مقالات وآراء

على موج الأثير.. (1-2)

والعنوان مقتبس من مطلع أغنية “على موج الأثير بَهدي تحياتي” للراحل عبدالحميد يوسف. في هذه المساحة سأقوم بإهداء عدد من النصائح والإشارات والرسائل الى أهل الحكم في السودان، وإلى مسانديهم ومعارضيهم على حدٍ سواء، خصوصاً في هذه الأيام التي نستعيد فيها ذكرى الثورة وذكرى اعتصام الثوار أمام القيادة إبتداءً من السادس من ابريل من العام 2019م وحتى لحظة إعلان سقوط نظام الإنقاذ في الحادي عشر من ابريل من نفس العام . هي نصائح ورسائل إلى مَن ألقى السمع من أهل الرصّة والمنصّة، وأيضاً إلى خصوم الحكومة الانتقالية ومناهضي التغيير. وهي أيضاً موجّهة إلى أولئك الذين اعتادوا السباحة عكس التيار، واحترفوا خلط الأوراق ورسم الدسائس والمؤامرات والاصطياد في المياه العكرة.

وهذه النصائح تهدف إلى تنببه الجميع بضرورة تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وأنّ كل قول أو فعل ينبغي أن يكون لمصلحة البلد ولمصلحة هذا الشعب الصابر على شظف العيش وعلى ظلم الحكام وفسادهم على مر العقود الماضية.

الشعب بمختلف قطاعاته يتطلع إلى رؤية آماله وأحلامه المسطّرة بدماء الشهداء وقد تجسّدت على أرض الواقع، وهذا لن يتم إلا إذا خلصت النيات وتضافرت الجهود وتعاون الجميع لإنجاح الفترة الانتقالية وصولاً إلى الاستحقاق الانتخابي ليقول الشعب حينها كلمته في موضوع الحكم وآلياته وتشريعاته وشخوصه.

هذه النصائح أو الرسائل توجّه الى الشخصيات/الكيانات التالية:

رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ومَن يليه مِن قادة لمختلف القطاعات العسكرية

ورسالتي لهم أنْ لا تنافُسَ بين المدنيين والعسكريين، وأنّ سيادة الحكم المدني لا تعني إطلاقاً تهميش العسكريين وإقصائهم. فالجيش خرج من رحم هذا الشعب وإليه يعود، ومن ثمّ يستحيل قطع الصلة بين الطرفين.

يكفي الجيش فخراً أن جموع هذا الشعب العظيم اختارت أن تتوّج ثورتها المجيدة وأن تجني ثمرة نضالاتها وتضحياتها ودمائها من أمام بوابات الجيش حينما اختارت أن تعتصم في السادس من ابريل من العام 2019م أمام المقرات الرئيسية للجيش من غير خوف من الرشاشات المصوّبة والمدافع المنصوبة والكاميرات والرادارات التي ترصد كل شاردة وواردة في هذه الأماكن الحساسة.

لم يأبه الشعب لكل تلك المحاذير، وإنما أتى بكل ثقة وبصدور عارية وأقام معسكره العظيم أمام بوابات ومقرات القوات الجوية والقوات البرية والقوات البحرية والأركان المشتركة والقيادة العامة، وحناجر تلك الحشود المليونية تهتف: جيشٌ واحـد، شعبٌ واحـد! فجاء التجاوب سريعاً من الجيش الذي ردّ التحية للثوار بأحسن منهـا، وبادلهم حباً بحب وثقةً بثقة، وهتف الجميع بوحدة الوطن وبعزة الوطن وبكرامة الوطن.

على ضوء كل هذه التضحيات والمشاعر والأحاسيس المشتركة يصبح الإجراء المتوقَّع من جيشنا أن يسعي مع الكيانات الأخرى إلى تعزيز الحكم المدني في البلاد، وأن يعمل بكل جد واجتهاد لإنجاح الحكومة الانتقالية اقتصادياً وسياسياً وفاءً لتضحيات الشهداء والجرحى والمفقودين وتطييباً لخواطر آباء وأمهات أولئك الابطال.

وفي هذا الشأن، نتوقع من قواتنا المسلّحة أن تتخذ كل ما يلـزم لفك الإشتباك ووضع النقاط على الحروف وإعادة كل النشاطات والاختصاصات والمهـام ذات الطابع المدني إلى حكومتنا المدنيـة.

ينبغي للحيش الإمساك بزمام المبادرة بدمج كل الأنشطة والاستثمارات التابعة له في الجهاز الاقتصادي التابع للحكومة المدنية، ونفس المبادرة مطلوبة من قوات الدعم السريع والشرطة والقوات النظامية الأخرى، حيث ينبغي للجميع الإسراع في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فقد ولَّى إلى غير رجعة زمن التجنيب والتزوير والازدواجية.

زحف الثوار في السادس من ابريل من العام ٢٠١٩م من كل أنحاء البلاد نحو مقر الجيش للحصول على مساندته لإنجاح الثورة فكان التجاوب والتعاون والتلاحم الذي نقلته في حينه وكالات الأنباء وكاميرات المراسلين إلى كل أنحاء الدنيا. والآن، ينتظر الجميع من قواتنا النظامية إكمال المشوار وترسيخ المشهد المدني في البلاد بتسليم كل ما لديها من مؤسسات وكيانات ذات طابع مدني إلى الحكومة المدنية الانتقالية، فهي الأحق والأجدر والأليق بهكذا ملفات وكيانات، تماماً كما هو الشأن بالنسبة للجيش الذي هو أجدر وأكفأ من غيره في ميادين أخرى وساحات أخرى لها سلاح مختلف ولغة مختلفة.

