هل تخشى الولايات المتحدة التقارب بين تركيا وأوربا؟

“في سنوات المجد الخالدة للإمبراطورية العثمانية ,كان الدبلوماسيين الاجانب يتزاحمون على البلاط السلطاني حاملين الهدايا السخية مغنين ومرتلين طالبين ود السلطان العثماني , قادة اوروبا الآن يجدون أ نفسهم في ذات الوضع حاليا” .كانت هذه الافتتاحية الحانقة لمقال الايكنوميست الامريكية الذي جاء بعنوان “اوروبا تبايع أردوغان” في تحليلها للتقارب الاخير بين تركيا والاتحاد الاوربي على خلفية الترتيبات المشتركة التي يجريها الطرفان للتفاوض حول آليات ايقاف تدفق اللاجئين الى اوربا والذي تكلل بقرار المستشارة الالمانية انجيلا ميركل زيارة تركيا اليوم 18 نوفمبر رغم اعتراضات القوى اليسارية الالمانية من قبيل ساحرا واغينشيت التي انتقدت الزيارة بشدة قائلة”ابرام اتفاق مع حكومة تتضهد الصحفيين والاكراد والنقابات هو اعلان افلاس انساني”.
مقال الايكونوميست لم يكن الاول ولن يكون الاخير في متابعة اضطراد تطور العلاقات بين تركيا والاتحاد الاوربي , فمعظم وسائل الاعلام الامريكية الرئيسية توشحت بالانتقادات اللاذعة لزيارة ميركل المزمعة اليوم , صحيفة بوليتيكو المؤثرة جاء على صدر صفحاتها مقال بعنوان (كيف اعتنقت ميركل و اوروبا أردوغان ) اوردت فيه المبالغ المالية التي ستضطر اوربا الى دفعها الى رجب طيب أردوغان لاقناعه بأن يصبح حارس الشواطئ الاوربية وحامي حدودها من التدفق الذي لا ينتهي من قوافل اللاجئين اليائسين . ولم تنس الصحيفة تذكير الاوربيين بالخيارات التفاوضية التي تحملها ميركل معها الى انقرة على غرار المبلغ المقترح لتركيا لدعمها لتحمل جزء من مسئولية اللاجئين وهو مبلغ ثلاث مليار اورو, وخيار تسهيل تأشيرات الشينغن للاتراك الراغبين في الذهاب الى اوربا. مع بعض المشهيات الاخرى كما تقول الغارديان البريطانية.
ولكن هل ثمة ما تخشاه الولايات المتحدة من أي تقارب تركي- أوربي؟
المدقق في المعطيات المنطقية لحصيلة استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة يرى أنها قائمة على ثلاث اعمدة رئيسية , احداث حالة مستقرة من عدم الاستقرار يصاحبها تحويل الدول اكس الى دويلات يسهل التحكم فيها, استدامة حالة عدم الاستقرار في الدول اكس حتى الوصول الى مرحلة سيولة بالإمكان من خلالها تصنيع موالين يمكن الاعتماد عليهم , تهديد الدول القوية في المنطقة بالجماعات الموالية بحيث يؤدي ذلك الى تشتيت مزاج وموارد الدول القوية فلا تنظر الى أبعد من قدميها.
وتركيا هي اكبر مثال للدول القوية في الشطر الثالث من أهداف الاستراتيجية , وقد يقود أي تقارب لتركيا مع اوربا الى تحصين وضعها الجيوسياسي بحيث تستطيع تكوين مخالب دائمة ضد جماعات الشطط في المنطقة والتي يتم استخدامها كمعاول لاستدامة حالة عدم الاستقرار.
تركيا قوية ولديها قائد مشاكس ومستقل وأي تطورات ايجابية مع جيرانها الأوربيين ستقود لامحالة الى تحسين الوضع الانتخابي لاردوغان وتحسين الاوضاع الاقتصادية للاتراك . فهل سينسجم ذلك مع استراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة.؟
أوربا تمر بواحدة من أصعب فترات تاريخها الحديث في ظل أزمات اقتصادية وتضعضع مريع في في أسس وحدتها مع كتل اللاجئين المتدفقة والتي تقدر في ألمانيا وحدها بعشرة الاف لاجئي يوميا. وبينما يرغب جميع اللاجئين في الوصول الى المانيا او بعض الدول الاسكندنافية تجد انجيلا ميركل الصوت الحي للاتحاد الاوربي نفسها في موقع صعب مع الانتقادات المتكررة من اليسار والاسلاموفوبيين.
الحل عند ميركل هو الائتلاف على حل سريع مع تركيا التي بإمكانها تخفيض نسبة تدفق اللاجئين بصورة كبيرة على اوربا والمانيا بالخصوص . فميركل تخشى من تنامي الامتعاض داخل حدودها مع تزايد حدة الانتقادات لسياستها تجاه أزمة اللاجئين التي يراها اليمين متساهلة وتراها المعارضة غير مناسبة. وتزداد هواجسها السياسية مع كل لاجئ ينجح في بلوغ المناطق الآمنة في القارة العجوز.بين حجري الرحى اذن ميركل لذلك فهي تختار الحل الاسهل والافضل” اردوغان” ولن يلومها أحد على ذلك سوى جماعات اليسار خافتة الصوت .
ار دوغان لم يعد المفضل في الولايات المتحدة والجميع هناك ينظر اليه بريبة وشك ولكنهم مضطرون للتعامل معه لانه رقم مهم ولا غنى عنه في المنطقة وما حولها.
وبالنظر للاقتصاديات الهشة في الولايات المتحدة واوربا والنجاح الباهر لتركيا اقتصاديا وعسكريا لن نحتاج الى بذل الكثير من الجهد لتخمين حجم الحسد والغل الذي يضمره ويظهره الكثيرون لاردوغان , السلطان غير المتوج.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..