أهم الأخبار والمقالات

العلمانية فعل تنويري فكري وليست شعاراً سياسياً

الأزمة الحقيقية في السودان والمعوق الرئيسي لتقدمه هو تسييس الفكر مع أن المطلوب هو فكرنة السياسة، فالسياسة في السودان هي مجرد عضل بلا عقل، وكتل جماهيرية تتحرك بإشارة زعيم الطائفية الدينية الذي لا يساءل ابدا ويعتبر الخروج عن نفوذه مروقا من الملة،والمشكلة هي أن المثقفين يتنافسون مع هؤلاء الزعماء في الضجيج والحنجرة _ كما يقول المصريون _ دون التعامل مع الافكار والنظريات والرؤى .

المطالبة بذكر العلمانية في الدستور أو الاتفاقيات هو المقابل الموضوعي لمطلب تطبيق الشريعة في الدستور، ووجه آخر لشكلانية مضمون الدولة المدنية.
أكبر الدول العلمانية لاتجد ذكرا للمصطلح في دساتيرها، ولكنها تمارس العلمنة على ارض الواقع وهذا هو المطلوب . والعكس ممكن ذكر العلمانية في الدستور وتكون الممارسات دينية بامتياز! المطلوب من المثقفين أن يكتبوا ويناقشوا فصل الدين عن الدولة أو السياسة وأن ينتقدوا وينقدوا الدولة الدينية واثبات فشلها وعجزها، اي أن يرفدوا المكتبة والجامعات بالدراسات والكتب عن العلمانية وليس اعتلاء المنابر والليالي السياسية وتهييج الجماهير ضد العلمانية وهم يقصدون كسب تأييدها.

أثناء الثورة الفرنسية قالت مدام رولان حسب ظني _ قولتها الشهيرة : أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك ! وأظنه من الممكن استشعارهذا الوصف ليطبق على العلمانية هذه الايام في السياق السوداني .
فقد تحول المفهوم من مطلوب فكري يجب أن يشتغل عليه المثقفون والمفكرون وأن يغرسوه في الواقع السوداني إلى شعار سياسي للمزايدات والخصومات وحب الظهور.

بداية العلمانية لا يحققها الدستور فأغلب الدول العلمانية لا تنص دساتيرها صراحة على ذكر العلمانية ولكنها تمارس فعليا فصل الدين عن السياسة والدولة . علمانية تركيا كمال أتاتورك كانت قرارا فوقيا وهاهي تركيا حاضنة للاخوان المسلمين والجماعات التكفيرية من كل أنحاء العالم .

لم أكن مرتاحا لطرح مطلب العلمانية في مفاوضات السلام بجوبا . ورغم أنني أعلم أنه من المحرمات أو التابوهات السياسية المستجدة : نقد الحركات المسلحة أو الحركة الشعبية أو الجبهة الثورية وصار الكثيرون يترددون كثيرا قبل توجيه النقد ولو كان صديقا لهذه المجموعة وهذه ظاهرة خطيرة على الديمقراطية السودانية . لابد لهم أن ينقدوا ذواتهم وأن يقلبوا النقد بكل تسامح ورحابة صدر . ومن هنا أقول أن واجب هذه الحركات هو تسهيل عملية السلام والإسراع بها حتي نبدأ في بناء : وطن موحد قومي ديمقراطي تقوم دولته علي حقوق ا لمواطنة والمساوة بين الجميع مشاركين في السلطة والثروة بلا تمييز، وفي هذا السودان الجديد يمكن وضع بنيات ثابتة للعلمانية . فقد كانت بداية العلمانية في أوروبا والغرب ثورات فكرية تتسلح بالعقل والعلم والحرية استطاعت خلخلة واقتلاع التزمت الديني من خلال الاصلاح الديني والثورة الفرنسية ونشر الافكار الديمقراطية والاشتراكية بين الجماهير والنخب . لم تكن العلمانية عملا سياسيا فقط بل هي ثورة العلم والعقل والانتاج . يعجبني قول رفاعه رافع الطهطاوي عن النهضة : هي الحرية ، والفكر والمصنع . هذه هي العلمانية أيضا .

أزعجني بالاسم عنوان متداول يقول : “الجبهة الثورية تطلق النار على قوى الحرية والتغيير ” وفي نفس اليوم كان رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم يطلق عليهم النار ويهدد الثوار جميعا بالتصفية الكاملة وليس دفع الدية بل دم جديد سيسيل . وهذه مفارقة مؤلمة أو يجد الثوار أنفسهم في نفس خندق السدنة والارهابيين .

نؤيد العلمانية بلا تحفظ ولكن الاولوية للسلام وإعادة بناء دولة السودان الجديد حقيقة وليس هتافا ومجرد كلام ومزايدات . الإسراع بالسلام هو مطلب الثوار لإنجاح المرحلة الانتقالية.

