مقالات وآراء

” نحن من علمنا الشعوب الثورات”

نعم من اول الشعوب في المنطقة عرفت الثورات في حدها الادنى في إسقاط الديكتاتوريات.

نعم بالمعني الظاهري للثورات بالتدافع، و “الظيطة، والظمبريطة”، خرجنا، و خرجت الاصوات من الحناجر، وتعالت اعمدت دخان اللساتك، و ترَّسنا الطُرقات، والشوارع، وملأنا الميادين، واسقطنا ثلاثة انظمة شمولية ديكتاتورية.

اما المعنى الجوهري للثورة في تغيير الحياة السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية، لم نحقق ثورة بعد!

ليتحقق المعني الحقيقي للثورة لابد لها ان تقلب الحال من النقيض إلي النقيض، فتغيير الحاكم ما هو إلا حلقة من حلقات الثورة، وللأسف يُعتبر عندنا هو كمال الثورة، ومنتهاها، لنظل في ذات الدائرة الجهنمية، لنودع ديكتاتور لننتظر آخر.

الثورات لا تعرف البراغماتية، ولا التحالفات التي تُقاس بمعدلات الضعف، والقوة، لأن نبضها هو ضمير الشعب، وصوت الشارع!

كل الثورات السودانية فشلت لأن من تصدروا المشهد فيها قادة لم تنتجهم الثورات، وإفتقدت جميعها لقائد مُلهم تتوحد كل اطياف الشعب خلفه ليعبر بالثورة إلي غاياتها.

اعتقد ثورة ديسمبر ليست كسابقاتها في الشكل، والمضمون، لذلك لا يمكن ان تموت كما يُراهن البعض.

هذه الثورة إنطلقت من الهامش، و الاطراف الي المركز، عندما إندلعت شرارتها من الرصيرص، و الدمازين، ثم عطبرة، و إعتصمت كل المدن، والارياف بحبل الثورة المتين، ثم الخرطوم العاصمة، التي كانت تمتلك الحق الحصري في الإنطلاق، وإعلان بذوق ثورات النُخب.

لأن هذه الثورة مختلفة كان يجب ان يكون التعاطي معها مختلفاً.

نعم كانت تركة النظام البائد العسكرية، والامنية بالغة التعقيد، فكانت ثورة ديسمبر مدنية بالكامل اسقطت نظام المخلوع البشير بلا سند عسكري، او امني، وظلت تقف في عامها الثاني منفردة برغم المطبات، والعوائق التي إختلطت فيها التقاطعات، والاطماع، والمصالح بين الداخل، والإقليمي، والدولي.

اعتقد عدم تعين وزير دفاع حتي كتابة هذه السطور رسالة لم يجيد الكثيرون قراءتها بالشكل الصحيح.

المشهد في البلاد لا يمكن ان تخرج به التحالفات إلي بر الامان، بل ستعيدنا للتمترس، وصناعة مراكز القوى، وتظل المعضلة، التي تجعل من المشهد في سباق بين الحروب، والإنقلابات، وعدم الإستقرار السياسي، وبالضرورة انه يصب في مصلحة الفلول، الكهنة تجار الدين!

اعتقد الحلقة التي تحكم هذا المشهد هي العلاقة بين حميدتي، والبرهان بعيداً عن تقاطعاتها السياسية، واذرع النظام البائد.

عامل الثقة بين الرجلين، كبير بشكل شخصي، والعلاقة بينهما لم تنتجها هذه الثورة، او فرضتها ظروف حالية، و يرجع ذلك لنشئة وتكوين الدعم السريع، وما لعبه البرهان في دارفور لسنين عددا، والكل يعلم كيف لعب النظام البائد لضرب النسيج الإجتماعي هناك، و الغرض الذي تكونت هذه المليشيات لأجله.

التحدي الذي يواجه الرجلين انه لا يمكنهما من صناعة مساعدين، او قادة بنفس طبيعة العلاقة بينهما، لا في الدعم السريع، ولا القوات المسلحة، فكل ما تفقد هذه الدائرة الضيقة احد رجالها يصعب تعويضه، ويزداد الوضع تعقيداً، و تتسع دائرة الشك، وعدم الثقة، وكما اشرت الي غياب وزير الدفاع، حيث تغيب الحلول المنطقية لصالح الصراعات.

إذا راهنت القوى السياسية التي تقود المشهد علي التحالفات، ومراكز القوى في تفكيك النظام البائد، وترسيخ مبادئ الثورة، اعتقد هذه نكسة في مسيرة الثورة نفسها، التي لا يمكن ان تكون لقوة الشارع، وإرادة الشعب اي قوة موازية مهما بلغت، لتفرض اجندتها، او نفوذها، لأن الجميع لم يؤمن بالثورة بعد، فمنهم من حمله الخوف، وآخرين تدفعهم المصلحة، و حب الذات.

يجب فرض إرادة الشعب في التغيير علي الجميع، لأن ذلك فيه مصلحة عامة، و يجب علي الجميع الإستثمار في هذا الإستقرار النسبي حتي الآن، قبل ان تضيق الدوائر في المعادلة، والتي ستضيق شئنا ام ابينا، ويمكنها التآكل بفعل الزمن، و الشيخوخة، و تصاعد الاحداث، والتراكمات!

المشهد يحتاج لقادة بشكل حقيقي ليخرجوا بالبلاد من هذا المشهد بعيداً عن اي تقاطعات، او تحالفات يمكنها ان تربك المشهد، وتزيده تعقيداً.

علي البرهان، و حميدتي، الإنحياز الكامل للثورة بلا تردد، وسيكون الشارع عاصماً، وسداً منيعاً، والبدء في العمل الجاد مع قوى التغيير في تنفيذ إستحقاقات الثورة، والتغيير، وضرب فلول النظام البائد، الذين تعالت اصواتهم.. ووصولهم عبثاً الي ميدان القيادة، الذي يُمثل رمزية لأعظم ثورة سلمية عرفها العالم الحديث، مُهرت بدماء لم تجف بعد يُعد إساءة بالغة للشعب، والثورة.

والاهم ان نخرج من هذا المشهد بقوات مسلحة ذات قيادة موحدة، بعقيدة وطنية تحمي الشعب، ومكتسباته، وتحرسه بعيداً عن ادوات السلطة، والإستعداد لتلبية إستحقاقات السلام.

علي البرهان، وحميدتي، وقوى الحرية والتغيير ان يعوا ان هذه الثورة لم تكن كسابقاتها، فالشارع لا يمكنه الإستسلام دون بلوغ الثورة غاياتها.

ولم تعد الايام هي الايام، ولا يمكن للتاريخ ان يعيد نفسه في تكرار الماضي البغيض.

فالتغيير الذي خرج من اجله الشعب بكل اطيافه لابد ان يكون جوهري، وحقيقي، والإنتقال من المربع القديم البالي، الي رحاب الثورة، و الدولة المدنية الحقيقية التي يتساوى فيها الجميع، في الحقوق، والواجبات.

هل سيقرأ من غرتهم السلطة وبريقها المشهد بشكل صحيح قبل ان يسحب الوقت ايامه، وساعاته، ودقائقه، وثوانيه من تحت اقدامنا جميعاً؟

خليل محمد سليمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..