مقالات سياسية

ما هو الوطن الذي نحلم به؟

عبد العزيز بركة ساكن

هذا السؤال ليس سهلاً، إنه سؤال الأسئلة، قد يقود إلى الثورة السلمية، وقد يقود إلى ثورة مسلحة وقد يؤدي إلى القبر أو السجن أو المنفى كما أنه قد يقود إلى الحُرية والرفاهية أو المدينة الفاضلة.

إذا أردتُ أن أجاوب عن هذا السؤال ببساطة ودون أية تعقيدات ومصطلحات فإنني أحلم بالآتي: وطن الحُرية الشخصية، وأعني بالحُرية الشخصية، حُرية أن تكون ما تريده طالما لا يتعارض ذلك مع حُرية الآخرين، حُريتي في اختيار ديني، أو ألا أختار أي دين أو عقيدة، حُريتي في ممارسة عقيدتي إذا وجُدت، وأن أدعو اليها بالطرق السلمية دون إكراه أو تحرش أو تهديد أو كذب أو تلفيق بكل الوسائط السلمية المتاحة، حريتي في ميولي الجنسي، أن أبقي على نوعي الطبيعي أو أن أتحول إلى النوع الذي أرغبه، وهذا بالطبع لا يتعارض مع حُرية أي كان، إنها مسألة شخصية بحتة، لا علاقة لها بالدولة الا فيما يخص باب حماية الحق. حُرية السفر والتنقل والترحال، حُريتي الاقتصادية، حُريتي أن أقرأ ما أشاء من الكتب وأن أكتب ما أشاء ولا تحد حرية الكتابة سوى الالتزام بعدم التعرض الجنائي على الآخرين، وعندها يقوم القانون بعمله. حُرية النشر وحُرية التوزيع حُرية الإعلان: وطن حُر لإنسان حُر.

أحلم بسلطة تحمي وتضمن حُريتي السياسية، الترشيح والانتخاب. حريتي في الاحتجاج السلمي ضد الحاكم، بالتظاهر أو الاعتصام أو الإضراب السياسي أو العُصيان المدني، فالحاكم ليس مقدساً ولا ظل الله في الأرض وليس معصوماً ليس استثناءً ويمكن إلغاء حصانته وفقاً للدستور: فهو مسؤول ومساءل أمام الشعب.. حكم مدني، رئيس مدني، مجلس رئاسة مدني، وزراء مدنيون، حتى وزير الدفاع مدني، مجلس تشريعي من المدنيين، معتمدون من المدنيين، حكام ولايات مدنيون: لا مكان للعسكريين سوى الثكنات. وطن فيه فصل واضح ما بين السُلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وطن المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، في كل الحقوق السياسية والمدنية: كل ما هو حق للرجل هو حق للمرأة، وطن ليس فيه تمييز وفقاً للنوع أو اللون أو الدين أو العقيدة أو الأمكنة أو اللغة أو الجنس أو الميلاد أو النسب أو الحسب أو الإرث أو الهُويات المكتسبة أو المتخيلة أو المُدعاة أو الهُويات المفروضة: الوطن للجميع.
وطن يحترم لغتي الأم ويحميها ويرعاها.
أحلم بوطن فيه الإنسانية مقدسة، دم الإنسان مقدسٌ، حُريته مقدسة، ومقدسٌ أيضاً اختياره.
ما هي مهمة الدولة: حماية الحُريات، حماية الحياة، حماية الأرض. من خلال المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية: لا تتدخل الدولة في عقيدة الإنسان، فليس للدولة عقيدة إنها كائن اعتباري لا وجود له خارج المؤسسات المدنية، لا روح ولا جسد، كائن وهمي متفق على وجوده للضرورة التنظيمية، رأسه المجلس التشريعي، أطرافه المؤسسات التنفيذية أخلاقه المؤسسة القضائية، دمه الشعب: لا يلد ولا يولد ولا يرث ولا يورث لا يموت ولا يُخلق من العدم، لأن وجوده وجود افتراضي بحت، وجود عن اتفاق أو كما يقول جان جاك روسو: عقد اجتماعي.

لا يهمني من يحكم، طالما يفهم أنه يجب عليه أن يحكمني وأنا حي، لا يصادر حقي في أن أكون، وحياتي تعني حريتي. وحريتي لا تتحقق إلا في ظل دولة القانون، دولة العدالة البشرية هنا على وجه الأرض، ليست مسؤوليته عما يكون عليه حالياً في السماء أو بعد مماتي، ولا من حقه أن يشفق عليَّ لأنه يعتبرني قاصراً أحتاج للإرشاد أو ضالاً لأحتاج للهداية، تلك مسؤوليتي أنا الشخصية إنها اختياري الذي سأتحمل مسؤوليته وحدي وأنا ملزم به، فالحاكم ليس مرسلاً من أجلي لإصلاحي، إنه منتخب من قبلي للمحافظة على حقوقي وحمايتي: من الجهل بتوفير فرص التعليم، من الفقر بتوفير فرص العمل من المرض بتوفير الرعاية الصحية من القتل والعبودية بتوفير الحماية الشرطية والعسكرية.

تلك الإجابات البسيطة، هي نفسها التي تؤدي إلى الوضع المُعقد جداً، إنها التي تحمل حراس الفضيلة الى اعتقالك أو سجنك أو قتلك باسم المعتقد، والتمرد على سلطة الحاكم الذي بينه وبين نفسه يعتبر ذاته ظل الله في الأرض، الحاكم باسمه، أولئك الذين عندما يقتلونك يظنون أنهم يقدمون خدمة لله: حركوا الجيوش باسمه زوراً وبهتاناً، فأبادوا الشعوب، قتلوا الشباب وبقوا في بيتوهم يسرقون وينهبون ويفسدون ويكنزون الدولارات والذهب والفضة. ما كانوا سيسفكون قطرة من دم الإنسان إذا علموا أن الاختلاف هو حق إنساني، والاحتجاج حق سياسي، وأن الهُوية ليست دائماً اختياراً!