د. حيدر ابراهيم علي

‫9 تعليقات

  1. العلمانية لها مدلول فلسفي مرتبط بفترة تاريخية محدده في اروبا ومحاولة اسقاط هذا الواقع علي السودان كرد فعل لتجربة الاسلام السياسي الفاشلة ستكون ايضا تجربة فاشلة
    الدولة المدنية التي لاتفرق بين المواطنين علي اساس الدين او العرق هي الصيغة المناسبة والتي يتقبلها المزاج السوداني
    اي محاولات لفرض هذه الاشياء في الفترة الانتقالية يهدد مسيرة الفترة الانتقالية ويفتح الباب واسعا للمغامرات والمجهول

  2. جاء في مقال الدكتور الفاضل حيدر ابراهيم ( المطالبة بذكر العلمانية في الدستور أو الاتفاقيات هو المقابل الموضوعي لمطلب تطبيق الشريعة في الدستور، ووجه آخر لشكلانية مضمون الدولة المدنية )
    صحيح أكبر الدول العلمانية لا تجد ذكرا للمصطلح في دساتيرها ( بل في الحقيقة لا تجد لها دستورا أصلا مكتوب ؟ كبريطانيا مثلا.)
    فكلامك يا دكتور صحيح في عمومه على البلدان التي لا تنص قوانينها على أحكام الشريعة الاسلامية. غير أن السودان كما تعلم قوانينه تنص بالحكم بالشريعة والقصاص والردة ، وإذا لم تعالج هذه الأصول إبتداءً – ونحن في ثورة- فمتي يمكن أن تعالج؟!!
    بعدين…الثورة دي قامت على منو؟ ومن أجل شنو؟؟
    والحرية ، والسلام ، والعدالة ،
    كيف لها أن تتحقق ، والقوانين الدينية قائمة لم تلغى.
    أم يظن أحد المهوسين ( ان المجتمع سوف ينعم بالحرية والسلام والعدالة بتنفيذ حكم الردة !)

    مع الود الذي تعلم،،،
    ابوبكر حسن،،،

    1. بل ليتك يا خاتي اللوم أن تراجع استخدام ليت وأن فهما لا يجتمعان فتقول ليتهم يقرأون كما أن أن المخففة حرف نصب لفعل المضارع فلا تقل أبدآ أن يفعلون او يقرأون وقل ليتهم يقرأون وأتمنى أن يقرأوا ويقرآ ويقرأ

  3. في دول كثيرة تختلف القوانين من ولاية لاخري، مثلا المارجوانا والاجهاض قد تكون مسموح بها في ولاية وممنوعة في ولاية اخري، نفس الشيء في بعض الدول العربية كما ورد في الطرفة (شيخ يسكر وشيخ يسفر).
    ما المانع ان يكون هناك اكثر من تشريع في السودان حسب تصويت سكان كل اقليم علي حدة، تماما كما يحدث في تشريعات الاجهاض والمارجوانا في الغرب كما اسلفنا، علي ان يكون الدستور القومي محايدا ويعطي كل اقليم الحق في سن القوانين التي تناسبه حسب رغبة السكان.
    نرجوا ان يكون المفكرون امثال حيدر ابراهيم جزء من عملية التفاوض الجارية الان في جوبا حتي يرفدوا الاطراف بافكار علها تقرب الشقة.

  4. كل فتاة بابيه معجبة في السودان دولة العجايب الفاسد الدكتاتور البشير لا يملك علم و لا عقل حكم السودان ثلاثون عاما الان حميدتي هو إفراز طبيعي لنظام البشير الدكتاتوري لا يملك علم ولا عقل يتحكم في السودان سياسيا واقتصاديا مازالت النخبة السودانية تعيش في حقبة الستينات من صراع العلمانية والاشتراكية والقومية العربية والدولة الإسلامية والشعب السوداني يكاد ينقرض بالجوع والمرض وهم يتآمرون علي بعضهم.

  5. اکبر کارثة حاقت بالسودان هی دعوة الدستور الاسلامی:الترابی ؔالصادق،والدعوة للجمهوریة الرٸاسیة: ازهری ؔ والامام الهادی واقامة دیکتاتوریة مدنیة بحل الحزب الشیوعی وطرد نوابه المنتخبین بواسطة مٶامرة الاحزاب الرجعیة مع الکیزان ؔجبهة المیثاق الاسلامی ومنذ ذلک الوقت دخلنا فی دوامة الداٸرة الشریرة.

    1. طرد الشيوعيين انفسهم من البرلمان ومن وجدان الشعب السوداني باستهتارهم بقيم ومواريث الشعب السوداني الابي الكريم ولا مكان لهم في سودان اليوم او الغد ومحاولاتهم الساذجة للتمكين من خلال المحاصصات في الفترات الهلامية الانتقالية اكبر دليل علي خوفهم من الوصول للسلطةًعبر استحقاقاتها المعلومة
      الشيوعيون والكيزان وجهان لعملة واحدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..