقاء على “سياسة الدعم” في ق ح ت او غيرها أن يجيبوا على بعض من اسئله و إستفسارات لا مناص من مواجهتها بموضوعيه علميه تدعم وجهة نظرهم, لا عاطفه مجرده:
    1. خزينة الدوله خاويه تقريبا, فمن اين لحكومة الثوره تغطية تكلفة الدعم, و هي بمئات ملايين الدولارات؟
    2. ابقت الحكومات الوطنيه المتعاقبه على سياسات دعم السلع عقودا طويله من الزمان, فهل تم تقييم هذه السياسه و مدى نجاحها او فشلها, او إنعكاساتها في دعم الإقتصاد القومي, أو في خفض معدلات العطاله و نسب الفقر ؟
    3. مثلا, هل يعقل ان يكون سعر اللتر من البنزين 6 جنيهات, في حين ان سعر نصف اللتر من مياه الصحه 15 جنيها فى اقرب بقاله؟؟!!
    و أكتفي بهذا …

  6. يجب علي القادة في السودان ان يتوقفوا عن سياسة المنح والهبات والتفكير في سياسة اخري ثبت بالتجربة ان العائدات للدولة تذهب في اتجاهين دعم لفئة قليلة من الشعب ومنصرفات حكومية لا عائد مرجؤ منها اذا اراد السودان ان ينهض عليه اجراء جراحة كاملة واستصال كل الزوائد المعيقة للتنمية والبداية تكون من التعليم اي منهج تعليمي او موسسة لا تضيف شئ للاقتصاد يجب مراجعتها واولها كليات الزراعة لماذا فشلت في تخريج كوادر يساهمون في النهضة الزراعية ولماذا ٧٠% من خريجي الزراعة يعملون في التعليم وقس علي ذلك

  7. الكاتب يبسط المسألة التى يتناولها بقوله ان الخلاف هو بين ” بين مدرستين فكريتين في دنيا الاقتصاد”. هذا تيسيط لان الخلاف بين المجموعتين يقع على المستوى الاجرائى الذى يمكن أن تنفذ به سياسات التحرير الاقتصادى. المجموعتان المختلفتان يغيب عن افقها البراجماتى الضحل ان الحل يكمن فى السير على طريق الاعتماد على المقدرات الذاتية للسودان بتفجير طاقات الشعب لتحقيق طفرة فى الانتاج بشقيه الزراعى والصناعى. وهذا يعنى الخروج من دائرة الجدال الذى لا طائل من ورائه حول سعر الصرف وسياسات الدعم. وبالمناسبة اين هو هذا الدعم الذى يتحدث عنه وزير المالية ومخالفيه الذين هم أنفسهم من أتى به؟؟؟

    1. تسال عن الدعم مثلا, سعر اللتر من البنزين 6 جنيهات, في حين ان سعر نصف اللتر من مياه الصحه 15 جنيها فى اقرب بقاله؟؟!! دا عم ولا لا

  8. في امريكا ٥٠ مليون يعتمدون علي الحكومة في الأكل والسكن والعلاج والتعليم هذه هي الرأسمالية الذي يعمل اليمين الرجعي اليسار المتخلف علي تدميرها حتي تعيش البشرية في جنة العدالة والاشتراكية كما في الصين وروسيا و ايران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا .
    اغلب قيادات ومتعلمين اليمين الرجعي واليسار المتخلف لا يعشون في كوريا الشمالية و لا كوبا و لا ايران وإنما يعشون في هذا الغرب الرأسمالي الذين يريدون تدميره .
    اغلب العالم تجاوزا مرحلة الايديولوجيات في السودان خرجنا من الايدولوجية الدينية ونستعد الي الدخول في الايدولوجية الاشتراكية هذه نتيجة لتدمير الانظمة الدكتاتورية الي إنسان السوداني وجعله يهرب من دولة الوطن الحقيقي الي دولة الايدولوجية وطن الوهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..