هذه الإجابات التي تضعك في ظل الدولة الثيوقراطية: عدوٌ للشعب والحاكم وخارجاً عليه يجب قتله.
وفي ظل الدولة المدنية العلمانية: إنساناً مدنياً وديعاً مسالماً وطيباً يجب حماية حياته.
عبد العزيز بركة ساكن
المواكب

‫6 تعليقات

  1. يا سلام وينك يا راجل والله ليك وحشة ..وقلمك تحتاج له الساحة بشدة في هذا اليوم بل وهذه اللحظة التي يتكالب فيها شياطين الحركة الاسلاموية للانقضاض على ثورة الشعب السوداني المباركة والتي أنتزع فيها وطنه من براثن الحركة العالمية للإخوان المسلمين وفسادها المستطير. لن ننسى أبدا أنهم قسموا بلادنا بزعمهم أن ذلك قدر حتمه الدين وهو محض كذب وهراء ..أشعلوا الحروب في كل ارجاء البلاد وقتلوا أيضا باسم الدين واليوم يتباكون مجددا باسم الدين.. .. نريد وطنا لا أحد يملك حق الزعم بأنه كفيل الدين ولا لأحد الحق بمعرفة ما تكنه ضمائر الناس فالله فقط هو العالم بما تخفى الصدور وهو الغفور الرحيم. نريد دولة توفر صحة وتعليما وتقيم الموازين القسط بين مواطنيه وتحمى حدودها ومواردها. لا تتبع محورا أو تطأطئ راسها لشقيقة كبرى ولا تصعر خدها لشقيقة صغرى..دولة نحن بناتها تحقق تطلعاتنا في العيش الكريم والمنافسة الحرة المفتوحة بين شبابها في سلم النجاح بالمثابرة والصبر والطموح والتفوق لا دولة يولد أحد مواطنيها سادة والاخرون في مرتبة أدنى. شكرا يا ساكن شكرا يا ساكن.. بس ما تقيف من الكتابة نحن قراؤك من طراز أبو كديس

  2. (لا يهمني من يحكم، طالما يفهم أنه يجب عليه أن يحكمني وأنا حي، لا يصادر حقي في أن أكون)

    كلام جميل كما عهدناك كاتب وقاص وماذكرته هي (VISION)….

    لكن أين أنت؟

  3. هذا سؤال كبير جدا فالوطن احساس لا يعبر عنه بالكلام الوطن ان تحي بعزة وسط الانعام

  4. الانسان بركة ساكن ،احترامي لاحلامك .
    خذها مني لن يكون السودان وطن نهائي لكل ابناءة حتي يتم شنق اخر كوز اقطاعي بإمعاء اخر كاهن هبوط ناعم Period!”

  5. هلا بالاديب الاريب عبقري الرواية والقصة ابن السودان الحبيب بشماله وجنوبه وشرقه وغربه. فعلا هذا الوطن الذي نريد ولكنه بالطبع ليس الوطن الذي سعى كل مرضى النفوس لفرضه واسقاطه اسقاطا على واقعنا. لقد فشل كل سياسي حكمنا لانه تجاوز او تغابى حقائق الجغرافيا والتاريخ وسد اذنيه وغطي عينيه عن الواقع كما هو. ربنا سبحانه وتعالى خلق لنا اعظم وطن وقدم لنا اجمل لوحة في الوجود هي تنوعنا واختلافنا الديني والاثني والثقافي واللغوي. لذلك كل من غالط هذه الحقائق لم يفعل اكثر من تعطيل مسيرة النهوض للوطن العملاق. ولكم في السفاح المعتوه وزمرته من القتلة والمجرمين العبر.
    شكرا استاذ بركة ولا تحرمنا من بركاتك بالكتابة الراتبة فنحن في امس الحاجة لمشاركتكم. افتقدنا في الفترة السابقة الاستاذ فضيلي جماع عسى ان يكون بخير ولا نريد منك ان تختفي مثله.

  6. يقول الكاتب:
    (وفي ظل الدولة المدنية العلمانية: إنساناً مدنياً وديعاً مسالماً وطيباً يجب حماية حياته.)
    هذا تضليل… الدولة المدنية العلمانية ليست حملا وديعا كما تتمنى.. هي مثلها مثل الثيوقراطية، امريكا دولة مدنية علمانية، قد لا تقتل مواطنيها، لكنها قتلت ملايين الفيتناميين والعراقيين والأفغان.
    المانيا دولة مدنية علمانية، ومن رحمها خرج لنا هتلر وملايين البشر ماتوا في حروبه.
    الإتحاد السوفيتي كان مدنيا علمانيا لا وجود للدين فيه، ومع ذلك قضى ستالين على ملايين الأرواح
    في الصين وهي مدنية علمانية لا وجود للدين فيها قضى ما في الثورة الثقافية على ارواح 15 مليون صيني.
    بريطانيا مدنية علمانية، ومع ذلك استعمرت الكثير من شعوب الأرض وقتلت ملايين ونهبت وسرقت تحت مظلة المدنية والعلمانية.
    كفاية ولا ازيدك
    إذن مقولة (في ظل الدولة المدنية العلمانية: إنساناً مدنياً وديعاً مسالماً وطيباً يجب حماية حياته).
    مجرد وهم جميل علينا أن نبله ونشرب مويته.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..