على الفريق البرهـان ورفاقه طمأنة الشعب بأن الدولة العميقـة بملفاتهـا السرية وبنوكهـا ودهاليزها وكتائب ظلها لم يعـد لهـا وجـود في السـودان الجـديد.

دولة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور عبدالله حمدوك:

إن كان الشهداء والجرحى والمفقودين هم مهر ثورة ديسمبر وقناديلها، فإن الدكتور حمدوك وحكومته هم من نالوا شرف تمثيل أولئك الأبطال وقيادة سفينتهم خلال هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ السودان، وهي مرحلة جديدة في كل جوانبها، مرحلة تخلّص فيها الشعب من الخوف والقهر والابتزاز، واستعاد فيها بالمقابل، شجاعته وعزته وكبرياءه. هي مرحلة جديدة مليئة بالتفاؤل والأمل والعمل رغم الطوابير الطويلة والمتاريس والحفر والحملات المضادة.

إنها مرحلة التأسيس لسودان السلام والشورى والعدالة، ومعالي الدكتور حمدوك وطاقمه الوزاري مسئولون أمام ضمائرهم وأمام شعبهم وأمام ربهم عن كل استحقاقات الفترة الانتقالية.

الشعب يتطلع إليكم لإنجاز ملف السلام بكل تشعباته من إعادة توطين وتعويض ونزع وتمليك ودمج وتسريح وتسويات وترضيات ومحاكمات وتعمير..

والشعب أيضاً يتطلع إلى خططكم ومبادراتكم ومعالجاتكم للمشكلة الاقتصادية الموروثة من النظام السابق. إنّ الأزمة الاقتصادية المزمنة بتجلياتها المتعددة من ندرة وتضخم وبطالة وتدهور وتهرّب وتهريب..الخ، هذه الأزمة المزمنة هي التي قصمت ظهر بعير الإنقاذ وهي كذلك كانت العامل الرئيس في تهاوي عرش الرئيس الأسبق نميري في العام ١٩٨٥م، والأزمة الاقتصادية لن تجامل أحداً، ولن تتوانى في إسقاط حكومتكم بكل يسر وسهولة، فالجوع كافر كما يقولون.

لذا، فإن هذا الشعب بشيبه وشبابه وكنداكاته، والذي سئم من المعالجات السطحية والحلول الجزئية لمشاكل الخبز والدواء والوقود إبان العهود السابقة، يتطلع إلى رؤية حلول حقيقية تعالج المشكلة من جذورها، حلول تستند إلى الواقع وإلى العلم وإلى الأرقام، لا إلى الأوهام والمواعيد العرقوبية.

لا شك في أن الملفات كثيرة والوقت يمضي سريعاً، ولكن يبقى الأمل قائماً في أن تفي حكومة حمدوك بما التزمت به من عهود ومواثيق لهذا الشعب العظيم الذي سلّمه مقاليد الحكم وسلّمه كذلك آلامه وآماله وأحلامه في رؤية سودان جديد يعمّه الرخاء وتزدهر فيه قيم الحرية والسلام والعدالة، سودان جديد يستوعب كل أشكال التنوع والتعدد من غير تهميش أو إلغاء للآخر المختلف، فكلنا لآم وآدم من تراب.

بجانب قضايا السلام والاقتصاد، ينتظر الثوار من الحكومة الانتقالية الإسراع في محاكمة رموز النظام السابق. لا بدّ من تقديم المتهمين للعدالة وتنفيذ الأحكام في المدانين، وأيضاً استرداد الأموال والممتلكات المنهوبة، على أن يتم كل ذلك وفقاً للقانون والنظام.

على حكومة الدكتور حمدوك، وفي ظل ما حظيت به من ثقة ودعم شعبي، أن تبرهن للجميع أنها أهلٌ لذلك الدعم ولتلك الثقة، عليها أن تقرن القول بالعمل، عليها أن تثبت لهذا الشعب من خلال الانجازات الملموسة لا الخطب الرنانة أنها هي الخيار الأنسب وأنها هي الرائد الذي لا يكذب أهله وأنها القبطان الماهر لسفينة ثورة ديسمبر، والقادر على الإبحار بها وبثوارها إلى بر الأمان وصناديق الاقتراع في ختام الفترة الانتقالية.

الدكتور حمدوك، أنت الآن رئيس وزراء الجميع في هذا الوطن الفسيح، فأنت راعٍ ومسئول عن رعيتك، مَن عاداك منهم ومَن أيّدك، مَن انضوى تحت لواء اليسار ومَن آثر الاستظلال برايات اليمين، مَن سار في مواكب ” الزحف الاخضر” مهما صغر حجمها، أو مَن انضم للمسيرات المليونية بهديرها وسيلها المتصل من عطبرة إلى الخرطوم، جميعهم تحت رعايتك، ويتوقعون منك أن تكون روحك الرياضية حاضرة عند تعاملك مع مَن أساء إليك قائلاً “عمبلوك” بنفس حضورها عند تعاملك مع مَن مدحك قائلاً ” شكراً حمدوك،”.

حالك يا حمدوك مع مَن هاجمك ومع مَن أشاد بك مِن أبناء الوطن، ينبغي أن يكون كحال سيف الدولة الحمداني حينما خاطبه المتنبي بقوله :

تمـــرٌّ بك الأبطالُ كَـلْمَى هزيمــةً ،، ووجهُــك وضّاحٌ وثغـرُك باســم

التحية،،

بقلم / طـه داوود
[email protected]

07/04/2020م

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..