بيانات - اعلانات - اجتماعيات

وفاة والدة الشهيد مجدي محجوب .. وقصة وصوله للسجن حتى إعدامه

عبدالرسول النور إسماعيل

( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) صدق الله العظيم..

إنتقلت إلى رحمة مولاها أمس الأول السيدة الفضلي الحاجة هانم أحمد حسن صديق أرملة الراحل محجوب محمد أحمد رجل الأعمال المعروف وشقيق أشهر سفراء السودان وكيل وزارة الخارجية الأسبق والكاتب المرموق جمال محمد أحمد..

الراحلة العزيزة لم تمت بالأمس حين انقضى أجلها المحتوم، ولكنها ماتت مرارا منذ أواخر عام 1989 عندما ألقى القبض ظلما وعدوانا على ابنها الشهيد مجدي ومحاكمته ميدانيا دون ان توفر له فرصة للدفاع عن النفس ناهيك عن تكليف محامي للترافع والدفاع عنه في تهمة باطلة شرعا وقانونا وإنما اريد بها الزجر وليس العدل والجبر..

وقد سعت رحمها بكل الوسائل لإنقاذ حياة ابنها ولو بفدائه بكل ما يملكون وتشفعت بكل شفيع ظنت ان شفاعته تنفع في ساعة الضيق، تشفعت بالبعيد والقريب، حتى أجبرها اضطرارها وضيقها إلى ان تتمسك كالغريق بالقشة، فوصلت شفاعتها إلى أم المخلوع والى زوجته .. الشفيع العريان.. فسمعت كذبا ما يطمئنها ورأت بعينها ما يؤكد ويزيد مخاوفها.. فقد قيل لها أن المخلوع كان خارج المنزل وانه بمجرد دخوله البيت سوف تطلب أمه منه تخفيف الحكم.
واكدت لها انه سوف يسمع كلامها. وحاولوا طمأنتها.. ولكنها لمحته داخل البيت، فتأكد لها انهم من قوم مسيلمة.. ولو سبقوه بيوم لما ذكر مسيلمة إلى الأبد..

وإن انس لا أنسى عصر ذلك اليوم عندما دخل على قسم المعاملة الخاصة بسجن كوبر الذي كان يأوي وقتها معظم قادة المعارضة.. المهدي والميرغني ونقد والترابي وإدريس البنا المحكوم عليه باربعين عاما بتهمة فساد مزعوم.. والمرحوم صلاح إبراهيم.. وعلي محمود حسنين وسيد احمد الحسين وعشرات المعتقلين الآخرين.. مجموعة من المعتقلين والمحكومين.. من بينهم شاب وضيئ عليه ملابس السجن الدمورية.. فتسابق نحوه عدد من المعتقلين.. صلاح إبراهيم أحمد.. د. جمال ابو سيف.. وادوارد أسعد أيوب.. أحمد عمر ابراهيم مالك وآخرين.. وسرعان ما انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم.. وان السجين الجديد هو مجدي محجوب محمد أحمد وانه حكم عليه بالإعدام بتهمة حيازة عملة أجنبية..

ولم يصدق كثيرون أن ينفذ هكذا حكم.. وظنوا انه نوع من التخويف ليس إلا.. وان السجين لا يبدو عليه انزعاج وانه لا يبالي بما سمعه بأذنيه من حكم المحكمة العجلى.. خاصة وانه معنا محكومين اخرين بالإعدام مثل د. مأمون يوسف نقيب الأطباء ود. سيد محمد عبدالله سكرتير النقابة.. وكان هؤلاء المحكومون يحضرون لقسم المعتقلين السياسيين صباحا.. ثم ينقلون مساء الى الزنازين الشرقية المجاورة للمعاملة الخاصة حيث كنا وزنزانة المشنقة من الجهة الاخري.. ثم يحضرون في اليوم التالي.. لقد ناقش المحامون المعتقلون.. علي محمود حسنين وسيد أحمد الحسين والصادق الشامي ومصطفى عبدالقادر وآخرون الأمر وقرروا كتابة مذكرة شديدة اللهجة للمجلس العسكري.. واستنكر قادة الأحزاب والمعتقلون ما جرى.. ولكن كما يقولون الراجل في يد الرجال مثل العصافير في أيدي الاطفال..

