أكذوبة دعم الدواء !

مناظير – زهير السراج
* دعونا نستمع لهذه القصة المحزنة لنعرف كيف نجهض الفرص الحقيقية لتنمية بلادنا، ونضع العراقيل أمام كل مخلص يريد أن يفعل شيئا لوطنه، ونقتل المواطن بالمرض والغلاء!
* أنا اسمي محمد جلال الدين، مهندس ميكانيكي، خريج جامعة الخرطوم وجامعة اوتاوا بكندا – ولقد عملت مهندسا بكندا بعد اجتيازي لمطلوبات العمل الصعبة هناك، و منذ ديسمبر ٢٠١٩ مدير مصنع للأدوية بالخرطوم .
* في ديسمبر ٢٠١٩ قررت ارجع السودان لتشغيل مصنع للأدوية لم يكن يعمل، واحيانا يعمل بطاقة إنتاجية أقل من 20 % .
* بعد بضعة شهور اصبت بدرجة عالية من الإحباط وفقدان الأمل، ومن المفروض الآن أن اتخذ اصعب قرار في حياتي، الا وهو إغلاق المصنع نهائيا و تسريح 76 من العمال والفنيين والكيميائيين والصيادلة.
* الوضع في الحقيقة خطر جدا والدولة في عالم آخر، والسياسيون ليس لديهم الشجاعة لتمليك الشعب الحقائق، ولا المقدرة لتقديم الحلول.
* المفروض نظريا أن الدواء في السودان مدعوم من الدولة، ويسعر بـ 46 جنيه للدولار. ولقد خصصت الدولة 10 % من حصيلة الصادر لاستيراد الدواء ومدخلات الانتاج !
* منذ شهر يناير وزارة المالية سحبت دعم الدواء تماما. أي انه منذ أول السنة لم يتم شراء واستيراد اي مادة خام أو دواء مستورد لاختلال معادلة التسعير، وارتفاع سعر الدولار بصورة مهولة، حتى تجاوز الآن ال 130 جنيه. مع العلم ان المنتج النهائي مسعر علي 46 جنيه للدولار.
* انقضت ربع سنة كاملة ولم تتحرك الدولة أية خطوة وقالت انها لا تملك أي دعم لمدخلات الانتاج أو استيراد الدواء. غرفة مصنعي الدواء حاولت مقابلة وزير الصحة، ورئيس مجلس الصيدلة والسموم، ولكن لا حياة لمن تنادي!
* قامت الغرفة بوضع حلول للوزارة ومجلس الصيدلة والسموم وبنك السودان والصندوق القومي للتأمين الصحي بحيث:
١- تتم معادلة الوضع المختل لسعر الدولار 46 جنيه و ربطه مع سعر دولار الذهب وذلك لانعدام أي دعم من الدولة
٢- رفع العبء عن المواطن و ذلك عن طريق تخفيض الحمل علي المريض عند شراء الدواء من 25 % الي 10 %، فمثلا اذا كان سعر الدواء 100ج وكان يدفع 25ج، فسيدفع 20ج فقط بعد ان زاد سعر الدواء الى 200 جنيه.
* هذا الحل يحقق الوفرة، يطور الصناعة، يحقق مكاسب بحيث يمكن أن تصدر المصانع للخارج ويمكن أن تتطور الصناعة، أيضا الدولة ستقدم الدعم مباشرة للمواطن و تمنع التلاعب في البنوك وتتركنا للتركيز في تطوير صناعتنا والعمل علي البحث و التطوير وتسجيل و توفير الأدوية الجديدة التي تخدم أولا واخيرا المواطن.
* عندما قام وزير المالية بزيادة سعر الدولار الرسمي، اتعلَّم ماذا فعل رئيس مجلس الصيدلة و السموم، رفض معادلة السعر حتي مع سعر الدولار الرسمي!
* الانسان يقف محتارا في السياسي السوداني الذى يعجز تماما عن تقديم الحلول، وعندما تريد ان تساعد وتقدم الحلول يقوم بمعاكستك.
* هنالك عدد من المصانع توقفت تماما عن العمل، و هنالك مصنع تم بيعه الشهر السابق ( مصنع عبد المنعم للصناعات الدوائية )، واكبر مصنع دواء في السودان معروض للبيع !
* اليوم للأسف علينا أن نقوم بإغلاق المصنع قبل رمضان وتسريح العمالة لإيقاف النزيف!
* انتهت القصة، ولكن هل انتهت فعلاً؟!
الجريدة