مقالات وآراء

إعتراف الشجعان

أعترف مساء الخميس الموافق السادس عشر من أبريل من العام ألفين وعشرين كل من مانيس والتعايشي وسلك والعم صديق, بأن الثورة الشعبية العارمة التي انطلقت في ديسمبر من العام الماضي لم تبلغ غاياتها النبيلة ولم تحقق مبتغاها, وأن طموح الشعب السوداني في إنجاز العدالة والسلام والحرية لم يتم, وفيما يتعلق بشعار الحرية قدم العم صديق اعترافاً شجاعاً أمام رمز السلطة مانيس, وقال بأن الشرطة قامت بقمع المتظاهرين السلميين أمام بوابة مجلس وزراء (الثورة) الذي يمثل مانيس أمينه العام (وزير رئاسة مجلس الوزراء), الأمر الذي أحرج الأخير فكانت الابتسامة الصفراء الباهتة الباديةً على وجهه خير انعكاس لأزمة الوضع الانتقالي, لن تتحقق شعارات الثورة والقاتل البشير وزمرته الفاسدة وحاشيته المفسدة ما يزالون في السجون وفي الحفظ و الصون.

هذا اللقاء له إيجابية واحدة فقط, هي أن أكبر جهاز إعلامي بالدولة أصبح يقوده رجل مهني من الطراز الفريد, هو الأستاذ لقمان أحمد مدير الحوار الخميسي المميز, وأن الضيوف الكرام كانوا نموذجاً مختلفاً عن النماذج السياسية السابقة التابعة للحزب البائد, لأنهم صدقوا واعترفوا وقالوا ما يمليه عليهم ضميرهم, إلا مانيس الذي بدت عليه علامات الكوزنة بكل وضوح, عندما اعترض على سؤال وجهه له لقمان فاعترض وقال (يجب ان نضع السؤال في سياقه الصحيح), العبارة القميئة والقمعية التي ظل يتداولها الكيزان عندما يتضايقون من أسئلة الصحفيين الأحرار, من أنت يا مانيس حتى تفرض على هذا الإعلامي المهني النحرير والمقتدر كيفية طرحه للأسئلة؟

القاريء الذكي و اللماح لمجريات ذلك الحوار يعلم بما لا يدع مجالاً للشك أن الشق المدني في حكومة الانتقال أراد أن ينقل المعركة للعلن, وهنا واجب على حماة الديمقراطية والمنادين بالمدنية أن يكونوا على قدر من النباهة والذكاء, بحيث يجب عليهم أن يتفهموا الرسالة التي أرسلها رموز الحكم المدني عبر التلفزيون الوطني للدولة السودانية, وهي ألحقونا و افزعونا يا ثوار و يا مواطنين يا كرام, فنحن نشكوا اليكم ضعفنا و قلة حيلتنا في مواجهة الدولة العميقة.

لقاء الخميس كشف عن البذور اليافعة والنابتة لثمرة الديمقراطية والشفافية, فهل تتقبل صدور القوى المناوئة هذه البدايات المبشرة بدولة الديمقراطية والحكم الراشد؟ , وهذه القوى المناوئة ليست بالضرورة أن تكون المنظومة البائدة كما يتصور الكثيرون, هذه القوى المناوئة موجودة داخل قوى اعلان الحرية و التغيير و في مجلسي الوزراء و السيادة, و لك أن تبحث و تتقصى سير وأخبار الذين أطلوا على المشهد السياسي بعد الثورة وتفحص تواريخهم المخزية مع منظومة البشير البائدة.

أكثر الصادقين في لقاء الخميس هو العم صديق, وهذه المصداقية نتاج تجربة طويلة لرجل عاصر كل الحقب السياسية التي مر بها السودان منذ الاستقلال و حتى يومنا هذا, وما جعله كذلك هو أنه ليس لديه ما يخشى عليه, وهنا نسأل لماذا لا يكون العم صديق رئيساً للمجلس السيادي في دورته الثانية؟, رجل بهذا الزهد و الصدق و الوضوح و وقار الشيب, يجب أن يجلس على قمة جهاز الدولة المعبر عن سيادتها الوطنية, لقد آخذت أخي التعايشي بمخاطبته للعم صديق وذكره لاسمه حاف (صديق), نحن سودانيون مهما بلغت بنا المناصب والدرجات فيجب أن يظل فارق السن لدينا له المحبة والتقدير والإيثار حتى ولو اختلفنا في الرأي.

كان نجم ذلك اللقاء هو الاعلامي القدير لقمان, لأنه استطاع أن ينتزع الأعتراف من الجميع, صدقوني لو كان هذا الحوار تحت إدارة تلك الكوزة التي كان زوجها يعمل ياوراً واقفاً خلف البشير وحارساً له, لما استطعنا إكماله و لما استطاعت هي انتزاع هذه الاعترافات الواضحة والصادقة والشفافة من ضيوف البرنامج, فمرحب ببوادر ظهور نعم ومحاسن الديمقراطية وحرية الرأي, وتواضع السياسي ورجل الدولة أمام كاميرا التلفزيون الوطني, فشتان ما بين استضافة المتلعثم أمين عمر و ما بين حديث الشفيف خالد عمر, إنه عهد السلام و الديمقراطية و الوئام و التمتع بحرية الإعلام.

فالتحية و الشكر لكم لصدقكم و اعترافكم بواقع الحال, و سوف تقف معكم جماهير الشعوب السودانية طالما دمتم صادقين معترفين بواقع هذا الحال البطّال غير مداهنين ولا منافقين, وعاكسين له في وسائل الإعلام, والاعتراف ليس هو سيد الأدلة وحسب وإنما المعترف بالحقيقة هو الشجاع,و لأن الشجعان وحدهم هم من يعترفون بالتقصير ولا يزايدون.

إسماعيل عبد الله

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..