تعرفت عليه ونمت بيننا علاقة مودة وتواصل.. فكنا ننتظرهم كل صباح لنتاكد ان الأمس قد مر بخير وان اليوم كذلك.. وقد مررت بهذه الحالة المرة عام 1976م.. فإذا مر الصباح دون أن يتم استدعاؤك للمكاتب فهذا يعني ان هذا اليوم ليس فيه إعدام فينصرف التفكير الي الغد.. وهكذا نعيش رزق اليوم باليوم.. اما الاستدعاء بعد منتصف النهار فهو استدعاء خير ربما زيارة من قريب او صديق.. فكنا نفرح كلما جاءونا صباحا.. عرفت انهم يلتحفون بلاط الزنزانة ويتغطون بسقفها فاعطيته مصلاية لينام عليها وكم ابكتني تلك المصلاية. كثيرا عندما احضرها لي السجان بعد تنفيذ الحكم.. وقال لي أن المرحوم بالرغم من هول ما هو مساق اليه.. قد اوصاه بأن يسلمني هذي المصلاية مع الشكر.. وقال لي لم ار ثباتا طيلة عملي مثل ثبات هذا المرحوم.. لقد احتفظت بهذه المصلاية زمنا.. وقد فكرت في اهدائها لأمه الراحلة لانها اخر ما لامس جسده.. ولكنى تراجعت خوفا من نكإ جرحها المنوسر..

قبل يوم من تنفيذ الحكم الجائر عليه.. دخل علينا في زنزانتنا د. بشير عمر وانا وهو يحمل صحيفة صادرة ذاك الصباح وعلى صفحتها الأولى خبر بارز غريب.. يقول الخبر.. تم صباح اليوم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق مجدي محجوب محمد احمد بسجن كوبر وتم تسليم الجثمان لذويه.. فقلنا له هذا الخبر كاذب.. وان كل تأخير فيه خير.. إنه خبر غريب مريب.. وداعبه آخرون بأنه اول يقرأ نبأ وفاته.. وهاج السجن وماج.. وإنما العاجز من لا يستبد..

وقبل ان نكمل حوارنا معه.. جاءه الاستدعاء الي المكاتب قبل أن ينتصف النهار و ما كنا نخشاه قد وقع..

ثم بدأت الاخبار تتري بأن الليلة هي ليلة التنفيذ وان المرحوم قد بلغ بالموعد المحتوم وانه ودع عائلته كما جرت العادة.. وان التنفيذ قد تم تأجيله بعد أن رابط عدد من السفراء أمام بوابة السجن لوعد قد تلقوه. عارضون شفاعتهم وشفاعة دولهم.. وان خبر تنفيذ الإعدام قد وزع على وسائل الإعلام باعتباره أمرا مقضيا..

لم ينم المعتقلون تلك الليلة السوداء.. الا قليلا كان يتابعون خطوات تنفيذ الإعدام المعهودة وقلوبهم وجلة.. حتى إذا قضى الأمر.. وعلا النحيب والهتاف خارج السجن.. تجاوب المعتقلون معهم هتافا ونحيبا.. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..

‫4 تعليقات

  1. لاحول ولاقوة الابالله.ربنا يرحم المغدور مجدي محجوب ويرحم امه التي ماتت الف مره من الحسره,لقد اعدمو قلبها البرئ يوم اعدمو ابنها ظلما وعدوانا,وهاهو الله العزيز انتقم لها واذل من اذلوها وقتلو فلذة كبدها,وهاهم اليوم يقبعون قي نفس الزنزانه ينتظرون مصيرهم المماثل , غير مأسوف عليهم,فالله يمهل ولايهمل ,انه المنتقم الجبار.
    الكيزان ديل مابشر والله,, والاسلام منهم براء…. صحي والله من اين اتي هؤلاء ؟تبا لهم ياخ

  2. (وعند الله تجتمع الخصوم)
    (إنا لله وانا اليه راجعون)

    استطيع ان أتصور مقدار الأسى، والحزن ، الذي كانت تعانيه هذه السيدة النبيلة…فقد جرت الصفا والمروة …..ولقد كانت امنا (هاجر) حينها ، صبية ، فتية….و(الظامئ، الرضيع، إسماعيل لم يكن ينتظره الجلاد، صاحب النجوم، والنياشين…وصاحب زبيبة الصلاة على الجبهة ، واللحية المنمقة، والشال المطرز، الفاره، على المنكبين) .
    كانت هذه الأم المكلومة ، وهي التي أثقلتها السنون ،تركض (صفوتها) ، وتهرول (مروتها)مابين الأمل….والمأمول…مابين هدية أم بشة…وبشة ود هدية……لا رحمة تتنزل ولا قطرة ماء…ما بين الجنرالات اصحاب النجوم…وما بين الشيوخ الزور اهل الزبائب ، واللحى ، لعلهم يكتفون بالدولار والأصفر الرنان…بل وكل ما تملك…🔥🔥🔥لعلهم يتركون لها فلذة كبدها ، وهو ما يزال يرتع في ميعة الصبا ، وشرخ الشباب…ولكنهم ما اكتفو بالدولار الموروث…مضمونًا في خزائنهم ….على عجل علقوا الفتى على أعواد المشنقة…..اااااااخ كم ضمت (جبانة فاروق)من اهوال وآلام وأسية…لقد شيعناه -وقتها- ونحن مذهولين …من جراءة القتلة، وبشاعتها ، غير مصدقين…معقووووول أيقتل أحدهم معلقا على المشنقة…لحيازته(كم دولار….( حقو ، ملكو ، ورثو ، حلالا، بلالا!!!!؟؟؟)
    (أعلى درجات الهوى ، والتشفي ،وسرد المثالب ، والانتقام)
    🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥
    (حقا من أين أتى هؤلاء؟!)
    حقا
    (اتوا من ظهور الظلم
    من ارحام القساوة والجفاء
    من عمق أجحار الأفاعي
    من دروب البؤس
    حلوا في الخفاء

    أتوا من من حيث يأتي
    كل قطاع الطريق
    من كل القلوب البور
    جاءوا من هباء
    أتوا بعد التداعي
    يلبسون الدين تاجا
    ويئدون الاماني والهناء

    يحملون المعول الهدام
    ويستبيحون بلادي
    وحليب الطفل
    وجرعات الدواء

    يسلبون النوم
    من أجفان أمي
    بعد ان ضاقت الدنيا
    وهاجر الابناء

    اتوا من كل فج مظلم
    لم يذوقوا طعم حب بلادي
    لم يعيشوا عشقها
    وعزة اهلها الشرفاء

    أتوا يمتطون صهوة الحقد
    همهم حب الأنا
    وأحلام الثراء
    لا يتورعون عن النهب
    وعن سفك الدماء
    (يا امي…يا ام مجدي…الصابرة ، المحتسبة…ويا ام كل شهيد وشهيدة…في كل صقع من اصقاع بلادي الحبيبة…في بورتسودان…في كجبار…عند المناصير…في دارفور…كلمة ….ثابت …يا ام كل شهيد وشهيدة حصدتها قصوف الانتينوف في جبال النوبة…في تلودي… وكاودا…لقد قدم الشاعر المجهول ، اجابة فذة ، صارخة ، صادقة…لتساؤل الحكيم…الطيب صالح…(من أين اتى هؤلاء!!؟)

    ااااااااااخ ما أقواها هذه المرأة…الأم …كيف عاشت ، وصبرت كل هذه السنون المتطاولة!!!؟؟(مجدي…اركانجلو…بسطاويسي)هذا الثلاثي كيف يملك (قتلتهم) جرأة (ممارسة الحياة) بشكل طبيعي ومعتاد!!!!؟؟؟
    لقد فجر الكيزان…وجنرالات ،وعسكر الاسلام السياسي…حسن الترابي وتلاميذه في الخصومة ، والعداوة ، ايما فجور
    لقد شنقوا هؤلاء الفتية عبثا….مجانا….(على كيف كيفك!؟)
    انا لله وانا اليه راجعون
    عزاءنا..(ايماننا بالله الفرد الصمد)…ينبؤنا ، انك ايتها الأم ، الصابرة ، المظلومة، من أهل الجنة ان شاء الله…وعزاءنا انك ستلاقيه -ابنك – وستلاقينهم… طائفة القتلة(الشيوخ الزور، والجنرالات المسوخ)
    (وانا لله وانا اليه راجعون)
    وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين
    كمال ابوالقاسم محمد
    نجران-السبت ١٩ابريل ٢٠٢٠م

  3. أرتال الأحزان وثقل المٱسي التي خلفها نظام الأخوان المسلمين لم يسبق لها مثيل .ألا رحم الله مجدي محجوب ووالدته رحمة وسعه ، ونسأل الله الرحمه والمغفره لكل الذين اغتالهم ذلك النظام المأفون بالتعذيب في غياهب السجون وبالاعدامات الجائره وبالاختطاف والقتل وغيرها من من الوسائل الخارجه عن أعراف البشريه..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..